في 2025/04/11
يوسف حمود - الخليج أونلاين
في خضم أجواء إقليمية مشحونة ومحاولات متجددة لاحتواء التوتر بينهما، تعود إيران والولايات المتحدة إلى طاولة التفاوض عبر جولة مرتقبة في سلطنة عُمان.
الملفات العالقة كثيرة، والعقبات لا تزال قائمة، إلا أن الطرفين - رغم كل التباعد - يبدوان على استعداد لاختبار ما إذا كانت الدبلوماسية قادرة على تجنيب المنطقة موجة تصعيد جديدة، قد تكون الأشد منذ انهيار الاتفاق النووي قبل سبع سنوات.
وبينما تؤكد طهران أن المفاوضات ستقتصر على الملف النووي، تسعى واشنطن لتوسيع نطاق الحوار ليشمل برنامج إيران الصاروخي ونفوذها في المنطقة.
أما مسقط، فتستعد مرة أخرى لأداء دور الوسيط، مستندة إلى سجل طويل من التهدئة بين الخصمين اللدودين، فما المتوقع من هذه المحادثات؟
مفاوضات جديدة
على مدى السنوات الماضية، جرت محاولات متعددة لاستئناف الحوار، أبرزها عبر مفاوضات غير مباشرة في فيينا خلال 2021 و2022، بمشاركة القوى الأوروبية والاتحاد الأوروبي كوسطاء، لكنها تعثرت بسبب تباين المواقف بشأن تسلسل الخطوات، وضمانات رفع العقوبات، واستمرار إيران في تطوير برامجها الدفاعية.
الآن، وبعد أكثر من عام من الجمود، تعود المحادثات عبر وساطة عُمانية مجدداً، حيث تشير مصادر إيرانية مطلعة إلى أن ثلاث قضايا رئيسية ستطرح على الطاولة هي:
البرنامج النووي الإيراني.
دور طهران في المنطقة.
ملف الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية.
لكن طهران، بحسب التصريحات الرسمية، تُصر على أن جدول أعمالها التفاوضي يقتصر فقط على الملف النووي، حيث نقلت وكالة "تسنيم" شبه الرسمية عن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، قوله إن المباحثات "غير المباشرة" ستُعقد على مستوى رفيع، برعاية مسقط التي لعبت سابقاً دور الوسيط بين البلدين.
كما كتب عراقجي على منصة "إكس" أن "إيران ستدخل في مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة في مسقط، دون شروط مسبقة، بهدف تقييم جدوى العودة إلى مسار تفاوضي فاعل"، مؤكداً أن بلاده لن تقبل الضغوط السياسية أو التهديدات كأداة تفاوضية.
ويتكوف وعراقجي
ومن المتوقع أن يرأس الوفد الإيراني عباس عراقجي، في حين يقود الوفد الأمريكي مبعوث ترامب الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف.
وقالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني: إن "طهران وواشنطن ستعقدان في عمان محادثات غير مباشرة".
وأضافت، في مؤتمر صحفي (8 أبريل)، أن "طهران تؤمن بمبدأ الحوار، وأكدت سابقاً أنها ستخوض المفاوضات إذا خوطبت بلغة الاحترام".
من جهته قال البيت الأبيض إنه "ستكون هناك عواقب وخيمة إذا لم تختر إيران الدبلوماسية، وإن الرئيس ترامب فرض عقوبات مشددة على إيران"، وأوضح أن أمامها أحد خيارين؛ التوصل لاتفاق أو دفع ثمن باهظ.
وتبقى فرص النجاح في هذه الجولة مرهونة بقدرة الطرفين على تجاوز العقبات التي أطاحت بالمحاولات السابقة، وأبرزها الخلاف على تسلسل التزامات الطرفين، وضمانات استمرار الاتفاق في حال تغيرت الإدارة الأمريكية، ورفض طهران أي قيود تمس برنامجها الدفاعي أو علاقاتها الإقليمية.
تهديد سابق ورفض
ولم تخلُ لهجة ترامب خلال الأسابيع الماضية من التهديد شديد اللهجة، بعد سلسلة من العقوبات التي فرضتها إدارته، ضمن سياسة الضغوط القصوى لإجبار طهران على التراجع في الملف النووي، ووقف دعم الفصائل المسلحة إقليمياً.
كما سبق أن رفضت إيران، على لسان المرشد الأعلى علي خامنئي، دعوة ترامب إلى التفاوض، مشيراً إلى أن هدف واشنطن هو التآمر وفرض مطالبها.
وسابقاً كان الاتفاق النووي مع إيران ينص على تقليل اليورانيوم المخصب، وتقليل عدد الطرادات، لكن الأمر تغير حالياً، إذ رفعت الولايات المتحدة سقفها لتطالب طهران بالتخلي الكلي عن البرنامج النووي.
وشدد مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، مايك والتز، يوم 16 مارس الماضي، في مقابلة على شبكة "CBS"، على ضرورة أن تتخلى إيران عن جميع جوانب برنامجها النووي، وضمن ذلك الصواريخ والتخصيب، مهدداً بعواقب وخيمة.
كما أصبح لدى الولايات المتحدة مطالب أخرى من إيران، تتمثل في إيقاف دعم الحوثيين، وتشجيع العراق على نزع سلاح الفصائل الموالية لطهران، ووقف تجارة النفط غير المشروع.
خلاف على التفاصيل
يؤكد الخبير في الشأن الإيراني إسلام المنسي، أنه "من الطبيعي أن يكون هناك خلافات كبيرة بين طهران وواشنطن" بشأن طبيعة المباحثات وطريقة مناقشة الملفات التي يجب نقاشها.
ويوضح لـ"الخليج أونلاين" بقوله:
- الخلاف ليس على مبدأ أساسي بشأن إبرام اتفاق يماثل الاتفاق السابق ويقيد البرنامج النووي الإيراني ويمنع عسكرته، بل الخلاف في التفاصيل الملحقة بهذا المبدأ الأساس.
- من الصعب جداً إبرام اتفاق لوجود خلاف كبير بين الطرفين، لكن يبدو أن الضغوط الأمريكية وتصعيد الضغوط خلال فترة المفاوضات سيجبر طهران على تقديم مزيد من التنازلات لم يكن من الوارد أن تقدمها في الأحوال العادية.
- رغم أن محادثات مسقط المفترض أنها قريبة جداً بعد 3 أيام، فإنه لا يزال غير مؤكد، رغم تأكيد الطرفين عليها وقد يحدث أي شيء يوقفه.
- الخلاف حول نقطة كون المفاوضات مباشرة أو غير مباشرة قد يفشل المفاوضات في البداية كما هدد بعض المسؤولين في البلدين، ولكن أعتقد أن هذه التفاصيل ربما لن تعيق التوصل لاتفاق.
- كل طرف يريد أن يحصل على أقصى قدر من التنازلات من الطرف الآخر.
- واشنطن تبدو في موقف قوي وطهران في موقف ضعيف، ومع ذلك فالإيرانيون لن يتنازلوا بسهولة ولكن لا يعني ذلك أنهم لن يتنازلوا في النهاية، غير أنهم سيعملون على تقليل خسائرهم.
عودة عُمانية للمشهد
من جانبه يؤكد الصحفي العُماني المختار الهنائي أن مسقط تعود إلى واجهة المشهد السياسي كوسيط هادئ في واحدة من أكثر ملفات المنطقة تعقيداً.
كما أشار في تصريح لـ"الخليج أونلاين" إلى أن الملف النووي الإيراني "أصبح حديث العالم بعد الرسائل المتبادلة بين واشنطن وطهران عبر القنوات العمانية، والتحركات الدبلوماسية غير المباشرة التي قد تفضي إلى اتفاق مرحلي أو تفاهم مؤقت".
ويقول في هذا الصدد إن هذه الوساطة ليست الأولى التي تؤدي فيها عُمان دور الجسر الدبلوماسي بين الضفتين، مضيفاً:
- سبقت مسقط العواصم الأخرى في احتضان المحادثات السرية التي مهدت للاتفاق النووي عام 2015، واليوم تعود الأحداث ذاتها، لكن بشروط جديدة وسياقات أشد تعقيداً.
- الملف النووي الإيراني لا يزال في صلب التوتر بالمنطقة، لكن محركات التفاوض باتت متعددة، من البرنامج النووي إلى نفوذ إيران الإقليمي ودعمها لـ"محور المقاومة"، ومن العقوبات الاقتصادية إلى أمن الملاحة في الخليج.
- تتداخل الأولويات وتتشابك الرسائل في ظل رغبة أمريكية في الهيمنة على أقطاب العالم، وحربها الاقتصادية العالمية، وحاجة إيران لتخفيف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة ضدها، والعقوبات التي لم تنتهِ منذ سنوات.
- الوساطة العُمانية تنبع من ثقة متراكمة في السياسة الخارجية الهادئة للسلطنة، التي ظلت تاريخياً على مسافة واحدة من جميع الأطراف.
- الوساطة العمانية لم تنزلق إلى محاور الاستقطاب، بالرغم من محاولات الجر والاستفزاز التي تتعرض له والحملات الإعلامية المدفوعة، وهذا الموقع المميز مكن مسقط من أن تكون "صندوق بريد" دبلوماسياً حيناً، و"منصة حوار" غير معلن حيناً آخر، كما يحدث اليوم.
- الطريق إلى اتفاق لا يزال مليئاً بالعقبات، فالمشهد الإيراني الداخلي يزداد تعقيداً بعد مقتل الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، مما فتح الباب أمام صراع نفوذ داخلي بين التيارات المختلفة.
- هذا الصراع يحدث في ظل أزمة اقتصادية خانقة واحتقان اجتماعي متصاعد، يفرض على القيادة الإيرانية اتخاذ مواقف محسوبة، توازن بين محاولة تخفيف الضغوط والعقوبات، وبين عدم تقديم تنازلات قد تفسر على أنها تراجع.
- في واشنطن، قلبت عودة ترامب إلى البيت الأبيض المعادلات مجدداً، فالإدارة الحالية تتبنى خطاباً أكثر تشدداً تجاه طهران، مستندة إلى مبادئ ترى في الحزم وسيلة لاستعادة الهيبة الأمريكية، وربما تُقرأ أي محاولة للتفاوض أو الانفتاح على إيران كتناقض مع وعود ترامب الانتخابية.
- لكن يعتمد الرئيس الأمريكي على ورقة الاقتصاد والضرائب لإعادة رسم السياسة الداخلية، وهو ما يجعله حذراً في أي خطوة قد تُضعف موقفه أمام خصومه، وخصوصاً الصين، أو تؤثر على الأسواق الأمريكية.
- لذلك فإن أي اتفاق مع إيران قد يوظف ليس فقط كأداة ضغط خارجي، بل كورقة مساومة داخلية تُربط بالاستقرار الاقتصادي وأمن الطاقة.
- مجرد استمرار تبادل الرسائل ورغبة الطرفين في إبقاء قنوات التواصل مفتوحة ولو عبر وسطاء، يشير إلى وجود نية لاحتواء التصعيد ولو مؤقتاً، وربما يكون هدف المرحلة الحالية ليس الوصول لاتفاق نهائي، بل تفادي الانزلاق إلى صدام مفتوح.
- وسط هذا المشهد المعقد تظل الوساطة العُمانية بمنزلة نافذة دبلوماسية وحيدة تحفظ ما تبقى من خيوط التواصل، رغم ضيق المساحة المتاحة للحوار الحقيقي، لتبقى ثابتة في معادلة المتغيرات، ولتؤكد أن الدبلوماسية الهادئة ما زالت تجد لنفسها مكانًا حتى في زمن التصعيد.