علاقات » اميركي

بعد استهداف العديد.. الخليج في فخ الشراكة مع أميركا

في 2025/06/27

(أحمد شوقي \ راصد الخليج)

أظهرت الحرب الأخيرة بين "إسرائيل" وايران، وما واكبها من تدخل أمريكي مباشر بقصف المنشآت النووية الايرانية والرد الإيراني باستهداف قاعدة العديد قي قطر، حجم التناقض بين الغرض المعلن لوجود القوات الأمريكية في الخليج وبين الواقع العملي، تحولت هذه القواعد إلى تهديد للأمن الخليجي بدلاً من توفير الحماية لدوله وشعوبه.

من المعلوم أن الشراكة الاستراتيجية بين أميركا ودول الخليج تقوم على مبدأ الحماية، ولكن الممارسات العدوانية الأمريكية والاصطفاف الأمريكي الصريح مع "إسرائيل" خلق حالًا من التناقض تشّكل حرجًا بالغًا لدول الخليج. وهذا الحرج متعدد الأبعاد، حيث الحرج السياسي والذي يجعل الخليج مصطفًا مع "إسرائيل" بخلاف مواقفه الرسمية التي أدانت العدوان على الجار الإيراني، كما يشمل الحرج والتهديد الأمني والعسكري بتعريض أجواء الخليج ومصالحه الاستراتيجية إلى الخطر نتيجة استهداف القواعد الأمريكية هدفًا إيرانيًا ممكنًا للرد على العدوان الأمريكي الصريح.

لعل الأزمة الأخيرة التي نشبت عقب استهداف إيران قاعدة العديد وخروج البيانات القطرية والخليجية الغاضبة، كانت مصداقًا لهذا التوتر، ومما لا شك فيه أن أميركا هي المسؤول الأول بسبب تحويل وجودها في الخليج إلى منصة استهداف للأمن القومي للجيران والعدوان عليهم.

كما هو معلن، التقديرات تشير إلى أن الولايات المتحدة تحتفظ بأكثر من 30 ألف جندي، بشكل دائم، في قواعد عسكرية موجودة في دول مجلس التعاون الخليجي، غالبيتهم يتمركزون في قطر والكويت والإمارات. وتحتفظ الولايات المتحدة، أيضا، بأصول عسكرية ضخمة، من بينها قاذفات استراتيجية ومخازن أسلحة قادرة على تغطية أي عمليات أمريكية في المنطقة، فضلاً عن أنظمة دفاع متقدمة، إلى جانب ما يملكه الجيش الأمريكي من أصول بحرية تجوب مياه الخليج العربي. كما لدى الجيش الأمريكي قرابة 12 قاعدة عسكرية، بعضها ضخم، والأخرى عبارة عن مراكز تحوي أنظمة مراقبة وتحكم وتجسس ورصد، لمراقبة التهديدات وتحليلها.

لعل استهداف إيران قاعدة العديد كان على خلفية كونها أكبر منشأة أمريكية في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط)، والتي يتمركز فيها نحو 10 آلاف جندي، والسبب الرئيسي هو أنها مقر القيادة المركزية (CENTCOM). وهي القيادة التي تشن العدوان على إيران. وهو ما يفسر ما جاء في بيان الحرس الثوري الايراني من أن الهجوم جاء ردًا على "العدوان العسكري السافر للنظام الأميركي المجرم" على المنشآت النووية الإيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان.

وهو ما ينقل الخطر إلى دول خليجية أخرى إذا تكرر العدوان الأمريكي على إيران، حيث توجد قواعد أخرى للقيادة الوسطى الأمريكية، والتي صرحت لمحطة "بي بي سي" في نهاية العام 2024، إن لديها نحو 15 ألف جندي في البحرين والكويت والإمارات. 

كما أن القواعد المنتشرة في كامل دول الخليج، والتي تشارك بشكل أو بآخر في الحرب، تعرّض أمن الدول الخليجية للخطر إذا ما تكرر العدوان. وقد أعلنت هذه الدول بالفعل التأهب ودوّت فيها صفارات الإنذار عند استهداف قاعدة العديد وساد التوتر في الإمارات والبحرين والكويت في حرب لا ناقة للخليج فيها ولا جمل، سوى أنها تضم قواعد ظنت أنها توفر لها الأمن بدلًا من تهديده!

هذا الأمر يتطلب وقفة خليجية لإعادة صياغة الشراكة الاستراتيجية مع أميركا، حيث لا يوجد عداء خليجي مع الجار الإيراني، وحتى لو كانت هناك خلافات أو تنافس؛ فالأمر لا يصل إلى الصراع المسلح والاشتباك. وبالتالي؛ المطروح على دول الخليج أن تعيد ضبط حدود التفاهمات الأمنية والعسكرية مع أميركا بما لا يحوّل هذه القواعد إلى منصة للعدوان، وبالتالي هدفًا مشروعًا للرد، وهو ما ينعكس سلبا على الأمن الخليجي وعلى العلاقات مع إيران، والتي تحسنت وبُذل جهد كبير في تطويرها وعودتها للوضع الطبيعي المتسق مع الجيرة والإخوة والوحدة الإسلامية.

مع أن دول الخليج أعلنت رسميا أنها طلبت من أميركا عدم استخدام قواعدها منطلقًا لاستهداف إيران، إلا أن الأمر الواقع يقول غير ذلك، حيث تفيد التقارير العسكرية بأن الجانب العملياتي والاستخباراتي واللوجستي استخدم في الرصد وجمع المعلومات وكذلك مرافقة الطائرات الشبحية، كما تستخدم الرادارات في حماية "إسرائيل" وليس حماية الخليج، كما تعلن أميركا.

إن قوة مجلس التعاون الخليجي الاقتصادية والسياسية تكفل له قوة تفاوضية في فرض شراكة استراتيجية  منضبطة لا تحمل بنودًا فضفاضة أو مبهمة، ووضع قواعد صارمة تحظر تهديد الجيران، بما لا ينعكس سلبا على أمن الخليج وتحويل الحماية إلى تهديد، وتحويل نقاط القوة إلى نقاط ضعف، فضلّا عن موقف الشعب الخليجي الرافض للاصطفاف مع "إسرائيل" وأمنها على حساب الجيران.