علاقات » اميركي

الشراكة الاستراتيجية الخليجية الأمريكية إلى اين؟

في 2025/10/27

(أحمد شوقي / راصد الخليج)

منذ عدة اعوام وعندما بدا ان الولايات المتحدة تريد تخفيف وجودها بالمنطقة للتفرغ لجبهة شرق اسيا، بدت بعض التحولات على السطح بانفتاح خليجي على روسيا والصين، وقد وصل لذروته حينما انتشرت التقارير عن بيع منظومة الدفاع الجوي اس 400 الروسية للسعودية، مما شكل تحول استراتيجي خطير.

ولكن سرعات ما تم الغاء الصفقة بضغوط امريكية، وفي نوفمبر عام 2021، تم الاعلان عن ان المملكة العربية السعودية لم تعد تفكر في شراء منظومة الدفاع الجوي الروسي S-400، وذلك بعد ما حدد موعد وصول الدفعة الأولى من صفقة الصواريخ الدفاعية الأمريكية البديلة في عام 2023.

ورغم تعاقب الاحداث التي اثبتت اميركا بها لنها شريك غير موثوق، الا ان الشراكة بين الخليج واميركا تبدو راسخة وقد كللتها زيارة ترامب الخليجية الاخيرة والتي امتدت لفترة أربعة أيام، وأسفرت عن تعهدات بصفقات استثمارية تصل في مجموعها من السعودية وقطر والإمارات إلى نحو 3.2 تريليون دولار - قد تصل إلى 3.6 تريليون - والمرتقب ضخها خلال السنوات المقبلة.

وحديثا صدر تقرير عن معهد واشنطن بعنوان "ليس هناك بديل واقعي: لماذا يظل الخليج معتمداً على الولايات المتحدة"،  وكتبه جيمس جيفري, إليزابيث دينت، وهما من اكبر باحثي المعهد، وخلص التقرير الى انه/ ورغم تنامي الإحباط الخليجي من السياسات الأمريكية، يدرك قادة المنطقة أن الولايات المتحدة تظل الطرف الوحيد الذي يمتلك الحجم والقدرات والالتزامات البعيدة المدى اللازمة لتوفير مظلة أمنية موثوقة. بيد أن هؤلاء القادة يسعون إلى إعادة ضبط الشراكة مع واشنطن.

وفي سياق التقرير قال كاتبيه أن من المرجح أن تواصل دول الخليج والدول الإقليمية اتخاذ خطوات تكتيكية تعبر من خلالها عن استيائها من واشنطن، مثل الاتفاق الأمني السعودي الباكستاني الأخير والمناورات العسكرية المصرية التركية. كما قد تلجأ بعض الدول إلى ما يمكن وصفه بالتحوط الدبلوماسي من خلال زيارات رسمية إلى بكين أو موسكو، أو إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا أو الصين، بيد أن هذه التحركات تتصل بالضغط أكثر منها بالولاء، إذ تهدف بالدرجة الأولى إلى تذكير واشنطن بأن دول الخليج تمتلك خيارات أخرى، وستلجأ إليها على نحو متزايد إذا لم تتحرك الولايات المتحدة لردع السلوك الإسرائيلي...

وبالتالي نحن امام معضلة امنية خطيرة، حيث تعتمد دول الخليج على نظام الامن الجماعي الامريكي هيكليا وبنيويا، وهناك اتفاق على اميركا مررت ضربة "اسرائيل" على قطر، كما لم تستطيع حماية منشآت ارامكو، وبالتاليفإن الخليج مجبر على الانكشاف الاستراتيجي ولا يملك ورقة ضغط على اميركا وتحديدا فيما يتعلق بتحركات "اسرائيل" وعدوانها ومحاولة تمكينها من امتلاك اليد العليا في المنطقة.

كما ان هناك اتفاق على ان الوجود الأمريكي في الخليج تبلور منذ خمسينيات القرن الماضي، مع إدراك واشنطن أن بقاء أوروبا واليابان والصين مرتبط بتدفق نفط الخليج.

وأن السيطرة على الخليج تعني فعليًا السيطرةعلى النظام الدولي، وبالتالي تحولت المنطقة إلى ما يشبه الامتداد الطبيعي للأمن القومي الأمريكي، كما كان البحر الكاريبي امتدادًا لنفوذ أمريكا في القرن التاسع عشر.

وللاسف، فإنه عمليا ووفقا للاوضاع الراهنة، لايمكن استبدال مظلة الدفاع الامريكية باخرى صينية أو روسية، حيث لاتسعى الصين الى دخول مواجهات او تشكيل تكتلات، بينما تسعى فقط لزيادة مبيعات الاسلحة وبما لايشكل نذر مواجهات، كم ان روسيا منهمكة في حرب اوكرانيا ولا تستطيع مجاراة اميركا في الخليج بسبب عراقة التواجد الامريكي في الخليج وانتشار القواعد وقيام الجيوش على مناهج التسليح والتدريب الامريكية.

وهو ما يفرض سؤالا وجوديا على دول الخليج في هذه المرحلة حول امكانية استمرار الوضع الراهن ومدى ضماناته على حماية الامن القومي على المستويات المنظورة ولا نقول المتوسطة او البعيدة.

وهنا يبرز ملف الامن الجماعي كحل من داخل المشكلة، بمعنى فلسفة الامن الجماعي وحتمية تغييرها من امن شرق اوسطي تفرضه اميركا لضم "اسرائيل" تحت مظلته، الى امن قومي عربي واسلامي يضم القوى الاقليمية الكبرى ويوصل رسالة جادة الى الولايات المتحدة بأن الخليج يسعى جديا الى تغيير عقيدته العسكرية وما يستتبع ذلك من استراتيجيات تحدد نظم التسليح وومدياتها وتحدد اطراف التعاون الاستخباراتي وتحدد هياكل وبنية الجيوش بشكل ثوري ووفقا للامن القومي العربي.

اما رسائل الضغط المبطنة والتلويح، فإن اميركا تقرأها على انها رسائل عتاب وضعف وعجز عن امتلاك البدائل، بالتالي تستمر اميركا في مناوراتها وبعض الخطوات الشكلية للتهدئة والحفاظ على النفوذ والسيطرة.

ان لم تكن هناك خطوات ورسائل ثورية وجذرية فإن حالة الانكشاف الاستراتيجي ستظهر بشكل اكبر مما حدث في قطر، ولا سيما وان "اسرائيل" تبدو ماضية في تصعيدها، واميركا تبدو ماضية في فرض "اسرائيل الكبرى"، وكل خطوة في طريق تكبير "اسرائيل" هي انتقاص وتقزيم للامة وفي قلبها الخليج.