علاقات » اميركي

متى يعلن الطلاق بين السعودية وأمريكا؟

في 2015/09/30

صحيفة "لوفيف" البلجيكية – ميشال هيرمانز & داميان إرنست- ترجمة: محمد بدوي

الرابطة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية هي رابطة "زواج قديم قائم على المنفعة المتبادلة"، وتعمقت هذه الرابطة بعد سقوط شاه إيران في عام 1979. ولكن عندما وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001، أدركت الولايات المتحدة أن لديها عدوًا جديدًا، وهو تنظيم القاعدة، وأن هذا التنظيم بمثابة ابن عاق للمملكة العربية السعودية، وحينها بدأ اهتزاز الرابطة بين البلدين بشكل خطير.

السبب الأول للطلاق

حتى الآن لم تعلن الولايات المتحدة قطع العلاقات مع المملكة العربية السعودية. حيث مازال يجمعهما مصالح كثيرة، مثل النفط والكفاح المشترك ضد النظام الشيعي في إيران، التي تعتبر العدو اللدود لإسرائيل، الابن المدلل للولايات المتحدة. وفي ذلك الوقت، أظهر العاهل السعودي حسن النية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية بطرد أسامة بن لادن وتنظيمه من المملكة.

النفط سبب تماسك الزواج

ومنذ ذلك الحين، بدأت الولايات المتحدة تشتبه في شريكها السعودي. ووسط تكتم، بدأت واشنطن في تنفيذ سياسة تعمل على الحد من اعتمادها على واردات النفط السعودي، من خلال تشجيع تطوير صناعة النفط الصخري، والوصول إلى مناطق جديدة لاستخراج النفط داخل الولايات المتحدة لم تكن موجودة من قبل.

في يونيو 2014، تمكنت الولايات المتحدة من أن تكون أكبر منتج للنفط في العالم، مدعومة بنمو صناعة النفط الصخري. لكن المملكة العربية السعودية رفضت ضبط عمليات الإنتاج الخاصة بها للحفاظ على ارتفاع الأسعار- مثلما فعلت ذلك كثيرًا في الماضي، وتبع ذلك انخفاض كبير في أسعار النفط بالأسواق الدولية، مما عرض صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة إلى صعوبات مالية كبيرة. وبات حلم استقلال الطاقة في الولايات المتحدة بعيدًا.

ربما يكون مكسب السعودية المالي أكثر إذا انتهجت طريق خفض إنتاج النفط الخاص بها بواقع مليوني برميل يوميًا، في سبيل الحفاظ على أسعار النفط مرتفعة. ولكن هذا النظام الملكي الشمولي، يبدو أن الأكثر أهمية لديه، هو أن يظل باقي العالم، وخصوصًا الولايات المتحدة، محتاجًا إلى إمدادات النفط السعودي، حتى لو تسبب ذلك في هبوط حاد بالأسواق العالمية.

وفي هذا الإطار جاء تصريح وزير النفط السعودي علي النعيمي صراحة، بأنه يريد منع الأمريكيين من أخذ حصة المملكة العربية السعودية في سوق النفط.

السلوك السياسي السعودي

قبل أن تبحث الولايات المتحدة عن علاج أسباب حرب النفط عليها بدلًا من ذلك التعامل مع جذور المشكلة؛ والتي تتمثل في طريقة عمل النظام السياسي بالسعودية، واعتماد نظام الحكم على أسرة واحدة دون مشاركة حقيقة من باقي أبناء الشعب، ولكن واشنطن كغيرها من العواصم الغربية تغض الطرف عن ممارسات هذه الأسرة، نظرًا للمصالح المالية الكبيرة بينهما. كما أن واشنطن فشلت فشلًا ذريعًا في عمل أي شيء ملموس من حيث دمقرطة النظام السعودي منذ هجمات 11 سبتمبر 2001.

والأسوأ من ذلك، فإن النظام يعطي انطباعًا بأنه يتجه إلى مزيد من التشدد منذ ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. على سبيل المثال، فقد ارتفع عدد الإعدامات بالمملكة العربية السعودية عندما بدأ تنظيم الدولة بقطع رؤوس الصحفيين الأمريكيين، في أغسطس 2014.

هذه الإعدامات لها رمزية كبيرة لدى مواطني الولايات المتحدة، ومع ذلك كانت هناك وعود من الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز بوقف تطبيق عقوبة الإعدام على جرائم معينة. ولدى وصول الملك سلمان للعرش في يناير 2015، تم رفع هذا الوقف ومضى في تطبيق العقوبات. فيما يتهم تنظيم الدولة الإسلامية السعودية بالتراخي في تطبيق الشريعة.

وعلاوة على ذلك، فقد اعتمدت الرياض قوانين جديدة لمكافحة الإرهاب. وهذه القوانين لها هدف واحد فقط؛ وهو مكافحة معارضي النظام ومواصلة تعزيز النظام الملكي بشكل فعال. بل أحدثت هذه القوانين حالة أخرجت النظام السعودي من نموذج المجتمع الغربي ليكون أقرب إلى تنظيم الدولة الإسلامية، وكل ذلك بدعم كبير من المواطنين السعوديين.

وعلى الرغم من كل ذلك، قرر الملك عبد الله التحالف مع الأمريكيين لمحاربة الجماعات المسلحة بعدما خرجت عن السيطرة. ولكن بالنسبة للولايات المتحدة، فإنها ترى النظامين متقاربين أيديولوجيًا بشكل كبير، رغم أنها ترى في السعودية حليفًا في مكافحة تنظيم الدولة.

إيران.. الشريك الجديد لأمريكا

في الأشهر الأخيرة، بذلت الدبلوماسية الأمريكية جهودًا خارقة للتوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني. وقد أقر الكونجرس الامريكي هذا الاتفاق في أوائل سبتمبر، مما مهد الطريق أمام الرئيس الأمريكي لإعادة دمج إيران في المجتمع الدولي واعتبارها شريكًا جديدًا للولايات المتحدة في منطقة الخليج. وهذا الشريك الجديد سيعمل بالطبع على إضعاف نفوذ المملكة العربية السعودية، وتحاول إيران أن تظهر تأثيرها السياسي والعسكري في المنطقة لكسب ود الولايات المتحدة والدول الغربية.

وبرفع العقوبات عنها، فإن إيران ستكون قادرة على تصدير مزيد من النفط. وإذا كانت السعودية قادرة على وقف التوسع في قطاع صناعة النفط الصخري الأمريكي بعملها على خفض أسعار النفط، فإنها لن تستطيع منع نمو صناعة النفط في إيران، التي لديها نفط كثير ويحتاج إلى تكاليف إنتاج قليلة بالمقارنة بالنفط الصخري.

وعلاوة على ذلك، تعمل إيران على زيادة نفوذ أتباعها من الشيعة في المنطقة. وأشار باراك أوباما بالفعل إلى ذلك في يوليو 2015، بأن الشريك الجديد سيكون له دور مهم في العراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية. ويمكن لإيران بعد ذلك أن تنجح في السيطرة الفعلية على العراق صاحب أكبر احتياطي للنفط.

مستقبل العلاقات

حتى بعد الاتفاق على البرنامج النووي، تراهن الولايات المتحدة على الحفاظ على علاقات جيدة مع المملكة العربية السعودية لفترة من الوقت، والانتظار لمعرفة ما إذا كان لديها وفاء "للحب القديم" بينهما. أي أن إيران ستبدأ في الدخول إلى مرحلة الشريك المخلص للولايات المتحدة والعمل معًا بقوة لإعادة تنظيم الشرق الأوسط، بينما يمكن للسعودية أن تغرق في الفوضى بسرعة، حتى وإن تلقت دعمًا محدودًا من الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد شهدت المملكة العربية السعودية في الواقع العديد من المشاكل خلال العامين الأخيرين، وخاصة مع انخفاض أسعار برميل النفط إلى أكثر من النصف خلال سنة واحدة. وتحذر الرياض من مواجهة مشاكل هيكلية خطيرة تهدد التماسك الاجتماعي، وربما تمتنع قريبًا عن الإنفاق ببذخ عبر (زيادات الرواتب وغيرها من إعطاء المنح للسكان). فقد بلغ العجز في الموازنة السعودية في عام 2015 نحو 130 مليار دولار، بما يعادل نحو 20 % من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى هذا المعدل، فإن الاحتياطيات المالية للبلاد ستستنفد تمامًا في أقل من 5 سنوات، فيما يعد النزاع المسلح في اليمن باب شر على المملكة العربية السعودية.