ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
كان الخبر السار هذا الأسبوع أن إيران قد تم إدراجها في المؤتمر الدولي المنعقد في فيينا والذي يهدف التوصل إلى وقف إطلاق النار في سوريا. الأخبار السيئة أن المؤتمر قد انتهى دون وفاق ومع انقسام واضح بين المشاركين. ونتيجة لذلك، ليس هناك نهاية في الأفق للحرب التي استمرت 4 سنوات، وتسببت في قتل أكثر من ربع مليون شخص ونزوح 11 مليونا إلى المنفى.
ما بدأ كاحتجاج سلمي ضد الرئيس السوري «بشار الأسد» قد أثار ردود أفعال عنيفة من قبل قوات الأمن التابعة للأسد، وقد تطورت الأمور منذ ذلك الحين إلى نزاع دولي. وتشمل قائمة المشاركين المتمردين بدعم من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإمارات الخليج الذين يسعون للإطاحة بـ«الأسد»، إضافة إلى الجيش السوي المدعوم من قبل من روسيا وإيران. قرار الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» بإرسال 50 من القوات الخاصة إلى سوريا للعمل «كمستشارين للمتمردين»، وتعهده بمبلغ إضافي يبلغ 100 مليون دولار في صورة مساعدات يضع الولايات المتحدة بقوة في معسكر السعودية والخليج.
ما يبدو كونه موضعا للتساؤل فإنه في الواقع يتسق مع سياسة الولايات المتحدة الماضية. وقد شابت الصورة التي نصبت أمريكا نفسها خلالها باعتبارها منارة الحرية وحقوق الإنسان على مر السنين تحالفات مع الحكام المستبدين في قائمة طويلة ضمت شاه إيران، وديكتاتور شيلي «أوغستو بينوشيه»، جنرالات اليونان والأرجنتين وفرق الموت في السلفادور وجماعات الكونترا في نيكاراجوا. وتماشيا مع هذا السجل تأتي شراكة الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية التي تتصرف بقسوة تجاه مواطنيها وكذا بعض الدول المجاورة.
صوت الاتحاد الأوروبي مؤخرا على منح جائزة «ساخاروف» لحرية الفكر إلى «رائف بدوي»، وهو مدون سعودي يبلغ من العمر 31 عاما حكم عليه في عام 2014 بالسجن 10 أعوام والجلد لـ1000 جلدة بسبب نشاطه على الإنترنت. تنسب الجائزة لـ«أندريه سخاروف»، عالم الفيزياء الروسي الذي تحدى الحكومة السوفيتية الاستبدادية في دفاعه عن حقوق الإنسان خلال الحرب الباردة. محامي «بدوي»، «وليد أبوالخير»، حكم عليه بالسجن لمدة 15 عاما بتهمة تقويض الحكومة وإهانة القضاء.
وقد تلقى «بدوي» بالفعل 50 جلدة وكان من المقرر إجراء جولة ثانية. ووصف «مارتن شولتز»، رئيس البرلمان الأوروبي، العقوبة بأنها «واحدة من أبشع العقولات». وقد أدين الحكم من جانب مسؤولي الأمم المتحدة والولايات المتحدة ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش. ورد السعوديون بأنهم لا يقبلون بالانتقادات الأجنبية لنظامهم القضائي.
وقد عرض محرر نيويورك تايمز «نيكولاس كريستوف» مثالا آخر في عموده في 29 أكتوبر/ تشرين الأول وهو «علي النمر» الشاب السعودي الذي اعتقل في سن الـ17 عاما في احتجاجات مناهضة للحكومة، واتهم بمهاجمة رجال الشرطة، ولكن الدليل الوحيد هو اعترافه الذي تم انتزاعه تحت التعذيب. وبعد استنفاذ نداءاته، فقد حكم على علي النمر بالقتل والصلب في ساحة عامة. وقد أصدرت محكمة سعودية قرارها بتوقيع عقوبة بالسجن لمدة 10 أعوام على أستاذ الدراسات الإسلامية، «عبد الكريم خضر»، الذين أدين بسبب انتقاده للتشدد الإسلامي ودفاعه عن حقوق المرأة.
في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول، حكم على عجوز إنجليزي يبلغ من العمر 74 عاما بالجلد 350 جلدة لحيازته للكحول. من قبيل الصدفة، لم يمض وقت طويل حتى ألقي القبض على أمير سعودي في لوس أنجلوس بسبب شربه للخمر واستخدام الكوكايين وترويع النساء.
وفي الوقت نفسه، يقوم التحالف السعودي الخليجي المدعوم من الولايات المتحدة بتدمير ممنهج لليمن على أمل هزيمة المتمردين الحوثيين في الشمال الذين تتهمهم السعودية بأنهم وكلاء لإيران. تدافع المملكة العربية السعودية عن تدخلها في الحرب الأهلية اليمنية بأنه ضرورة لمواجهة خطر التوسع الإيراني، ولكن كانت التكلفة هي معاناة البشر من حملة قصف جوي استمرت 7 أشهر ومن حصار خانق لا ينتهي.
أحجمت إدارة «أوباما» عن انتقاد تصرفات السعوديين في اليمن، حتى بعد سوت غارات جوية سعودية مستشفى أطباء بلا حدود في صعدة في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول. كما حجبت الولايات المتحدة مرارا دعمها لإجراء تحقيق دولي في انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الجانبين.
يمكن بسهولة تفهم تردد «أوباما» في التفريط في البلد الغني بالنفط الذي ينفق جزء كبير من عائداته على شراء الأسلحة الأمريكية. ولكن لسنوات كان التفسير المعتاد أن السعوديين يلعبون دورا كبيرا في توفير الاستقرار في منطقة مضطربة من العالم. في الواقع، فإن العكس هو الصحيح لأن النموذج الإسلامي للدولة الإسلامية وغيرها من التنظيمات المتشددة قد نشأ فعليا في المملكة العربية السعودية ويتم فرض بصرامة في هذا البلد، المال السعودي يدعم المدارس في جميع أنحاء العالم التي تدرس مناهج متعصبة. وخريجو هذه المدارس هم بين جماعات المتمردين التي تقاتل حاليا في سوريا.
ليس مستغربا أيضا أن الخوف الرئيسي لدى السعوديين ينبع من إيران، ذات الأغلبية الشيعية. وفي نفس الوقت، فإن مشاركة إيران أمر ضروري في أي محاولة للتعامل مع المشاكل الملحة في المنطقة، بما في ذلك الحرب في سوريا، واللاجئين، والصراع الطائفي في العراق، والتهديد الذي يشكله الإرهاب. في بادرة أمل، فإن وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» ونظيره الإيراني «محمد جواد ظريف» قد اتخذا خطوات نحو تطوير العلاقة والتي من الممكن أن تؤدي إلى مزيد من التعاون بين البلدين.
حقيقة أن إيران قد تم إدراجها ضمن اجتماع 31 أكتوبر/ تشرين الأول تطور مرحب به، ولكن الخلاف حول مصير «الأسد» لا يزال عقبة، وقال خبراء في شؤون المنطقة أنه من أجل إنهاء القتال، ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها أن يوافقوا على بقاء الأسد رئيسا لفترة انتقالية ويجب أن روسيا وإيران أن يقبلا برحيله في نهاية المطاف. تظهر كلا من روسيا والولايات المتحدة استعدادا لقبول هذا الشرط.
السعوديون هم حجر عثرة في هذا الأمر، وقال وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» بعد الاجتماع الذي عقد في فيينا أن السياسة السعودية تجاه سوريا لم تتغير، وأن «الأسد» يجب أن يرحل. واتفق المشاركون في الاجتماع على عقد دورة مقبلة حول سوريا، لكن في الوقت نفسه فإنه من الإنصاف القول بأن استمرار دعم الولايات المتحدة للمملكة العربية السعودية، مهما كانت مزاياه المتصورة، فإنه يسخر من المبادئ التي تدعي الولايات المتحدة أنها تدافع عنها.