ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
تم تصميم السياسة الخارجية الأمريكية، وفقا لموقع وزارة الخارجية، من أجل تشكيل عالم ديمقراطي سلمي مزدهر والحفاظ عليه، وتهيئة الظروف لتحقيق الاستقرار والتقدم لصالح الشعب الأمريكي والشعوب في كل مكان. وعلى وجه التحديد فيما يتعلق بالفوضى الراهنة في العراق وسوريا مع «الدولة الإسلامية»، يؤكد البيت الأبيض أن الولايات المتحدة تسعى إلى تحطيم، وفي النهاية تدمير، تنظيم «الدولة الإسلامية» من خلال استراتيجية شاملة ومستدامة لمكافحة الإرهاب. فقط في عالم مثالي، يمكن للولايات المتحدة أن تكون قادرة على تحويل هذا المفاهيم إلى حقائق، ولكن مع الأسف فإن العوالم المثالية لا وجود لها.
لسنوات كثيرة جدا، وإلى حد كبير، كانت السياسة الأمريكية تصنع وفقا لخياراتنا بغض النظر عن الحقائق التي تحكم حالات معينة: كانت النتائج متوقعة بقدر ما كانت مؤلمة، كنا في كثير من الأحيان نتبنى سياسات غير فعالة، بل إنها كانت أيضا تضر بمصالحنا الخاصة. إذا كنا لا نريد أن نرى الوضع في الشرق الأوسط يتدهور إلى أبعد من ذلك، فإن هناك حاجة إلى تغييرات كبيرة.
في 11 فبراير/شباط 2015، أذن الرئيس «باراك أوباما» بتوسيع الحملة الجوية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» لتشمل بعض الأهداف في سوريا. ورغم أهمية ما قاله الرئيس للأمة، فإن ما لم يذكره لا يقل أهمية. وقد ذكر: «لقد وجهت إلى استراتيجية شاملة ومستدامة لتدمير وهزيمة الدولة الإسلامية، وكجزء من هذه الاستراتيجية، فإن القوات العسكرية الأمريكية تجري حملة منظمة من الضربات الجوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا». ما لم يتناوله «أوباما» في أي تصريحات له، رغم ذلك، هو ما الذي تهدف تلك الضربات الجوية لتحقيقه.
هل يعتقد «أوباما» حقا أن الجماعة المتطرفة يمكن هزيمتها من خلال قتل ما يكفي من مقاتليها عبر الهجمات الجوية؟ أو ربما كان يعتقد أنه إذا تم قتل ما يكفي من القادة فإن التنظيم سوف ينزوي؟ هل يرى «أوباما» بأن مهاجمة أهداف في العراق وحده لن ينجز هدفه ولكن توسيع الهجمات نحو سوريا سوف يفعل؟ لم تعط إجابات واضحة على هذه الأسئلة، ولكن الأكثر خطورة أنه ربما أن هذه الأسئلة لم يتم طرحها أصلا قبل اتخاذ قرار استخدام القوة الجوية، ولكن الآن، ومع مرور أكثر من سنة على بداية الضربات الجوية ضد التنظيم في العراق و9 أشهر منذ امتدادها إلى سوريا يمكننا تقييم مدى فعالية استخدام القوة في تحقيق الأهداف البيت الأبيض.
وقد ثبت أن الأمر قد فشل فشلا ذريعا.
بعد أكثر من 5500 ضربة جوية موجهة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» يزعم أنها قد قتلت ما يزيد عن 15 ألف شخص في كل من العراق وسوريا، فإن الجماعة المتشددة قد نجحت في تعويض جميع خسائرها، وحافظت على تأثيرها الاستراتيجي ومازالت قادرة على العمل الهجومي. روسيا الآن تنشط هي الأخرى في تنفيذ العمليات الجوية في المنطقة وتتحدى مصالح الولايات المتحدة بممارسة النفوذ السياسي والدبلوماسي هناك. إيران لديها الجنود والمستشارين على الأرض في سوريا، كما أن لها تأثير ونفوذ كبيرين في بغداد. بعيدا عن تحقيق نتائج مفيدة للمصالح الأمريكية، فقد نجحت سياسة استخدام القوة العسكرية ضد «الدولة الإسلامية» فقط في إضعاف مصالحنا. في هذه البيئة المضطربة على نحو متزايد وتدهور، ما الذي يمكن للولايات المتحدة أن تفعله؟.
الترتيب الأول للعمل هو التأكد من عدم التسبب في أي ضرر آخر. استراتيجياتنا الحالية باستخدام أعداد صغيرة من القوات الخاصة والمستشارين في العراق مع استمرار الغارات الجوية غير قادرة، وبشكل قاطع، على تحقيق أهدافنا بإلحاق الهزيمة بـ«الدولة الإسلامية». لماذا الاستمرار في إنفاق الموارد الوطنية وتعريض أرواح الأمريكيين للخطر في مهمة لا يمكن لها أن تنجح؟
حتى في هذه الساعة المتأخرة، يجب أن تظهر الولايات المتحدة قيادة قوية من خلال السعي أولا لاحتواء القتال حيث هو، ووقف انتشاره، ونود تحقيق ذلك من خلال توظيف كامل الثقل والنفوذ السياسي والدبلوماسي الأمريكي من أجل عزل «الدولة الإسلامية» جغرافيا والضغط عليها اقتصاديا وبذل كل ما في وسعنا من أجل تقديم المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الذين يعانون تحت سيطرة «الدولة الإسلامية». عبر خلق تحالف من القوات والفصائل المسلحة الإقليمية، يمكن للولايات المتحدة و الجيش الأمريكي إعداد الدوريات البرية في المواقع الهامة استراتيجيا واستخدام القوة الجوية لتفعيل «منطقة عازلة» حيث يمكن تدمير قوات الدولة الإسلامية بسرعة وسهولة حال حاولت التحرك بأعداد كبيرة.
سوف تتم عملية إعادة انتشار للقوات الأمريكي لتنأى بنفسها عن أي مهام قتالية مباشرة أو دعم في القتال سوى عدد محدود من القوات تظل بجانب الجيش العراقي من أجل مهام التدريب والاستراتيجية (حال رغبت حكومة بغداد في ذلك). سوف يتوقف الاستهداف الروتيني للدولة الإسلامية من خلال الضربات الجوية. لقد دمرت آلاف الغارات الجوية التي قمنا بها إلى الآن البنية التحتية المدنية وتسببت في قتل العديد من المدنيين والأبرياء كما المتمردين الشرعيين أيضا. وبالتالي فإنها قد تسببت في أضرار أكبر بكثير من أي نفع ربما تكون قد قدمته خلال الفترة الماضية.
وبمجرد أن تنجح عملية عزل ومحاصرة تنظيم «الدولة الإسلامية»، سوف نستخدم التدابير الدبلوماسية الإقليمية ضد قادة «الدولة الإسلامية»، ونقوم بخنقهم ببطء. هذه الاستراتيجية قد لا تكون مرضية عاطفيا كما أنها ليست مثيرة وليست سريعة، ولكننا عبر توظيفها ربما نكون أقرب إلى تحقيق أهدافنا الوطنية. لا توجد استراتيجية مضمونة على الإطلاق، وقد يتمك إحباط هذه الاستراتيجية أيضا من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» ولكن التكتيكات التي نستخدمها حاليا ليس لديها أي فرصة على الإطلاق لتحقيق النجاح.
خيارنا هو بسيط وصارخ: التوقف عن فعل الأمور التي أثبتت فشلها بشكل روتيني، أو تغيير مسارها واستخدام تكتيكات سياسية وعسكرية جديدة قد تنجح في الواقع