علاقات » اميركي

«محمد بن زايد» .. مهندس الاقتصاد والأمن في أبوظبي ورجل واشنطن وعدو الإسلاميين

في 2015/11/26

بلومبيرغ- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد

يوم الشهداء هو إضافة جديدة إلى قائمة المناسبات في دولة الإمارات العربية المتحدة. وهو يقع بين الأيام الإسلامية المقدسة ومهرجان دبي للتسوق.

العديد من الدول تحتفي بذكرى جنودها الذين سقطوا في المعارك ولكن الإمارات تظل دوما مختلفة. الأبراج المتلألئة في دبي وأبوظبي هي إشارة إلى شرق أوسط بديل يقف فوق الخلافات، حيث يمكن للمستثمرين أن ينسوا صراعات المنطقة ويصبوا تركيزهم على كسب المال. هذا التغيير في النهاية هو من عمل رجل واحد.

يتحكم الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان»، ولي عهد العاصمة الإماراتية أبوظبي، والحاكم الفعلي في البلاد، في 6% من النفط العالمي ويسيطر على ثاني أغنى صناديق الثروات السيادية في العالم. يبلغ سنه 54 عاما وهو شاب جدا بالنسبة للزعماء العرب، كما أنه موثوق به جدا من قبل واشنطن ويتم الاحتفاء به في موسكو. وقد قضى قرابة 3 عقود يخدم في جيش بلاده الصغير مما يجعل منه واحدا من أفضل العملاء بالنسبة لمجموعة «لوكوهيد مارتن».

إضافة إلى ذلك فإن «بن زايد» هو أيضا شخص واع أمنيا. كأمير في سلاح الجو في عام 1990، عندما كانت القوات الأمريكية تحتشد في الخليج لمحاربة «صدام حسين»، كان يقود سيارته عبر الكثبان الرملية لمقابلة الجنرال الأميركي لتناول طعام الغداء. يخفي بندقية تحت مقعده الأمامي فقط لاستخدامه حال تم إطلاق نار صوبه.

الآن، بالنسبة إلى زعماء دول الخليج، تبدو الأمور أكثر خطورة من أي وقت مضى. فمع صعود «الدولة الإسلامية» وإيران، فإن ولي العهد الإماراتي يريد أن يجلب لبلاده المزيد من الأسلحة.

من سويسرا إلى إسبارطة

ومن سويسرا الخليج إلى إسبارطة الخاصة به، تلك هي الطريقة التي يصف بها مسؤول غربي هذا التحول. إنه تحول محفوف بالمخاطر، ولكن نموذج الأعمال في دولة الإمارات العربية المتحدة قد عمل بشكل جيد محولا البلاد من اقتصاد يبلغ حجمه 50 مليار دولار في عام 1990 إلى ثاني أكبر اقتصاد بعد المملكة العربية السعودية في العالم العربي، مع ناتج بلغ 400 مليار دولار العام الماضي.

من ناطحات السحاب في دبي وسيتي جروب وأوبر، يتم تشغيل المحاور الإقليمية. أبو ظبي، التي يحكمها الرجل، تحوي عالما من الفيراري وأفرع لجامعات نيويورك والسوربون. إضافة إلى متاحف مثل اللوفر وجوجنهايم تحت الإنشاء.

في 4 أكتوبر/ تشرين الأول، كان الأمير بعيدا عن تلك المعالم الجذابة هناك في الإمارة الشمالية الصغيرة التي تدعى أم القيوين. هناك، كانت عائلة «أحمد البلوشي» تقيم حدادها. كان واحدا من أكثر من 50 جنديا إماراتيا قتلوا في هجوم صاروخي في اليمن، في الوقت الذي تقاتل فيه الإمارات المتمردين الشيعة الذين تربطهم علاقات مع إيران.

شارك الشيخ «محمد» في تلك الحرب إلى جانب المملكة العربية السعودية وهي جزء من جهد أوسع لدحر النفوذ الإيراني. كما أنه انضم إلى الحرب ضد «الدولة الإسلامية» في سوريا وقام بقصف الجهاديين في ليبيا. نتيجة لشعوره بالقلق بسبب تراجع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط المضطرب، فإن يتصرف بشكل عدائي عبر المنطقة.

ويقول أنصار الشيخ «محمد» أنه ليس لديه أي خيار.

«لا يمكن للإمارات أن تظل هكذا جالسة في مكانها على أساس كونها سويسرا وتنظر إلى المنطقة تحترق من حولها» وفقا لـ«مشعل القرقاوي»، المدير التنفيذي لمركز أبحاث معهد دلما في أبوظبي. «عليه إما إخماد الحريق أو مغادرة الحي .. وللأسف فإن البلدان لا تمتلك أي عجلات».

وأضاف إن «الوضع لا يزال هشا للغاية لأنهم يصحبون أكثر استهدافا بمرور الوقت»، وفقا للمسؤول الغربي صاحب مقارنة إسبارطة. الذي أضاف: «إنهم يدركون ذلك تماما».

ومع كل ذلك فإن الشيخ «محمد بن زايد» يرغب في أن يبقى بعيدا عن الأنظار. من خلال أحد مساعديه رفض إجراء أي مقابلة لإعداد هذه المادة. أكثر من 35 محادثة مع الدبلوماسيين ومسؤولي الدفاع والاستخبارات والمحللين تسلط الضوء على الزعيم الذي يتحرك ويراقب بعناية، من أسواق النفط في نيويورك إلى مراكز الفكر في واشنطن وعواصم الشرق الأوسط.

جندي مدى الحياة

إلى الآن، فإن الشيخ «محمد بن زايد» ليس رئيسا لدولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن شقيقه الأكبر الشيخ «خليفة» الذي لا يكاد يظهر إلى العلن منذ إصابته بجلطة في يناير/ كانون الثاني عام 2014. وقبل ذلك بفترة طويلة، كان الشيخ «محمد» هو المحرك الرئيسي لقضايا الأمن والشخص الذي تتم المراهنة عليه من قبل واشنطن.

«شاك هورنر»، الجنرال في سلاح الجو السابق الذي التقى «محمد بن زايد» لتناول الغذاء في عام 1990 يحمل الامتنان له لفتحه أبواب البلاد أمام القوات الأمريكية. وفي وقت لاحق، ساعد «هورنر» شركة «لوكهيد مارتن» لتأمين بيع طائرات مقاتلة لدولة الإمارات العربية المتحدة وأضاف: لقد حصلوا على طائرات «إف 16» الأكثر حداثة في العالم.

ولد في عام 1961 في واحة العين، وهو جندي مدى الحياة. تخرج من الأكاديمية العسكرية الملكية في المملكة المتحدة في «ساندهيرست» وخدم في القوات الخاصة في دولة الإمارات كطيار مروحية قبل أن يصبح رئيسا للقوات الجوية ثم نائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة في عام 2005.

«إنه يريد أن يحصل القوة العسكرية التي تكفي على الأقل لردع أي اعتداء خارجي إلى حين وصول المساعدة من قبل الولايات المتحدة»، وفقا لـ«بروس ريدل» الذي أمضى 30 عاما في وكالة الاستخبارات المركزية وخدم في مجلس الأمن القومي. وأضاف «إنه على دراية جدا بالمعدات العسكرية».

صقور الصحراء

ومن وجهة نظر الشيخ «محمد»، فإن المعتدين المحتملين متواجدون في كل مكان. إلى الشرق تكمن إيران، التي تسعى إلى تقويض حكام الخليج العرب. الإخوان المسلمون، إضافة إلى المتطرفين من القاعدة و«الدولة الإسلامية»، يصنفون أيضا كأعداء خطرين.

وكما تتكاثر التهديدات، فإن الشكوك حول أساس العلاقات مع الولايات المتحدة تنمو أيضا وتتكاثر بدورها.

يتمتع الشيخ «محمد» بعلاقات قوية مع الرئيس الأمريكي الأسبق «جورج بوش الابن»، الذي دعاه عدة مرات إلى كامب ديفيد. في أمسية باردة في يناير/ كانون الثاني لعام 2008 اصطحب «محمد بن زايد»، «جورج بوش»، إلى معسكر صحراوي في أبوظبي حيث جلسوا على السجاد وشاهدوا عرضا للصقور. وهو تقليد ثقافي بدوي. إنه يمثل النسخة الإماراتية من حفلات الشواء في تكساس، وفقا لمسؤول سابق في إدارة «بوش» كان حاضرا للحدث.

ولكن كان هناك تحول في عهد الرئيس «باراك أوباما». «دينيس روس»، الذي خدم في مجلس الأمن القومي في إدارة «أوباما»، يقول إن الشيخ «محمد» لم يحجم أبدا خلال حديثه. عندما تغاضت الولايات المتحدة على الإطاحة بالرئيس المصري «حسني مبارك» خلال انتفاضة عام 2011 بدا الاستياء على «بن زايد» بشكل كبير،ا وقال ذلك صراحة. وتساءل: «هل هذه هي الطريقة التي تعامل الولايات المتحدة صديق قديم؟».

وقد أصيب بالإحباط أيضا تجاه المقاربة الدبلوماسية مع إيران التي أسفرت في النهاية عن الاتفاق النووي في يوليو/تموز، وفقا لمسؤول سابق في إدارة «أوباما». العديد من زعماء دول الخليج العربية يشعرون بالقلق من أن إيران يمكن أن توسع نفوذها بمجرد رفع العقوبات.

النسيج الوطني

تهيمن خلفية الشيخ «محمد» العسكرية عليه بشكل كبير. في العام الماضي، فرضت الإمارات الخدمة الإلزامية في الجيش على الرجال. وقد أصبحت البلاد رابع أكبر مستورد للأسلحة في العالم وفقا لبيانات «IHS».

الإمارات ليس مجرد مشتر للأسلحة ولكنها تستخدمها أيضا. في البداية، كان المسؤولون الإماراتيون متحفظون حول التورط في حرب اليمن. بحلول سبتمبر/أيلول، كانوا يحملون الصحفيين إلى هناك لتسليط الضوء على العمل هناك.

المهمة التي نذر «بن زايد» نفسه لها تذهب إلى أبعد من مجرد بناء جيش، إنه يحاول أن يربط البلاد التي أنشئت في 1971 من سبع مشيخات منفصلة. أبو ظبي، الإمارة النفطية، كانت دائما في مقعد القائد. لكن دبلوماسيين سابقين يقولون إنه منذ عقود مضت، حينما كان من النادر القيام بذلك، فإن الشيخ الشاب كان يسافر بانتظام خارج أبوظبي لزيارة المشايخ الذين كانوا يرون أنفسهم كرؤساء للدول محاولا بصبر معالجة النسيج الوطني.

الصور المعلقة في متحف العين تظهر صورة أبوظبي قبل ثورة النفط: امرأة محجبة تسير في سوق يمتلئ بالرجال المعممين. يقف الأطفال أمام كوخ من القش، يحملون الماعز بين أيديهم. على الجدار، هناك اقتباس منقوش لوالد الأمير «محمد»، الشيخ «زايد»، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة يقول: «من لا ماضي له لا حاضر له ولا مستقبل».

طراز قبلي

وصل المستقبل (التحديث) أولا إلى دبي. ولكن برزت أبوظبي من ظل جارتها منذ وفاة الشيخ «زايد» عام 2004. إنها الآن بالكاد تشبه الصور في متحف العين، التشكيلة المترامية الأطراف من المباني الشاهقة والفيلات الكبرى. المغتربون يتنزهون على طول الكورنيش الذي تصطف على جانبيه الأشجار، كعلامة على أن الإمارة الصحراوية تستطيع توفير موارد المياة الثمينة للحفاظ على المدينة الخضراء.

يحافظ «محمد بن زايد» على بعض التقاليد القديمة. ويواظب على المجالس الأسبوعية في النمط القبلي العرفي، ويجلس في وسط تجمعات تتخذ شكل حدوة الفرس. كما أنه يشكل كادرا من الموالين له من الشباب والعسكريين من خارج العائلة المالكة الذين تلقوا تعليمهم في الخارج. إنهم يطلقون عليه «الزعيم».

«ديفيد ماك» - السفير الأمريكي الأسبق في الإمارات في أواخر الثمانينيات - يقول إنه كان يبدأ اجتماعاته في السابعة والنصف قبل أن تبدأ معظم الجهات الحكومية عملها.

«ماك» يتذكر قصصا عن الأمير الشاب. يقول إنه كان يفعل أشياء مجنونة مثل القيادة إلى الخلف مع أحد أشقائه على طول الكورنيش في أبوظبي. ولكنه كان يتعلم عن السياسة في الشرق الأوسط أيضا.

قليل من التسامح

عندما جاء أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، بعد تعرضهم للمداهمات في مصر، إلى الخليج لسد عجز المعلمين والبيروقراطيين، يقول «بن زايد» إن هذه الفترة أظهرت له كيف يتم غسل دماغ الشباب، وفقا لوصفه.

مثل والده، أظهر «محمد بن زايد» القليل من التسامح مع الإسلاميين. أرسلت الإمارات مليارات من الدولارات لمصر لدعم قائد الجيش «عبد الفتاح السيسى» بعد أن أطاح بالرئيس المنتخب المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين في عام 2013.

لا يختلف الأمر كثيرا داخل البلاد، في العام الماضي قامت الإمارات بتصنيف أكثر من 80 منظمة كمنظمات إرهابية بما في ذلك بعض المنظمات التي تعمل بشكل قانوني في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وجماعة الإخوان المسلمين التي تظهر التزاما نحو عن طريق صناديق الاقتراع، وينظر إليها على أنها تهديد للملكية المطبقة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

أحد التهديدات طويلة المدى لدولة الإمارات تكمن في الاعتماد بشكل كبير على النفط. يخطط «بن زايد» للقضاء على هذا الأمر مستلهما نماذج مثل النرويج، الغنية بالنفط ولكن مع اقتصاد متنوع. «بعد خمسين عاما من الآن، بعدما نقوم بتحميل آخر برميل من النفط، هل سنشعر بالحزن؟»، هكذا تساءل «بن زايد» في خطاب علني نادر في فبراير/شباط. وأضاف: «إذا كنا محقين في استثماراتنا اليوم، فإننا سوف نحتفل في تلك اللحظة».

حتى الآن، لا يزال النفط مهيمنا. وقد تلقت الإيرادات ضربة مع تراجع أسعار الخام. سبقت الإمارات جميع أقرانها في الخليج في الاستجابة المالية: ألغت دعم الطاقة وقامت بزيادة الضرائب على الشركات.

قليل من المقاومة

قامت الإمارات بتحجيم استقدام الموارد البشرية أيضا: أكثر من 80% من السكان اليوم هم من المغتربين. هذا هو أحد الأسباب التي دعت «بن زايد» للحرص على دور أوسع للنساء، اللاتي يتمتعن بمزيد من الحريات ودرجات أعلى من الوظائف مقارنة بنظيراتهن في المملكة العربية السعودية. عندما بدأت الإمارات قصف «الدولة الإسلامية» العام الماضي، فإن أنباء «مريم المنصوري» قد هيمنت على عناوين الأخبار.

يقود «محمد بن زايد» معظم التغييرات من وراء الكواليس. بينما يجتمع شقيقه من المسؤولين الأجانب في الأوساط الرسمية، في حين يدعوهم الشيخ «محمد» إلى وجبات حميمية. من المعتاد رؤيته في مقهى جونز المزدحم قرب مقر مكتب «مبادلة»، صندوق الاستثمار الأكبر في أبوظبي، وقد اصطحب« هيلاري كلينتون» ذات مرة إلى هناك. ويقال إنه في بعض الأحيان يقود سيارته الخاصة.

جلبته حرب اليمن إلى الصدارة؛ أظهرت وسائل الإعلام المحلية صورا له بصحبة أقارب الجنود الذين سقطوا في المعارك هناك.

البلد الآمن

الجانب المشرق من الأمر أن الإمارات تظل بلدا آمنا رغم الهجمات التي هزت المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين. لا يوجد أي دلائل على هجرة رجال الأعمال، على الرغم من أن بعضهم أبلغنا بشكل خاص أنهم يراقبون عن كثب التغيرات في السياسة الخارجية. في بلد حيث حرية التعبير محدودة، فإن القليل من المناقشة العلنية قد يعرض صاحبه للمخاطر.

قال «لودوفيك سوربان»، كبير الاقتصاديين في «يولر هيرميس»، وهي أكبر شركة تأمين للقروض التجارية في العالم، بأن دولة الإمارات العربية المتحدة قد تكون محقة لكونها صارت أكثر حزما. ويضيف: «الضغوط الخارجية أصبحت قاسية».

ويضيف: «إذا لم تستطع البلاد الحفاظ على موقعها كملاذ آمن فسوف تكون هناك مشكلة ثقة كبيرة. حتى العلامة التجارية اللامعة لدولة الإمارات العربية المتحدة لن تعود مثيرة للاهتمام أكثر من ذلك».