ذا إنترسبت- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
بعد فترة وجيزة من إطلاق هجماتها العسكرية في اليمن، بدأت المملكة العربية السعودية في تخصيص موارد كبيرة من أجل حملة علاقات عامة تستهدف المؤسسات السياسية في واشنطن.
ويهدف تصميم حملة العلاقات العامة إلى الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة لدعم التدخل السعودي العسكري في أفقر دولة عربية في الشرق الأوسط، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 6000 شخص نصفهم على الأقل من المدنيين.
وتشمل الحملة إطلاق بوابة وسائل إعلامية موالية للمملكة العربية السعودية تدار من قبل استشاريين رفيعي المستوى من الجمهوريين، مع موقع خاص على شبكة الإنترنت باللغة الإنجليزية مخصص لتسليط الضوء على أحدث التطورات الإيجابية في حرب اليمن، إضافة إلى حفلات العشاء الجذابة مع النخب السياسية والتجارية الأمريكية والدفع الذي لا يتوقف نحو التأثير على الصحفيين وصناع القرار.
وقد جاء ذلك مصحوبا مع فورة للإنفاق على جماعات الضغط الأمريكية ذات العلاقات النافذة مع المؤسسات النافذة في واشنطن. وكما سبق أن أوردنا، فإن سفارة المملكة العربية السعودية تحتفظ بعلاقات وثيقة مع شقيق رئيس الحملة الانتخابية لـ«هيلاري كلينتون» إضافة إلى رئيس أحد أكبر الدوريات الجمهورية في البلاد، إضافة إلى مكتب محاماة يرتبط بعلاقات وثيقة مع إدارة «أوباما». أحد أكبر ممولي حملة «جيب بوش»، «إجناسيو سانشيز»، يمارس أعمال الضغط أيضا لصالح المملكة العربية السعودية.
الكثير من الضغط
وقد وضعت علاقة المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة تحت الكثير من الضغط في السنوات الأخيرة، ليس فقط بسبب الحرب في اليمن ولكن أيضا بسبب موجات القمع الداخلي. بعد وصول الملك «سلمان بن عبد العزيز» إلى العرش في يناير/ كانون الثاني، شهدت المملكة ارتفاعا حادا في معدلات تطبيق أحكام الإعدام بسبب الاحتجاج أو انتقاد الحكومة. وفي 17 نوفمبر/ تشرين الثاني، حكمت محكمة سعودية علي «أشرف فياض»، وهو شاعر شهير ذو أصول فلسطينية، بالإعدام بتهمة الردة.
كانت هناك أيضا تقارير تفيد بأن المملكة العربية السعودية لا تزال رائدة في دعم المسلحين السنة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في سوريا والعراق. تقوم الحكومة السعودية حاليا بتوريد الأسلحة إلى تحالف المتمردين السوريين الذي يضم جبهة النصرة، الفرع التابع لتنظيم القاعدة في المنطقة. وكما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن مانحين سعوديين من القطاع الخاص في المملكة العربية السعودية جمعوا تبرعات وصلت في النهاية إلى يد تنظيم «الدولة الإسلامية». ويدفع بعض المشرعين من الحزبين الديموقراطي والجمهوري إلى رفع السرية عن صفحة من تقرير لجنة 11 سبتمبر/ أيلول، يقال أنها تتعلق بدعم «الدولة السعودية» لبعض أنشطة تنظيم القاعدة.
في سبتمبر/ أيلول، شاركت المملكة في رعاية أحد المهرجانات الفاخرة لنخبة رجال الأعمال في واشنطن في فندق ريتز كارلتون وقاعة أندرو ميلون. وقد شهد الملك «سلمان» الحدث جنبا إلى جنب مع الرؤساء التنفيذيين لشركة جنرال إلكتريك وشركة لوكهيد مارتن، ورئيس ماريوت الدولية، وبعض المسؤولين في أكبر مراكز الفكر في واشنطن.
تغلغل إعلامي
وقد أمنت المنظمات غير الربحية المدعومة من المملكة تغطيات صحفية إيجابية لأخبار المملكة من خلال عدد من القنوات. على سبيل المثال، في 21 سبتمبر/ أيلول، كتب «حسين إيبش»، وهو باحث مقيم في معهد دول الخليج العربي في واشنطن (مركز بحثي وفكري جديد ممول بالكامل من قبل حكومات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة)، عمود رأي في صحيفة «نيويورك تايمز» يبشر فيه بـ«إعادة ضبط العلاقات السعودية الأمريكية» حيث أصر «إيبش» على أن «ملامح جديدة لتنشيط و تطوير الشراكة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بدأت في التبلور».
وتوقع «إيبش» أيضا أن السعودية سوف تكثف جهودها من أجل التأثير على الأحداث في سوريا. وعلى أرض الواقع، فقد أنهت المملكة العربية السعودية غاراتها الجوية على سوريا هذا الشهر كما تم توجيه الموارد العسكرية إلى حرب اليمن بدلا من ذلك.
مؤسسات وجماعات ضغط
وتقود «كورفيس» جهود السفارة السعودية في صياغة التغطية الإعلامية. «وكورفيس» هي شركة استشارية عملت لصالح الحكومة السعودية بعد أشهر من هجمات 11 سبتمبر/ أيلول عام 2011. وقد قامت «كورفيس» بإنشاء موقع كامل لتعزيز الحرب التي تقودها السعودية في اليمن. كما قدمت جهدا مستمرا في التواصل مع الصحفيين بشأن حرب اليمن.
ويتم تنسيق حملات البريد الإلكتروني التي تقوم بها «كورفيس» مع غيرها من أعضاء فريق جماعات الضغط الذي تعاقدت معه المملكة العربية السعودية والذي يشمل «H.P. Goldfield» وهي مجموعة تضغط تعمل بصحبة مكتب محاماة «هوجان لوفيل» ومجموعة «أولبرايت ستونبريدج».
في يوليو/تموز، أعلنت السفارة السعودية عن إطلاق »العربية الآن»، وهو مركز على الإنترنت يهدف إلى توفير الأخبار المتعلقة بالمملكة. ومنذ ذلك الحين، يعمل الموقع على تعزيز صورة المملكة العربية السعودية كمعقل لحقوق الإنسان والتقدم، مع منشورات تدعي أن المملكة هي «البلد الأكثر سخاء في العالم». على الرغم من منع السفن الحربية السعودية وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن، فإن المركز السعودي يدعي الآن أن «المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة التي استجابت لنداء المساعدة الإنسانية التي أطلقتها الأمم المتحدة لمساعدة اليمن من خلال تقديم هبة بقيمة 274 مليون دولار».
تظهر إفصاحات تم رفعها مؤخرا من شركة «تارجت فيكتوري»، هي شركة استشارية أسسها «زاك موفات»، استراتيجي الحزب الجمهوري الذي شغل منصب مدير الحملة الرقمية للمرشح «ميت رومني»، أنها تشارك في إدارة مركز «العربية الآن». وقد تم ترشيح مجموعة «موفات» بواسطة «كورفيس».
تعاقدت «كورفيس» مع شركات أخرى لقياس الرأي العام، بما في ذلك «تولونا» الأمريكية، وهي شركة استطلاع على الانترنت، إضافة إلى «مجموعة الاتجاهات الأمريكية» وهي شركة مسح هاتفي أسسها خبير استطلاعات سبق له أن عمل مع «بيل كلينتون».
تقوم «كورفيس» أيضا بتنسيق سداد أتعاب معينة لشخصيات سياسية بارزة. على سبيل المثال، تلقى «مارك كينيدي»، عضو الكونجرس الجمهوري السابق من ولاية مينيسوتا، مبلغ 2000 دولار نظير أحد الخطابات.
ما بين إبريل/نيسان وسبتمبر/ أيلول من هذا العام، بلفت فواتير العمل بين «كورفيس» والمملكة العربية السعودية ما يقرب من 7 ملايين دولار وهو تقريبا ضعف المبلغ الوارد خلال فترة التقرير السابقة.
ربما ليس من قبيل الصدفة أن المسؤولين السعوديين قد صاروا ضيوفا منتظمين في البرامج الإخبارية وفي الأحداث التي تنظمها مراكز الفكر في واشنطن من أجل التأكيد للجماهير الأمريكية على أن الحملة التي تقودها السعودية في اليمن هي في مصلحة الولايات المتحدة.
في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، تمت استضافة عدة مسؤولين سعوديين في عدة فعاليات لصناع القرار حول واشنطن. وتحدث الأمير «سلطان بن خالد الفيصل»، قائد القوات البحرية الملكية السعودية السابق، في حفل أقيم مبنى مكتب «رايبيرن». ورد «الفيصل» على سؤال حول تقارير أفادت قيام القوات السعودية بقصف حفل زفاف في اليمن بالقول: «أنا متشكك في صحة هذه التقارير. لدينا قنابل دقيقة جدا، ومكلفة جدا. هل تعتقد أننا سوف تستخدم قنابل عالية الدقة لاستهداف حفلات الزفاف أو لاستهداف المدارس؟«.
بعد تصريحاته في الكابيتول هيل، اصطف حشد صغير من موظفي الكونغرس من الشباب بجوار المنصة، في انتظار التقاط صور سيلفي مع الأمير السعودي.