علاقات » اميركي

أزمات السعودية وإيران.. الفشل المأساوي لسياسة «أوباما» الخارجية

في 2016/01/11

ميدل إيست بريفينج- ترجمة الخليج الجديد-

اعتبر تقرير لموقع «ميدل إيست بريفينج» أن الأزمة التي تتكور بسرعة في الشرق الأوسط في صورة التصعيد بين المملكة العربية السعودية وإيران بعد إعدام رجل الدين الشيعي «نمر النمر»، و46 من آخرين من المرتبطين بتنظيم القاعدة، «تعد تذكيرا آخر بأن الأزمات الإقليمية قد تتحول إلى تهديد رئيسي للأمن العالمي، وشهادة أخرى على مدى فشل السياسة الخارجية للرئيس أوباما».

وقالت المجلة إن استراتيجية الرئيس «أوباما» قامت على أساس إعطاء تنازلات أكثر وأكثر إلى آيات الله في إيران، لضمان تحقيق أهداف أمريكا في المنطقة عبر التعاون مع إيران في ضرب تنظيم «الدولة الإسلامية» وتحسين العلاقات بين إيران والدول العربية، خاصة دول الخليج، والمساهمة في إنهاء الحروب الأهلية في سوريا واليمن والحفاظ على وحدة العراق.

وقالت إن هذا الفشل في تحسين العلاقات الاقليمية بين إيران والعرب «يضر موقف الولايات المتحدة ومصالحها»، كما أنه «يضر المنطقة ويساهم في تأجيج نيران الحروب والمعارك الإقليمية».

وقال مسؤول أمريكي سابق لـ«ميدل إيست بريفينج» أنه «سيكون من غير المنطقي أن نستنتج أن تصرفات الولايات المتحدة وتراخي موقفها، هو الذي ساهم في ما يحدث من احتقان وتوتر في الشرق الأوسط، إذ أن هذه الصراعات والتحديات متجذرة هناك، حيث تواجه المنطقة مشاكل داخلية ودينية وطائفية لا يمكن للولايات المتحدة حسمها بالقوة العسكرية أو الإقناع السياسي».

وقد عقب الموقع علي تصريحه بالقول: «المشكلة هنا ليست فقط أن هذا المسؤول يتحدث عن توتر ليس حكرا على منطقة الشرق الأوسط، ولا قوله أن هذه التوترات كانت دائما موجودة في المنطقة قبل فترة طويلة من تولي الرئيس منصبه، ولكن أن رأيه يكشف النظرة السطحية والتبسيطية للسياسية الخارجية للولايات المتحدة».

ويضيف التقرير بالقول: «وظيفة السياسة الخارجية هي التنقل بين مشاكل العالم، والنظر في تأثيرها الحقيقي، ودراسة القوى المتعددة التي تشكل طبيعة أي أزمة كبيرة ورسم وسيلة للتعامل معها عبر النظر في الحقائق».

الدول الكبرى سبب مشاكل الشرق الأوسط

ويؤكد التقرير أن الدول الكبرى هي المسؤولة عن الفشل والمشاكل التي نراها في المنطقة، حيث تعبث بشكل واضح بالأطراف الإقليمية وتساعد على التصادم بينها، وأن علي زعماء العالم أن يتدخلوا بحكمة لتنفيذ لنزع فتيل قنبلة موقوتة.

ويضيف: «من الواضح الآن أن الإدارة الأمريكية ليست قادرة على إيجاد حلول عاجلة، بل أن إصرار الرئيس أوباما على اختبار بعض آرائه الذاتية والعقائدية في المنطقة بطريقة بدائية، مسؤول جزئيا عن التشنجات التي نراها هناك».

الفشل الأمريكي السابق في مصر

وأشار المقال إلى فشل سابق للسياسية الامريكية الخارجية في مصر، في صورة تعامل الرئيس الأمريكي مع جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما أظهرته رسائل البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون وزير الخارجية حينئذ حينما تحدثت عن تفاصيل «سياسة الإدارة بالسماح بتمكين الإخوان المسلمين من خلال الوسائل الديمقراطية»، ثم مساعدتها فيما بعد في إسقاط «مرسي».

وقال أن سياسة «أوباما» في هذا الصدد قد أضرت بمصر، والآفاق المستقبلية للديمقراطية في الشرق الأوسط وأضرت جماعة الإخوان المسلمين نفسها، ولكن لا يوجد شخص في الإدارة الأمريكية الآن يعترف بهذا الفشل المأساوي.

الفشل في العراق

وأشار المقال أيضا إلى فشل سياسات الرئيس «أوباما» في العراق، حيث دعم سياسات «المالكي» الطائفية في نفس الوقت الذي قام فيه بسحب قواته. وقال إن سياسات الولايات المتحدة في العراق هي التي أنتجت «الدولة الإسلامية»، وساعدت علي توسيع أنشطتها وأراضيها إلي سوريا وقتل مئات الآلاف من السوريين. والآن، فإننا نرى حربا تقليدية تتفجر بين العرب السنة وإيران، نتيجة لهذه السياسات.

ويرجع المقال ما وصفها بأنها «العيوب المفاهيمية» الكبرى للرئيس أوباما إلى تعلقه بالمعتقدات الأيديولوجية، وعدم فهم أن الاندفاع لتنفيذ هذه المثل الذاتية في الواقع يمكم أن يتسبب في فوضى لا يمكن السيطرة عليها.

كيف يمكننا الخروج من النفق؟

ويشير المقال إلى أنه بسبب هذا التخبط في السياسة الأمريكية، فإننا نري الأزمة في الشرق الأوسط تدخل مرحلة جديدة، مؤكدا أنه «لا يوجد مكان هنا لهراء إعادة التاريخ لنفسه، لأن ما يحدث هو تطور الأزمات دوما إلى درجة أعلى من التعقيد»، في إشارة لصراعات المنطقة وآخرها الاشتباك بين إيران والسعودية.

ويضيف: «يمكننا انتقاد المملكة العربية السعودية وإيران بقدر ما نريد، ولكن كيف نخرج من هذه الحفرة أو الأزمة؟».

فإدارة «أوباما» مدت حبال المودة لإيران لفترات طويلة في الآونة الأخيرة، وابتلعت الإدارة الامريكية التجارب الصاروخية الايرانية التي مثلت خرقا واضحا للاتفاق النووي في اليوم الأخير من عام 2015.

وأشارت «ميدل ايست بريفينج» إلي الصواريخ الذي زعم متحدث باسم الجيش الأمريكي يوم 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي إن الحرس الثوري الإيراني قد أطلقها بالقرب من حاملة الطائرات الأمريكية «هاري ترومان» وسفينتين حربيتين كانت في طريقها لدخول الخليج، مؤكدة أن هذا العمل "الاستفزازي" تم خلال نفس اللحظة التي كان الرئيس «أوباما» يضغط فيها على الكونغرس لتجميد أي رد علي مقترحة للتعامل مع اختبارات إيران لجيل جديد من الصواريخ.

على مذبح آيات الله

وأشار الموقع الأمريكي إلي أن «كل ما يهم الرئيس هو أن يفتح طريقا جديدا للعلاقات مع إيران، متسائلا، لماذا يجب أن يحدث هذا على حساب العرب في العراق وسوريا واليمن ولبنان؟ لماذا يجب أن يحدث على حساب موقف الولايات المتحدة في المنطقة، والعلاقات مع حلفاء أميركا التقليديين والاستقرار في المنطقة؟».

وشدد المقال علي أن الرئيس «أوباما» يبدو مصمما على كسر «هيكل التحالف التقليدي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط»، أي مع العرب، في سبيل أن يفتح صفحة جديدة مع إيران، وتعقب: «إما أن الرئيس لا يعرف ما يجب القيام به، أو أنه قد اتخذ قراره وقرر بالفعل تقديم حلفائه التقليديين كقربان لإيران على مذبح آيات الله».

وفي ختام المقال، تسرد المجلة ما تقول أنه إشارات ووسائل إدارة «أوباما» التي عرضت المصالح الاستراتيجية العربية للخطر على مذبح آيات الله علي النحو التالي:

أولا: كان هناك، ولا يزال، محادثات سرية بين واشنطن وطهران متعلقة بالسياسات الإقليمية الإيرانية، تم إخفاؤها عن حلفاء واشنطن التقليديين (العرب) ولا أحد يعرف بالضبط ما يحدث في هذه المحادثات.

ثانيا: في أعقاب هذه المحادثات السرية (في عمان وبعض المراكز الدبلوماسية الأوروبية)، التي جرت بدعوى «ضبط الطموحات الإيرانية في العراق»، في معركة الرمادي ظهرت أجندة طائفية عبر الشعارات المطروحة خلال تحرير المدينة. وقد وصفت صحيفة «وول ستريت جورنال» ذلك بالقول إن «أقنعة الحملة العسكرية كانت مجموعة متنوعة من الأجندات المحلية ووعود وهمية بتوحيد العراق، ولكن الميليشيات الشيعية الموالية لإيران الاكثر نفوذا في العراق محت مناطق كاملة للسنة وضمتها إليها».

ثالثا: فإن هذا الصمت من الإدارة الأمريكية علي تمكين الميليشيات الموالية لإيران من السيطرة على مناطق بأكملها كانت تعتبر تقليديا أراضي سنية، قد عقد وأفشل استراتيجية مكافحة «الدولة الإسلامية»، وصعد من الغضب ووفر مجالا خصبا للتنظيم التطرف.

رابعا: تراجعت الإدارة الأميركية عن مطالبتها برحيل «الأسد» في أكثر من مناسبة، وقد جري إسقاط هذا الطلب لإرضاء الإيرانيين، ما جعل مستقبل المحادثات الانتقالية في سوريا أمرا مشكوكا فيه.

خامسا: مارست الإدارة الأمريكية ضغوطا شديدة لكبح جماح أي رد فعل على التجارب الصاروخية الإيرانية الهجومية وسعت لإقناع الكونغرس بعدم الرد بدعوي أن «المحادثات السرية مع الإيرانيين تمر بمرحلة حساسة»، وهو ما دفع النائب الديمقراطي «ستيني هوير» للقول: «أشعر بخيبة أمل لتأخر الإدارة الأمريكية في توقيع إجراءات عقابية ردا على تجارب الصواريخ البالستية الإيرانية الأخيرة».

وأخيرا: فقد مارست الإدارة الأمريكية ضغوطا على الدول العربية لقبول حل وسط في اليمن برغم أن الحوثيين الموالين لإيران لا يحترمون الحكومة الشرعية، ما دفع التحالف العربي لإنهاء وقف إطلاق النار ردا على ذلك. وقد سحبت إدارة «أوباما» الالتزامات التي قدمتها لدول مجلس التعاون الخليجي خلال القمة الأمريكية الخليجية في كامب ديفيد في مايو/أيار الماضي.