شؤون خليجية-
تزامناً مع عودة الحديث عن أضخم شركة نفطية "أرامكو" وإمكانية تخصيصها، وطرح اسمهما في البورصة، صدور ترجمة لكتاب " ارامكو ..مملكة أمريكا وصناعة الأساطير على تخوم النفط السعودي"، الذي يقع في 520 صفحة، الكتاب سيكون في المعرض الدولي للكتاب بالقاهرة 27يناير الجاري.
أكثر من عشرة أعوام قضاها المؤلف بين الوثائق والشهادات والبحث التاريخي المضني كي يُصدر لنا هذا الكتاب التوثيقي غير المسبوق عن صفحات مهملة من تاريخ الجزيرة العربية منذ مطلع القرن العشرين، وذلك عبر تسليط الضوء على قصة الإمبراطورية النفطية التي أسستها أمريكا تحت اسم "شركة أرامكو" في ثلاثينيات القرن الماضي والتي ترتبط بشكلٍ وثيق بتاريخ تشكُّل المملكة العربية السعودية وعلاقتها مع بريطانيا أولاً ثم مع الولايات المتحدة.
استطاع روبرت فيتالس في هذا الكتاب أن يخترق الرواية المعتمدة والوحيدة التي تروّجها الشركة لتاريخ تأسيسها – والتي كُتبت بالطبع بتمويل منها – عبر استعراض مضامين وثائق تجاوزت الثلاثة آلاف صفحة لم تُتَح للباحثين من قبل، ولم يستطع المؤلف الوصول إليها سوى بعد وفاة من كان يحتفظ بها – وهو أبرز مؤرّخي الشركة - في تسعينيات القرن العشرين، ومنها اطّلع المؤلف على كل ما لا ترغب الشركة في نشره، وفيها ما يكسر كل الأساطير التي تروجها ومن ورائها الحكومة الأمريكية عن تاريخ نشأة أرامكو والصورة التي رسمتها للأمريكي الذي أتى إلى البلد الجديد لتنميته ولتأسيس حضارة وسط الصحراء.
يكشف الكتاب الدوافع الإمبريالية والسلوك الاستعماري الذي انتهجته الشركة تجاه السعودية منذ تأسيسها، ويسمّي موثقاً عدداً من جواسيس السي آي ايه الذين أتوا باعتبارهم موظّفين كبار في أرامكو. كما ويتحّدث بتفصيلٍ عن بدايات التنمية والتنقيب عن النفط، وتداعيات ما بعد الحرب العالمية الأولى ثم الثانية على السعودية.
ويستعرض المؤلف بالوثائق والأسماء ممارسات التمييز الطبقي والفصل العنصري التي مارستها إدارة الشركة تجاه الموظّفين السعوديين، وغيتو الحي الأمريكي، وسياسات الشركة في الاستحواذ على النفط، وحراك العمال واحتجاجاتهم ومظاهراتهم في مواجهتها والتي بدأت في العام 1945م، وارتباط كل ذلك بنشأة الاتجاهات اليسارية "قومية وماركسية" في السعودية، والصراع الإقليمي مع مصر عبد الناصر، ووجود قاعدة الظهران العسكرية الأمريكية. كما ويشير المؤلف إلى أسماء مهمة قادت الحراك العمالي ضد سياسات الشركة، من أمثال: عبد العزيز السنيد وعبد الرحمن البهيجان وصالح الزيد وناصر السعيد، والذين تعرضوا – والعشرات سواهم – لمطاردات واعتقالات سياسية.
ويتوسّع الكتاب في الحديث عن التاريخ السياسي السعودي في تلك الفترة، وطبيعة العلاقة مع الحكومة الأمريكية منذ اللقاء الشهير للملك عبد العزيز مع الرئيس الأمريكي روزفلت على سطح السفينة الأمريكية "كوينسي"، مروراً بمشروعات الإصلاح السياسي التي أقدم عليها الملك سعود، ثم صراعه مع الملك فيصل الذي انتهى بعزله عن الملك، والعلاقة المضطربة مع مصر الناصرية والسجال الإعلامي معها، وحركة الأمراء الأحرار، والحرب في اليمن. كما ويتضمّن الكتاب ما يشبه السيرة الذاتية غير المنشورة لأهم شخصيتين سعوديتين – من خارج الأسرة الحاكمة – أدّتا أدواراً بمنتهى الأهمية في التاريخ السياسي السعودي، وهما عبد الله الطريقي وعبد العزيز بن معمر، وما انتهى إليه المطاف بكلٍ منهما، حيث المنفى والمعتقل.