د. يعقوب أحمد الشراح - الراي الكويتية-
الفتور في السياسة الأميركية تجاه دول الخليج العربي في السنوات الأخيرة يحلله السياسيون بأنه دليل على حدوث تغيير استراتيجي تفرضه مستجدات وتغيرات لا تقارن بالسياسات الأميركية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، فالمصالح الأميركية في السابق مع دول الخليج كانت أكثر ارتباطاً بالنفط والطاقة بدليل أن أميركا وقفت بحزم مع حلفائها ضد صدام العراق عندما دخلت قواته الكويت والسعودية بعد أن شعرت أن مصالحها القومية في خطر، وأن العراق يستهدف النفط الخليجي والتوسع الجغرافي، وبناء القوة العسكرية باحتلاله لأراضي جيرانه مما يؤثر ذلك في إمداد الطاقة للعالم.
اليوم، وبعد سنوات من تقلد أوباما للرئاسة الأميركية جاءت السياسة الأميركية لتقول إنها لن تنتهج السياسة نفسها التي كانت سائدة، فلن يكون هنالك تدخلات عسكرية أميركية لفض النزاعات الإقليمية أو المحلية حتى لو كان ذلك فيه شيء من الضرر غير المستبعد كخسران بعض الحلفاء أو صعوبة الضغط لتغيير سياسات حلفائها بفرض الرأي أو التهديد.
هناك من يرى أن الاستدلال على مؤشرات التغيير في السياسات الأميركية تجاه بعض حلفائها في مجلس التعاون لا يحتاج إلى عناء بحث أو المزيد من التعمق في التحليلات السياسية، فما يدور حالياً في الإقليم العربي من نزاعات وحالة لا استقرار يعكس طبيعة الفوضى العارمة الناشئة من التدخلات الخارجية وليس فقط انفراط الداخل وتفككه والذي، كما يبدو من حقائقه تعدد القوى المؤثرة فيه. فالحقائق عن وقف القتال في سورية والعراق، والتقارب مع إيران بعد أن كانت العدوة اللدودة لأميركا وحلفائها الأوروبيين، وسلبية الموقف الدولي مع الأحداث اليمنية، وأخيراً الموقف الأميركي الصادم من التدخل العسكري الروسي في سورية، والدعوة للحل السلمي بينما المعارك على أشدها. كلها ظواهر تؤكد حقائق التغيير السياسي واختلاف التوجهات رغم تضارب التصريحات..
لهذا فإن هذه الحقائق تقدم دلالات على الاتجاهات الجديدة للسياسة الأميركية يصعب معها التفكير في احتمالات عودة السياسة الأميركية القديمة التي انتهجها بوش الأب وبوش الابن في الخليج، كما أن الراصد لخطابات المرشحين للرئاسة الأميركية من الحزبين، الديموقراطي والجمهوري في هذا الوقت يلاحظ شيئاً من التحولات الجيوسياسية القادمة التي على أساسها لن تكون السياسة النفطية بين أميركا وحلفائها الخليجيين قضية محورية بقدر ما تظهر الساحة السياسية أن التركيز الأميركي موجه بشكل مكثف نحو البيئة الثقافية العربية، والخصوصية الذاتية العربية التي لا تتلاءم مع التوجهات العالمية نحو الديموقراطية أو المتطلبات الأميركية في إحداث تغييرات سياسية في أنظمة التعليم الخليجية في اتجاه العمل الجاد نحو الإصلاحات السياسية والمجتمعية، وخلق الحريات الدينية التي تمنع استخدام الدين في التطرف والإرهاب وكوارث التفجيرات والاعتداءات المقلقة للأميركيين والأوربيين.
واقع كهذا يستدعي ربط مصادر الخطر بالاتفاقيات الأمنية وبالتغيرات في السياسات الخارجية للدول، وعدم الاستمرار في الاعتماد على هذه الاتفاقيات بشكل مطلق من دون التفكير في كيفية ردع العدوان أو الوقاية منه قبل حدوثه من قبل الدول الخليجية نفسها. فكما قال وزير الدفاع في اجتماع المجلس النيابي الذي نشرته صحيفة «الراي»، وهو يطالب بالموافقة على ميزانية مالية لشراء السلاح، وأن «الاتفاقيات الأمنية تستوجب مشاركة الدولة في الدفاع عن نفسها وليس فقط الاعتماد على الغير».
إن الحاجة إلى دعم القوات المسلحة بالمال اللازم لشراء السلاح مسألة أكثر من ضرورية في ظل الظروف الخطرة التي تحيط بالدولة، لكن السلاح وحده لن يكون له مفعول رادع ودفاعي من دون اتحاد خليجي متضامن ومتعاون يجعل القوى العسكرية الخليجية موحدة كقوة واحدة تدافع عن دول الاتحاد بكل عزيمة وثبات تدعمها سياسات خارجية متزنة..