يوسف حمود - الخليج أونلاين-
تعتبر سلطنة عمان أن علاقاتها مع المملكة المتحدة واحدة من أقوى وأعرق العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع دولة أجنبية منذ قرون، حيث لا تزال تتسم بالقوة والتماسك والتطلع الدائم نحو تطويرها رغم مرور مئات السنوات على بدء تلك العلاقة.
وبدأت العلاقات بين البلدين في وقت كان فيه التنافس البحري في المحيط الهندي على أشده، ومع مرور الوقت تطورت حتى وصلت اليوم إلى علاقات قوية ومرسمة باتفاقيات ومعاهدات في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية.
ورغم تغير قيادة البلدين لعقود، والتي كان أبرزها مجيء السلطان هيثم بن طارق إلى الحكم خلفاً للراحل السلطان قابوس بن سعيد، وتغير حكومات في بريطانيا، فإن العلاقات استمرت بالتعاون والتقارب دون أي تراجع.
الأولى والأخيرة
لعل ما يكشف عن عمق هذه العلاقة أن السلطان هيثم بن طارق كان قد اختار المملكة المتحدة وجهته الأولى في أول زيارة رسمية له خارج منطقة الخليج في سبتمبر 2022، حيث التقى بملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية، وأجرى معها مباحثات تناولت تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين وآفاق تعزيزها.
وحالياً وبعد مرور أكثر من 4 أعوام على توليه الحكم، كانت لندن هي مستقر زياراته الخارجية، بعدما زارها أخيراً (7 أغسطس 2024)، وأجرى مباحثات في العاصمة البريطانية مع رئيس الوزراء الجديد كير ستارمر حول التطورات في المنطقة، لتكون الزيارة الخامسة له (2 منها زيارات خاصة وليست رسمية).
وفق وكالة الأنباء العُمانية فإن السلطان هيثم وستارمر استعرضا خلال اللقاء "العلاقات التاريخية الوثيقة بين البلدين، وسبل توطيد مسارات التعاون الثنائي بما يحقق المصالح المشتركة للشعبين العُماني والبريطاني الصديقين".
كما تبادلا "وجهات النظر حول مستجدات الأحداث الجارية في الساحتين الإقليمية والدولية، والقضايا ذات الاهتمام المتبادل".
ومنتصف يوليو الماضي، تلقى السلطان هيثم اتصالاً هاتفياً من رئيس الوزراء البريطاني الجديد، وذلك بعد أيام من تولي الأخير منصبه، حيث بحثا سبل تنمية العلاقات بين البلدين والقضايا المشتركة.
زيارات أخرى
منتصف يوليو من العام 2022، زار السلطان هيثم بريطانيا، والتقى خلالها بعدد من المسؤولين البريطانيين وحضر حفل تخرج نجله ذي يزن بن هيثم آل سعيد من كلية "سانت هيرس" العسكرية في الدفعة 222.
أما الزيارة الثالثة فكانت في سبتمبر 2022، لتقديم التعازي في وفاة الملكة إليزابيث وتهنئة الملك تشارلز، ملك المملكة المتحدة لبريطانيا وإيرلندا الشمالية ورئيس الكمنولث، بمناسبة اعتلائه العرش.
وكان سلطان عُمان قد أجرى "زيارة خاصة" إلى بريطانيا في فبراير الماضي 2024، حسبما أعلنت وكالة الأنباء العُمانية حينها، دون مزيد من التفاصيل.
وفضلاً عن ذلك فقد جرت لقاءات واتصالات هاتفية مختلفة بين الجانبين منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وزيارة بين مسؤولي البلدين، ناقشت التطورات في المنطقة واستمرار الحرب في القطاع، فضلاً عن هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر.
تقارب عسكري
ومن ضمن التقارب بين البلدين، شهد المجال العسكري اتفاقيات ولقاءات وتدريبات ومناورات مكثفة خلال عهد السلطان هيثم، كان أبرزها توقيع الجانبين على الأمر التنفيذي لاتفاقية الدفاع المشترك بينهما أواخر مايو 2022؛ بهدف زيادة التعاون في المجالات العسكرية.
تنص الاتفاقية على زيادة التعاون الدفاعي بين عُمان والمملكة المتحدة، خاصة في ظل التوترات والتغيرات التي يشهدها العالم بالفترة الأخيرة.
وتعكس الاتفاقية حجم العلاقات القوية بين البلدين، وحرص قيادتهما على مواصلة تطويرها، خاصة أنها تهدف إلى تعاون دفاعي مشترك.
ولم تكن الاتفاقية التي وقعتها السلطنة مع بريطانيا الأولى حول الدفاع المشترك، حيث سبق أن وقع السلطان الراحل قابوس بن سعيد، في مايو 2019، على مرسوم بالتصديق على اتفاقية الدفاع المشترك بين السلطنة وبريطانيا، التي وقعت في فبراير 2019.
وفي حينها اعتبرت بريطانيا في بيان لها أن الاتفاقية "دلالة على التزامها بأمن منطقة الخليج لسنوات عديدة قادمة".
الارتقاء بالعلاقات
يرى الكاتب العُماني نمير بن سالم آل سعيد، أن جميع هذه الزيارات إلى المملكة المتحدة التي يقوم بها السلطان هيثم، "تأتي للارتقاء بالعلاقات المُتميِّزة، ودعماً للروابط المتينة، وتعزيزاً للأهداف المشتركة بين البلدين؛ بما يُحقق تطلعات وآمال القيادتين والشعبين الصديقين".
ويؤكد في مقال له بصحيفة "الرؤية" أن عُمان "شريك استراتيجي وتجاري دولي لبريطانيا، وتتمتع بعلاقات قوية راسخة معها، كما أن عُمان تتمتع بموقع جغرافي مُتميِّز مُهم وتُشرف على حماية الملاحة الدولية من خلال مشارف حدودها".
ويلفت إلى أن العلاقات العُمانية البريطانية "تمضي في تطور مستمر، ولا سيما في الجوانب الاقتصادية والعسكرية، فقد جرى توقيع مذكرات تفاهم في شهر ديسمبر من عام 2021 في سياق الاتفاقية الشاملة للصداقة والتعاون الثنائي بين البلدين في مجال الاستثمار، بهدف تعزيز أواصر الروابط، وزيادة حجم الاستثمارات ذات القيمة العالية في كلا البلدين".
وأضاف: "ما نشهده من علاقة قوية، ولا سيما في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين المملكة المتحدة والسلطنة، ما هو إلا امتداد تاريخي للعلاقات المشتركة الراسخة وتواصل في المسيرة الخيرة التي تخدم البلدين".
وأكمل: "السجل التاريخي يدون زيارات عدة قام بها سلاطين عُمان إلى المملكة المتحدة من أجل ترسيخ علاقة الصداقة معها، ونذكر منها الزيارة التي قام بها السلطان تيمور بن فيصل في شهر سبتمبر من عام 1928، كما قام السلطان سعيد بن تيمور في مارس من عام 1938 بزيارة التقى خلالها جورج السادس في القصر الملكي، كما قام السلطان قابوس بن سعيد بعدة زيارات إلى المملكة المتحدة".
ويلفت إلى أن عُمان ترتبط مع المملكة المتحدة بـ"علاقات صداقة تاريخية متميزة منذ مئات السنين- ولا زالت وستبقى- تتسم بالقوة والتماسك، ماضية على النهج المرسوم باتفاقيات ومعاهدات في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية استمراراً للمسار التاريخي للصداقة المخلصة، والعزم الأكيد على تطويرها إلى آفاق أرحب ينسجم مع التطورات العالمية وبما يخدم الأهداف الوطنية المشتركة".
اتفاقيات اقتصادية
اكتسبت العلاقات الاقتصادية بين سلطنة عمان وبريطانيا زخماً كبيراً بتوقيع البلدين على اتفاقية لتعزيز التعاون الاستثماري، في ظل تأكيد البلدين عزمهما على تذليل جميع العقبات أمام حركة التبادل التجاري بينهما، مع سعيهما لوضع أسس شراكات استراتيجية أكثر انفتاحاً.
ووقع البلدان اتفاق شراكة استثمارية سيادية (يناير 2022) يهدف إلى تعزيز الروابط الاقتصادية، وزيادة الاستثمارات في مجالات مثل الطاقة النظيفة والتكنولوجيا، وهو ما يأتي تتويجاً لاجتماع عقد قبلها بشهر بين السلطان هيثم ورئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون.
وكدليل على هذه الشراكة المتنامية، أبرمت شركة "غرين فيولز" البريطانية الرائدة في مجال تحويل النفايات، في العام 2022، شراكة موسعة تضم مستثمرين عمانيين لتشكيل "واكود إنترناشيونال"، وهو مشروع مشترك استثمر حوالي مليوني دولار في عملياته التي تتخذ من عُمان مقراً لها منذ انطلاقه في العام الماضي.
ويعتبر معمل "واكود" الحيوي في مدينة خزائن الاقتصادية في عُمان أول مصنع للديزل الحيوي يعمل بالطاقة الشمسية في العالم.
وسيعالج المصنع 20 طناً يومياً من زيت الطهي المستخدم الذي تم جمعه من المطاعم ومؤسسات تجهيز الأغذية، إلى وقود الديزل الحيوي القياسي الأوروبي، للاستهلاك المحلي كوقود للطرق وللتصدير إلى المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.