في 2025/04/15
يوسف حمود - الخليج أونلاين
في خطوة لافتة من دولة أوروبية بارزة، اتخذت فرنسا موقفاً دبلوماسياً متقدماً في دعم الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة، وسط تصاعد الضغوط الدولية لإنهاء النزاع في غزة.
وساهمت الجهود الدبلوماسية الخليجية بفاعلية في دعم هذا التوجه، حيث اتخذت دول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية وقطر، خطوات هامة عبر تحركات دبلوماسية منسقة مع باريس ودول بارزة عدة.
وعكست الاتصالات الأخيرة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، تزايد التنسيق بين فرنسا والدول الخليجية بهدف إيجاد حل للأزمة في غزة، فكيف ساهمت التحركات الخليجية في هذا الموقف المتقدم لفرنسا؟.
موقف فرنسي
في مقابلة مع قناة "فرانس 5" بثت الأربعاء (9 أبريل 2025)، قال الرئيس الفرنسي إن بلاده قد تعترف بدولة فلسطين في يونيو المقبل، مضيفاً: "علينا أن نمضي نحو اعتراف، وسنقوم بذلك في الأشهر المقبلة".
وأعلن ماكرون، أن فرنسا قد تعترف بدولة فلسطين بمناسبة مؤتمر عن فلسطين يعقد في نيويورك وتتقاسم رئاسته مع السعودية، مضيفاً: "سأقوم بذلك (..) لأنني أعتقد أن الأمر سيكون صحيحاً في لحظة ما، ولأنني أريد أيضاً أن أشارك في دينامية جماعية، تتيح كذلك لجميع من يدافعون عن فلسطين الاعتراف بدورهم بإسرائيل، الأمر الذي لم يقم به العديد منهم".
وكانت دول أوروبية عدة قد اعترفت بدولة فلسطين مثل إيرلندا وإسبانيا والنرويج في إطار دعمها لحل الدولتين كسبيل وحيد لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط.
كما أعلن ماكرون خلال قمة ثلاثية مع مصر والأردن في القاهرة (7 أبريل) دعمه للمبادرة العربية التي صاغتها مصر واعتمدتها الجامعة العربية الشهر الماضي لإعادة إعمار غزة، في مقابل مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير سكان القطاع إلى دول الجوار لترك المجال لاستثمارات أمريكية تحوله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".
اتصالات مكثفة
التطورات الأخيرة تبرز الدور المتزايد للدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية وقطر، في دفع ملف غزة إلى واجهة النقاش الدولي، حيث جاءت الاتصالات بين ماكرون وزعيمي الدولتين الخليجيتين لتعكس التوجه نحو تعزيز التنسيق العربي الأوروبي لتحقيق حل سياسي دائم.
وتلقى أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، (10 أبريل) اتصالاً من الرئيس الفرنسي، حيث ناقشا التطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، لا سيما الأوضاع في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة.
كما تلقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اتصالاً مماثلاً من ماكرون، جرى خلاله استعراض علاقات الصداقة والتعاون المشترك، إلى جانب تبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية والدولية والجهود المبذولة لتحقيق الأمن والاستقرار، وفقاً لـ وكالة "واس" الرسمية.
وساهمت الجهود العربية الخليجية بشكل واضح في تحفيز فرنسا على تبني موقف أكثر صرامة بشأن الاعتراف بفلسطين، ما عكس توافقاً مشتركاً لاستخدام كل الوسائل المتاحة بهدف تحقيق السلام في المنطقة.
وفي مايو 2024 أعلنت الرئاسة الفرنسية أن ماكرون وخلال استقباله وفد اللجنة الوزارية المكلفة من قبل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بقيادة السعودية وقطر، بحث الأوضاع الراهنة في قطاع غزة في ظل الحرب المستمرة، كما ناقش معهم فرص تحقيق "حل الدولتين".
الاعتراف فيه تأييد ضمني
يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني أحمد الحيلة، أن موقف ماكرون بشأن احتمالية اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية جيد من حيث المبدأً.
ويضيف في تصريح لـ"الخليج أونلاين" بقوله:
- الاعتراف فيه تأييد ضمني لحق الشعب الفلسطيني في دولة فلسطينية، إضافة إلى رفض ماكرون تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة بتأييده المبادرة العربية بهذا الخصوص التي تدعم وقف العدوان ورفع الحصار والإعمار دون تهجير.
- هذا الموقف يبقى مجرد حديث إعلامي، ولا يمكن اعتباره تغيّراً حقيقياً أو جوهرياً في الموقف الفرنسي، إلا إذا تحول إلى واقع ملموس بقرار رسمي يعترف بالدولة الفلسطينية، لأنه دون ذلك ربما يكون هذا التصريح مجرد مجاملة للدول العربية أثناء زيارته للقاهرة.
- يُلاحظ في تصريحات الرئيس ماكرون إلى قناة "فرانس 5"، أنه قارن بين الاعتراف بالدولة الفلسطينية واعتراف الدول العربية بإسرائيل (التطبيع)، وفي ذلك شكل من أشكال التهرب أو عدم الالتزام بالاعتراف بالدولة الفلسطينية عملياً، على قاعدة انتظار حل الدولتين الذي تحول في الخطاب الأوروبي إلى مجرد استهلاك إعلامي.
الزخم الدبلوماسي الخليجي
فيما يقول الباحث في الشؤون الأوروبية والعلاقات الدولية سالم شكري، إن التحول في الموقف الفرنسي تجاه الاعتراف بدولة فلسطين "لم يكن ليحدث بهذه السرعة لولا الزخم الدبلوماسي القادم من الخليج، خصوصاً من السعودية وقطر".
ويضيف لـ"الخليج أونلاين" قائلاً:
- فرنسا تحاول اليوم أن تتموضع كقوة توازن في المشهد الدولي، مستفيدة من التنسيق الوثيق مع العواصم الخليجية، لتقديم نفسها كوسيط أكثر استقلالية مقارنة بالولايات المتحدة.
- الاتصالات المكثفة بين ماكرون وقيادات الخليج تعكس تحولاً في أدوات التأثير العربي، والدول الخليجية لم تعد تكتفي بردود الفعل، بل باتت تصوغ مواقف أوروبية، والملف الفلسطيني مثال واضح على ذلك.
- إعلان ماكرون عن إمكانية الاعتراف بدولة فلسطين خلال مؤتمر ترعاه باريس والرياض، يؤكد أن فرنسا لا تتحرك بمفردها، بل تسعى إلى تشكيل تكتل دولي داعم لحل الدولتين.
أول دولة قوية
وإذا أقدمت فرنسا على هذه الخطوة، فإنها ستكون أول دولة غربية تتمتع بالثقل السياسي والدبلوماسي تقوم بذلك، وهي قادرة على التأثير على دول أخرى أوروبية أو غير أوروبية، لكنها ستجد بالطبع "إسرائيل" والولايات المتحدة في وجهها، إضافة إلى وضع ميداني صعب في الضفة الغربية أو غزة، مما يجعل قيام الدولة الفلسطينية الموعودة تحدياً استثنائياً.
وفي فبراير الماضي، أصدرت فرنسا بياناً أكدت فيه أنها ستواصل حشد جهودها من أجل تنفيذ حل الدولتين، الذي "يمثل الحل الوحيد الذي من شأنه ضمان السلام والأمن للإسرائيليين والفلسطينيين في الأجل الطويل".
وأضافت في بيانٍ حينها أنه "لا يجب أن يندرج مستقبل قطاع غزة في إمكانية سيطرة دولة أخرى عليه بل في إطار دولة فلسطينية مستقبلية، برعاية السلطة الفلسطينية".
وهذا المسار يتفق مع ما تطرحه الدول الخليجية، التي تشدد دائماً على "أهمية توحيد قطاع غزة مع الضفة الغربية تحت مظلة السلطة الوطنية الفلسطينية، ودعم السلطة في تولي جميع مسؤولياتها في قطاع غزة، وضمان قدرتها على القيام بدورها بفعالية في إدارة كل من غزة والضفة الغربية".
كما يتفق مع ما طرحته المبادرة العربية للسلام والتي طرحتها السعودية وتؤكدها وترفض أي تطبيع دون تحقيق ذلك، والتي تنص على "قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية".