علي سعد الموسى- الوطن السعودية-
احتاجت فرنسا إلى مساحة نهار قصير قبل أن يظهر المدعي العام الفرنسي كي يكشف للفرنسيين وللعالم هوية أحد منفذي إرهاب باريس. جاء الكشف مطابقاً لكل التوقعات ومتماهياً مع آراء عشرات محللي نشرات الأخبار: شاب فرنسي من أبناء الجيل الرابع للجذر العربي المهاجر إلى فرنسا. نسخة جديدة من السابق "محمد مراح" وأيضاً ذات "الكربون" من منفذي هجمات مترو لندن. مشكلة أوروبا الغربية مع هؤلاء ليست في الأساس مشكلة إسلام أو مسلمين، بل هي قصة هجرة ومهاجرين. هي معضلة أحفاد المهاجرين الأوائل من شتى المستعمرات الأوروبية. وبعد أجيال من "التوليد" وجد هؤلاء أنفسهم في أزمة عقلية وذهنية لا تتحمل طبيعة التنافسية الشرسة على التعليم وفرص الإبداع والمستقبل والوظيفة مع أبناء المجتمع المستقبل الحاضن. وبلغة أكثر وضوحاً ومباشرة: اكتشفت هذه الأجيال الجديدة من أحفاد المهاجرين أنها ضحية الفوارق في التركيبة الفسيولوجية الصرفة ما بين عقلين. هذا بالضبط ما تعانيه بريطانيا مع أبناء الجيلين الرابع والخامس القادمين في الجذور من مستعمراتها السابقة في شبه الجزيرة الهندية، وهو أيضاً ما تواجهه فرنسا مع ذات الأجيال الجديدة من صلب المهاجرين إليها من ذات مستعمراتها في الخريطة المغاربية العربية. نحن نرمي بالتهم على معامل الإندماج والهوية ولكننا نغفل طبيعة وتركيب "العقل" الذي جعل الآلاف، بل الملايين من هؤلاء خارج حلبة المنافسة على العمل والتعليم والمستقبل مع "العقل" الحاضن الذي لا أتردد أبداً إن قلت إنه أكثر "تطوراً" في التركيبة التشريحية الفسيولوجية الخالصة. وحين وجدت هذه الأجيال أنفسها على الهامش، انكفأت، إلى ثقافة "الكانتون" المغلق بكل أراضي الكانتون الاجتماعية والثقافية. استسلمت بريطانيا لحقائق المدن "الهندية" الخالصة على أديم خريطتها ولتركيبة أحياء "الجنوب" المقفلة على أبناء مستعمراتها السابقة في جنوب وشرق مدنها العشر الجوهرية. أما فرنسا فقد رسمت كانتوناتها المغاربية الخالصة في ما يعرف بضواحي المدن الفرنسية. تحولت بريطانيا وفرنسا إلى مدن منقسمة بين عالمين متباعدين تستطيع فيها السفر من لندن إلى بومباي أو كراتشي أو من باريس إلى وهران في أقل من عشر دقائق، ولكنه سفر طويل جداً في الفوارق ما بين العالم الأول إلى العالم الثالث في مساحة مدنية أوروبية واحدة. وفي الخلاصة أن أوروبا وبريطانيا وفرنسا حاولت طرح الحلول عبر تراتيل الاندماج والتعايش، وستكتشف أنها وصفة علاجية خاطئة، المشكلة تكمن في البعد الفسيولوجي ما بين عقلين. لا يمكن لسيارة المرسيدس أن تسير مع "التاتا" في موكب واحد.