مي خلف - الخليج أونلاين-
دعوة الدوحة لعقد اجتماع يجمع بين الدول المنتجة للنفط في العالم، من داخل منظمة الأوبك وخارجها، في منتصف أبريل/ نيسان 2016 والذي ستكون روسيا جزءاً منه؛ يطرح تساؤلاً حول وجود علاقة بين الانسحاب الروسي من سوريا وبين قرار منظمة الأوبك سابقاً بتجميد إنتاج النفط بدلاً من خفضه، والجهود الحالية المبذولة للتوصل لاتفاق حول سياسة نفطية تنفع الجميع وتحل الأزمة.
وهنا يطرح السؤال حول ما إذا كان الانسحاب الروسي من سوريا جاء نتيجة للتوصل لتفاهم أولي مع السعودية يقضي بخفض الإنتاج ومن ثم ارتفاع أسعار النفط، أم أنها كانت مفاجأة حقيقية من بوتين كما صوّرها الإعلام؟ هذا ما ستوضحه نتائج الاجتماع المنتظر.
وفي هذا السياق يذكر أن توقيت إعلان الانسحاب الروسي الجزئي من سوريا جاء بعد أسابيع من دعوة روسيا الرسمية لاجتماع يجمع الدول المنتجة بما فيها الأوبك مع الحكومة الروسية في موسكو في 20 مارس/ آذار القريب، إلا أن منظمة الأوبك لم تؤكد حضورها، الاجتماع وأعربت عن أنه من المفضل عقده وسط أبريل/ نيسان في مكان آخر، وهو ما اتضح فيما بعد عند دعوة الدوحة لعقد الاجتماع.
إلى جانب ذلك، جاء الانسحاب بعد أسابيع من انعقاد الاجتماع الأول في الدوحة، الذي تم فيه التوصل لقرار يقضي بتجميد الإنتاج النفطي والعمل على اتخاذ خطوات إضافية لحث الدول المنتجة على تطبيق القرار، إلى جانب إيجاد آلية لتصفية تخمة المعروض بالأسواق العالمية.
وعليه، بالنظر إلى توقيت انسحاب روسيا من سوريا، الذي جاء في ظل الجهود الدولية لحل أزمة النفط، قد يعني وجود احتمال بأن من مجمل أهداف التدخل الروسي في سوريا هو استخدام التدخل كورقة ضغط أمام المملكة العربية السعودية التي تتحكم من خلال منظمة الأوبك بأسعار النفط وكمية إنتاجه. أو أن النفط وأسعاره كان ورقة ضغط خليجية أو دولية حثّت روسيا على وضع حد لوجودها الفعلي في سوريا.
وهنا وجب التوضيح أن الانخفاض الحاد في الأسعار الذي شهده سوق النفط العالمي في العام الأخير ساهمت فيه عدة عوامل متعلقة بعدم الاستقرار في الشرق الأوسط وظهور وتطور قطاع النفط الصخري في عدة دول أبرزها الولايات المتحدة إلى جانب سيطرة تنظيمات مثل تنظيم "الدولة" على عدد من الموارد النفطية في مناطق سيطرتها، في سوريا خاصة. هذا إلى جانب توّجه عدة دول نحو مصادر الطاقة البديلة لاعتبارات بيئية ومناخية، والحراك العالمي العام تجاه تقليل تعلق إنتاجهم بمصادر النفط التقليدية.
بمواجهة انخفاض الأسعار كانت روسيا تتوقع أو تأمل أن تتخذ منظمة الأوبك وعلى رأسها السعودية قراراً بخفض الإنتاج اليومي من أجل رفع الأسعار، إلا أن المملكة قررت الحفاظ على كمية الإنتاج تجنباً لخسارة حصّتها الكبيرة في سوق النفط ودخول منافسين جدد مثل البرازيل وفنزويلا وروسيا. وعليه، كان هذا القرار هو الأشد إيذاء للاقتصاد الروسي في العام الأخير، والذي عصفت به أصلاً أزمة اقتصادية جادة أدت لانهيار العملة الروسية.
وبقرار التدخل في سوريا ازداد العبء الاقتصادي على روسيا وازدادت الحاجة لتنشيط قطاع النفط والتوصل لتفاهم مع المملكة العربية السعودية تؤدي إلى رفع الأسعار وعودة روسيا للسوق النفطي. بالمقابل، تضارب التدخل العسكري الروسي في سوريا مع مصالح المملكة الاستراتيجية والسياسية، فأدى إلى تقوية نظام الأسد وتعزيز دور "حزب الله" المصنف كتنظيم إرهابي في السعودية. وعليه، يمكن افتراض أن حاجة مشتركة تولدت لدى كل من روسيا والمملكة للتوصل لاتفاق اقتصادي يحل أزمة روسيا، مقابل خطوة سياسية جذرية -كالانسحاب-لتستعيد المملكة تأثيرها ودورها في الحل النهائي للأزمة السورية.
- هل التقت مصالح السعودية وروسيا ضد إيران؟
على الرغم من الاختلاف الأيديولوجي بين البلدين والخلاف حول السياسة النفطية، تلتقي المصالح السعودية-الروسية في عدة مجالات منها اقتصادية في مجال الاستثمار المتبادل، وآخر سياسي فرضه في الغالب اتفاق النووي المبرم حديثاً بين إيران والدول العظمى والولايات المتحدة.
وهنا يذكر أن رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران يعيدها للمشاركة في سوق النفط بشكل تدريجي بواقع مليون برميل إيراني يومياً، مما يضر بمصالح المملكة وروسيا في هذا المجال ويأخذ من حصتها السوقية. هذا إلى جانب النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة والذي لا يلاقي إعجاب روسيا التي تسعى لتفرض نفسها من جديد كقوة إقليمية ودولية مؤثرة. وعليه ليس من المستبعد أن يكون التخوف من تعاظم الدور الإيراني في المنطقة وفي سوق الطاقة العالمي نقطة مشتركة التقت فيها المصالح السعودية والروسية.
وفي هذا السياق يذكر أن اتفاق النووي وتداعياته خلقت فرصة لتعاون روسيا والسعودية لوضع حد للطموحات الإيرانية في سوق النفط، فإذا اتفق الطرفان على تحديد الإنتاج الذي يضمن ارتفاع سعر البرميل إلى 100 دولار، سيكون ذلك مربحاً لروسيا وللسعودية إلا أنه لن يكون كافياً ليجعل إيران تدخل كمنافسة في السوق في الوقت القريب، إذ إن تكلفة إنتاج برميل النفط الواحد في إيران تفوق الـ 100 دولار.
من ناحية أخرى سيؤدي ارتفاع سعر البرميل إلى 100 دولار لإنعاش شركات النفط الصخري الأمريكي مجدداً ودخولها في سوق التنافس مرة أخرى، مما قد يساهم تدريجياً في انخفاض الأسعار. بالطبع، إيجاد معادلة تضمن المصالح الاقتصادية والسياسية لكل من السعودية وروسيا ليست بسيطة، إلا أن الضرورة قد تدفع الطرفين للتوصل لنتيجة تحقق مكاسب مشتركة، وهذا ما يرتقب حدوثه الاجتماع المقبل.