راصد الخليج- ناشيونال انترست-نيكولاي باخوموف
اليوم، الشرق الأوسط هو واحد من ثلاث مناطق ستحدد السياسة العالمية لسنوات قادمة. في حين أن أوروبا تعاني من مشاكل في اتحادها ، وشرق آسيا مع الجيش الصيني وطموحاته سيكون لها تأثير تدريجي طال أمده في العلاقات الدولية والشرق الأوسط الذي هو ساحة للعنف والدبلوماسية المتطورة والتدفق المتواصل من الأحداث ذات الأهمية العالمية . اللاعبون الإقليميون عمدوا لإعداد تحركاتهم، في أي لحظة يمكن أن تتغير تماما الصورة الاستراتيجية. يتم الآن إنشاء واحدة من الآليات الأكثر صعوبة في اللحظة الراهنة عن طريق العلاقة بين روسيا والمملكة العربية السعودية، ومثل هذه المواجهة قد تؤثر تأثيرا كبيرا على عدة مجالات في العلاقات الدولية.
التوترات الحالية بين موسكو والرياض في أبعادها الرئيسية تتعلق بالمواقف المختلفة بينهما اولا بسبب الطاقة العالمية، وثانيا، على مكافحة الإرهاب. وكلا البعدين لديهما العوامل التي تمنع الفهم الكامل حول الاختلافات.
أصبحت أوبك عامل تشتيت في مناقشات الطاقة العالمية. وتشير الغالبية العظمى من التحليلات أن أوضح مظهر من مظاهر الخلافات الحالية بين روسيا والمملكة العربية السعودية هو كيفية إدارة أسواق النفط العالمية وانهيار محادثات نيسان أبريل في الدوحة. ووفقا لهذا المنطق، روسيا حريصة على تنسيق تجميد إنتاج النفط مع أوبك. لكن المملكة العربية السعودية ليست مهتمة، وأوبك لا تستطيع أن تتصرف بسبب التنافس بين السعودية وإيران. إن الفجوة بين نهج موسكو والرياض حول سوق النفط العالمية أعمق من مجرد محادثات أوبك المشلولة.
ان التحليل الشامل لسياسة روسيا في مجال الطاقة، وخاصة موقفها بشأن أمن الطاقة العالمي، يقدم وجهة نظر نحن بامس الحاجة اليها الآن.
في الواقع، تشعر روسيا بحسن سير أسواق الطاقة العالمية، بما في ذلك أسواق النفط، وأمن الإمدادات، وكذلك أمن الطلب. لكن في وثائق روسية رسمية، يمكن للمرء أن يجد مقاربة متقدمة لأمن الطاقة العالمي، والذي يتضمن في الأساس ان مصالح روسيا في إطار العلاقات الدولية للطاقة مستقرة.
وفي الوقت نفسه، تبدو المملكة العربية السعودية حاليا أكثر قلقا مع تحسين مركزها في السوق، في حين أن تنفيذ ما يسمى الرؤية السعودية عام 2030، تهدف إلى الابتعاد عن "الإدمان على النفط".
في هذا الصدد، فإن أوبك التي هي بالكاد على قيد الحياة، هي المكان الذي تتكشف فيه صراع الرؤى بين روسيا والمملكة العربية السعودية. تختلط عناصر أمن الطاقة مع سياسة الطاقة في اطار الامن القومي الروسي مع إمكانية إضافية كبيرة لنقل الطاقة. كونها تعتمد على أسواق الطاقة العالمية للتنمية الاقتصادية. فقد أنفقت موسكو في العقد الماضي على تعزيز الحوار بين منتجي الطاقة ومستهلكيها، وكذلك بين المنتجين، بهدف تحسين وظائف أسواق الطاقة العالمية. منتدى الدول المصدرة للغاز، وهي مبادرة معظمها روسية، برزت خلال هذا العقد كمثال على منظمة الطاقة الدولية الناجحة التي تختلف جوهريا عن أوبك. في حين تم إنشاء أوبك كارتل، ودفع مصالح المصدرين ضد هؤلاء المستوردين. ان المنتدى هو تنظيم صناعة محددة تهدف إلى تحسين كفاءة إنتاج الغاز العالمي من خلال الحوار بين المهنيين. فمن الصعب جدا القول بأن مثل هذا التحسن في الكفاءة هو ضار بمصالح المستهلكين.
الرياض اختارت مسار مختلف في أوبك، فعلى مدى عقود في صناعة النفط السعودية، ، تواصل المملكة العربية السعودية ضخ مزيد من النفط من أجل سحق جميع منافسيها. على حد تعبير ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لبلومبرغ بيزنس ويك ، وانه لا يهتم إذا ارتفعت أسعار النفط أو انخفضت. إذا كانت ترتفع، وهذا يعني المزيد من المال للاستثمارات غير النفطية، كما يقول إذا انخفضت ، فالمملكة العربية السعودية كمنتج، هي الأقل تكلفة في العالم، ويمكن التوسع في السوق الآسيوية المتنامية. هذا الأمير يحاول التنصل أساسا من عقيدة النفط السعودية كقائد لأوبك.
الرهان السعودي كبير ومع ذلك، فإنه من الأهمية بمكان ألا ننسى أن الأمير محمد بن سلمان لديه الحرية في اتخاذ أي قرار يريده، ولكن من الصعب عدم ملاحظة ان بعض أساسيات الرؤية العربية السعودية عام 2030 محفوفة بالمخاطر. فهناك أسئلة كثيرة منها : هل المملكة لديها ما يكفي من المال، حتى بعد الخصخصة الجزئية لشركة أرامكو، لدفع جميع فواتيرها، والتي سوف تزيد بشكل كبير مع تكاليف الانتقال؟
هل أربعة عشر عاما، حتى عام 2030، ستكون كافية لإعداد القوى العاملة لاقتصاد جديد، من المفترض انه سيكون خاليا من الإدمان على النفط، وتغيير عقلية الشعب السعودي، بما في ذلك العديد من أعضاء العائلة المالكة؟
هل تسمح الأطر الاجتماعية والثقافية والدينية السعودية لهذه الإصلاحات؟
ولي ولي العهد الأمير محمد يحب أن يقارن نفسه بستيف جوبز ومارك زوكربيرج وبيل جيتس. ولكن أيا منهم لم يحقق نجاحه في المملكة العربية السعودية، حيث لا يسمح للمرأة هناك بقيادة السيارة، ناهيك عن قضايا أخرى أكثر تعقيدا إلى حد كبير.
دور الإسلام في المملكة العربية السعودية هو المهم أيضا وأن نفهم البعد الثاني في الخلافات بين روسيا والسعودية. فإذا كانت أوبك ادت الى اختلافات جوهرية بين سياسة الطاقة الروسية والسعودية ، فان الأزمة السورية لها نفس النوع في تكبير الفجوة بين المناهج في مكافحة الإرهاب بين موسكو والرياض. القول بأن روسيا تحمي "رجلها في سوريا" بشار الأسد، في حين أن المملكة العربية السعودية تدعم نضال المعارضة من أجل الحرية، هو قول يمثل تبسيطا مضللا.
لنبدأ مع ما هو واضح: لا بد من التأكيد على أن من بين العديد من الجماعات التي تقاتل ضد نظام الأسد، ومنها الإسلامية وهي الأقوى، هي الدولة الإسلامية الأكثر سيئة للسمعة. ومع ذلك، في حين أصبح داعش العدو الاول في العالم بعد النجاحات الأولية في العراق وسوريا، هناك تشكيلات إسلامية أخرى في سوريا يمكن أن تتنافس مع داعش من حيث الحماس الديني والوحشية. السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت هذه الجماعات سوف تتوقف عن القتال إذا انتصروا في سوريا. أم أنها مجرد مسألة "منافسة" بين الإرهابيين بين داعش وغيرها؟
والشيء الثاني الذي ينبغي النظر فيه هو حول تحليل الاختلافات بين نهج موسكو في مكافحة الارهاب ونهج الرياض، والحقيقة أن الدعم السعودي للجماعات الجهادية في سوريا الذي كان سرا لبعض الوقت قد انكشف اليوم، حتى يبدو وكأن المملكة العربية السعودية وتركيا، وفقا لبعض التقديرات، تحاول تعزيز «الوحدة الجهادية» في سوريا في هيكلية قيادية موحدة تحت اسم جيش الفاتح (جيش الفتح) وليس من قبيل الصدفة، ان دعا زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري أيضا لهذا النوع من التوحيد.
وأخيرا وليس آخرا، هناك عامل آخر يجب النظر فيه ويتعلق بتحليل الاختلافات الروسية والسعودية في القتال ضد الجماعات الإرهابية، وهو أن الفرع الوهابي من الإسلام هو المهيمن في المملكة العربية السعودية، وقد تعاون الدعاة الوهابيين مع الجماعات الإرهابية في روسيا في شمال القوقاز، وخصوصا في داغستان. هذه الحقائق تساعد على فهم لماذا تشعر موسكو بعدم الارتياح إزاء الدعم السعودي للجماعات المتطرفة المختلفة مع ما يجري في سوريا.
على نحو مماثل لمعالجة مشاكل الطاقة العالمية، روسيا تقدم مقاربة دولية واسعة للتعامل مع الجهاديين في سوريا وغيرها. فعلى سبيل المثال، فإن رسويا تحث الولايات المتحدة على شن ضربات مشتركة في سوريا ضد جبهة النصرة. حتى الآن ترفض واشنطن للتعاون، على الرغم من أن جيهة النصرة صنفت كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة منذ عام 2012، ويذكر أن القوات الأميركية تجري هجماتها ضد الجماعة.
المملكة العربية السعودية، والتي يفترض انها شريك الأمريكي ، صنفت ايضا جبهة النصرة على أنها جماعة إرهابية في عام 2014. ومع ذلك، فان النصرة، وغالبا ما تسمى "تنظيم القاعدة في سوريا،" هي جزء من جيش الفتح. العلاقات السعودية مع القوات الجهادية تسبب بدق ناقوس الخطر بالنسبة للعديد من المراقبين الدوليين وتساهم في تنامي الشكوك الروسية تجاه السياسات السعودية. ومن الواضح أن البلدين يختلفان حول ما يشكل بشكل جذري خطر اسلامويا.
مع تزايد المخاوف في جميع أنحاء العالم، حول أمن الطاقة العالمي والإسلام المتطرف على حد سواء ، المناهج المختلفة بين روسيا والمملكة العربية السعودية حول هذه القضايا، فان لهذا الاختلاف صدى يتجاوز العلاقات الثنائية. فعلى الرغم من أن البلدين لا يزالان يتجنبان المواجهة المباشرة والخطاب العدائي، وان لكل طرف أهداف تتعارض في أسواق الطاقة والسياسة في الشرق الأوسط. فمن الواضح انه سوف تظهر في المستقبل كيف يمكن لهذه الخلافات ان تؤثر في العلاقات الدولية.