في تغريدة للصديق الحميم الدكتور عبدالسلام الوايل كتب: «تطفح خطاباتنا بعداء الغرب، ميل تلقائي لهذا العداء، ما نعيشه يبين أن العدو الحقيقي هو روسيا. خطيئة الغرب تنحصر في دعم إسرائيل واللامبالاة». انتهت التغريدة وسرعان ما تفاعل معه الدكتور توفيق السيف بهذه التغريدة: «كراهية الغرب ليس سببها أفعال الغرب، بل لأنه الغالب والنقيض الواقعي لحالنا تقدم – تخلف، سيطرة – تبعية، غنى – فقر، إنه رمز لتوتر هوياتي»، بعدها عقّب الوايل: «بالتالي أفعال أوروبا في الـ15 سنة الأخيرة بالذات لا توجد مسوغاً للكراهية، لكن اللعنات منصبة على الغرب».
بالنسبة للوايل فأنا أتفق معه أن خطاباتنا تطفح بعداء الغرب، (طبعاً سياسة الغرب الخارجية للدقة، وبيت القصيد أميركا)، لكنني أختلف معه قطعاً في أن عدونا الحقيقي هو روسيا، وأن خطيئة الغرب تنحصر في دعم العدو المحتل واللامبالاة، والأسباب كثيرة، ومنها أنه ومنذ العام 1991 الذي تفكك فيه الاتحاد السوفياتي انتفى ما يوصف بـ«القوتين الأعظم» في العالم، فلم يعد هناك إلا قوة واحدة فقط، وأصبحت روسيا كأي دولة أخرى متقدمة عسكرياً، إلا أن أفعالها «رد فعل» وليس فعلاً. أميركا كانت ولا زالت «فعلاً».
لماذا روسيا عدونا الحقيقي؟ من المؤكد أن عبدالسلام يقصد التدخل في سورية، فلا أرى سبباً غير ذلك، وبصراحة هذا غير كافٍ لنعتبرها عدواً على اعتبار أن الـ«نا» يقصد بها العرب فهناك تدخل من إيران وتركيا وأميركا وإنما بشكل مختلف، وللتذكير فليبيا الآن تعيش دوامة من العنف فضلاً عن العراق، لكن ما هو القاسم المشترك بين كل هذه الدول؟ أميركا وليست روسيا. ناهيك عن أن روسيا أتت بطلب رسمي من الحكومة السورية بعيداً عن اتفاقنا أو اختلافنا معها. ولا يجب أن نغفل أن أميركا لم تدعم أي طرف بقوة، فبقاء الوضع الفوضوي هناك في مصلحتها ومصلحة العدو المحتل.
عبدالسلام قال: «في الـ15 سنة الأخيرة» وهو يعني منذ 11 أيلول (سبتمبر) 2001، والواقع يقول أن العكس هو الصحيح فأميركا عاثت وتعيث فساداً في المنطقة منذ ذلك التاريخ بشكل أكثر شراسة من قبل، أما بقية دول الغرب فرحم الله حالهم فهم يدورون في فلك أميركا، وإن بدا بعض «نشاز الرتم»، إلا أنه سرعان ما يعود تحت عصا المايسترو الأميركي.
تفسير الدكتور السيف تبسيط للمسألة، ولكنه ينطبق على خلاف في داخل كل مجتمع ينخر بصراعات طبقية، ولا علاقة له بدولة تعتمد سياستها الخارجية على قوتها الضاربة وبتعسف، والتاريخ عموماً يزخر بالدول الاستعمارية التي تخلِّف إرثاً من الكراهية بعدما تدمر مستعمراتها، والفارق بين أميركا وغيرها أنها تعتبر معاصرة ولا زالت. ويبدو أن السيف قد نسي أن اليابان دولة غنية جداً ولم نر ذلك الكره، وأن الصين والهند دول متقدمة عسكرياً وعلمياً وعلاقتها بالشعوب الأخرى محايدة، بل إن ألمانيا مثلاً وهي دولة غربية قحة تتجه شيئاً فشيئاً إلى علاقة أشبه بالتسامح والاعتذار بعد كوارث الحرب العالمية الثانية، والسبب أنها توقفت مكرهة كانت أو بطلة عن ممارسة دور الجلاد الاستعماري. السيطرة والتبعية هي أساساً نتيجة للتدخل وبالتالي ينبع الكره.
المؤكد أن الكثير من العرب يكرهون أميركا لأسباب أخرى، كونها ليست بلداً إسلامياً مثلاً، أو جزء منها، ولكنها بهذا تشترك مع دول أخرى كثيرة، إنما تفردها بالكره المطلق سببه أنها تتدخل في كل ما يدور في العالم وبشكل لا تقبله الشعوب الأبية.
ربما يتساءل القارئ وما هو سبب الكره؟ وأين التدخلات عربياً؟ هناك مقالة مميزة للدكتور عبدالعزيز بن عثمان بن صقر عنوانها: «الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط ثوابت ومتغيرات»، ذكر فيها أن هناك تدخلاً من أميركا، سواءً أكان مباشراً مثل العراق وسورية وليبيا أم غير مباشر مثل مصر وتونس والسودان، فضلاً عن قواعدها بالخليج هذا عسكرياً. اقتصادياً، ضغوطاتها على أسعار النفط الذي يضر بالأساس روسيا، لكنه بالمقابل يضر دولاً كثيرة منها دول عربية، ويجعلها لا تستطيع الخروج من شرنقته. أما الكارثة الأكثر خطورة فهي زرع الانقسامات الطائفية التي بزغت فجأة وبشراسة بعد الاحتلال للعراق 2003م. وحتى الأحزاب العسكرية التي لا تخضع لسلطات الأنظمة الحاكمة في بلدانها العربية تنظر لها أميركا بعين الرضا، بل وتسلح بعضها سراً، كما أنها تحطم الزعامات القوية أو الجيوش القوية العربية، وكله في مصلحة أميركا بشكل أساس ثم مصلحة عدونا المحتل.
أحمد الحناكي- الحياة السعودية-