على إثر معاناتهما من التقلص الكبير في مدخولات النفط وعجز الميزانية الناتج عن انهيار أسعار النفط منذ عام 2014، قررت السعودية وروسيا التعاون لجلب الاستقرار لسوق النفط. ونحن نتساءل عن ماهية هذا التعاون ومعناه الفعلي، وهل سيصل إلى تجميد مستويات الإنتاج أم تقليصها أو تكثيفها عن الوضع الراهن. يبقى أن ننتظر ونرى. وربما تعتمد نتائج هذا التعاون على تقييم كل طرف لنوايا الطرف الآخر ومصداقية التزام كل طرف بالاتفاقات بينهما.
وجاء التوقيع على مذكرة التفاهم بين السعودية وروسيا على هامش قمة مجموعة العشرين بالصين، للتعاون فيما يخص العمل على استقرار أسواق النفط، ليطرح العديد من التوقعات والتكهنات حول الآثار المترتبة على هذا الاتفاق وتأثيره على أسعار النفط. وفيما أمل بعض مسؤولي وخبراء الصناعة أن يؤدي هذا الاتفاق والتعاون إلى انعاش أسعار النفط من جديد، شكك البعض الآخر في فاعلية هذا التعاون أو إمكانية الحفاظ عليه.
وعلى الرغم من تخوف المتشككين، فهناك شيء واحد في غاية الوضوح: توسع روسيا في سوق النفط الصينية، ودورها المتعاظم في سوريا، وخوف السعودية من فقدان حصتها من سوق النفط العالمية لصالح إيران وروسيا، وتراجع سيطرتها على سياسات الشرق الأوسط، فضلًا عن تداعيات هبوط أسعار النفط على اقتصاديات الدول المصدرة للنفط، كل ذلك يدعو كلا الطرفين للجلوس على مائدة المفاوضات.
وكان هبوط أسعار النفط، بالإضافة إلى العقوبات التي وقعتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا قد أضرت بالاقتصاد الروسي خلال السنوات القليلة الماضية.
ووفقًا للخزانة الاتحادية، فقد بلغ عجز الميزانية الاتحادية لروسيا ما يقارب 1.5 تريليون روبل (23.2 مليار دولار) فقط في الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى يوليو/ تموز هذا العام، وهي القيمة التي تمثل 35.4% ارتفاعًا في العجز عن نفس الفترة من العام الماضي، وفقًا لتقرير وكالة تاس للأنباء.
وقد قامت وزارة المالية الروسية بعمل ثلاث تحويلات هذا العام من صندوق احتياطي النقد بلغ مجموعها 1.17 روبل (18.05 مليار دولار) لتغطية عجز الموازنة الروسية. ووفقًا للوزارة، فقد انخفض احتياطي النقد الأجنبي في أغسطس/ آب ليصل إلى 32.22 مليار دولار.
وفي وقت سابق في يوليو/ تموز، صرح «سيرجي ستورتشاك»، نائب وزير المالية بعدم علمه إذا ما كان صندوق احتياطي النقد الأجنبي سينضب في عام 2017 أم لا، وتحدث عن اتخاذ تدابير وقرارات على مستويات رسمية عديدة لتلافي الكارثة، وأن الوضع «يشبه حقل الألغام».
وبالنسبة للسعودية، فقد بلغت عجزًا قياسيًا في الموازنة، بفعل انخفاض أسعار النفط، الذي بلغ 98 مليار دولار العام الفائت. وبلغ دخل المملكة 162 مليار دولار في عام 2015، فيما بلغت نفقاتها في نفس العام 260 مليار دولار. وانخفض الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 13%، وانخفض صافي الأصول الأجنبية بقيمة 115 مليار دولار، حيث سعت الحكومة لتغطية عجز موازنة بلغ 100 مليار دولار.
ووفقًا لبيانات وكالة فيتش، فإن عجز الموازنة في المملكة سيظل مرتفعًا على الأقل حتى 2018. وسيصل الدين الحكومي إلى 14.7% من إجمالي الناتج المحلي بنهاية عام 2016، بعد أن كان 1.6% فقط عام 2014.
ومع ذلك، ورغم الميزانيات المتضررة والشلل الذي أصاب الاقتصاد المحلي في البلدين، تسعى السعودية وروسيا إلى إيجاد سبل لتحسين الأوضاع وتنويع قاعدة الأصول ومصادر الدخل.
وعلى الرغم من تعرضها للضرر بفل انهيار أسعار النفط، إلا أن السعودية لازالت تملك موجودات أجنبية بالخارج، حيث قدرت البنوك الدولية في مارس/ أذار، صافي ممتلكات السعودية من الأصول الأجنبية بما يقارب 600 مليار دولار، كما ذكرت رويترز.
وتعمل كلًا من روسيا والسعودية على تنفيذ مبيعات تقدر بمليارات الدولارات من أصول الطاقة. ونضرب مثالين هامين بالخصخصة الجزئية لشرطتي روزنفت وأرامكو.
وعلى الرغم من أن خطط تحقيق رأس مال أكبر من الاستثمار وبيع أسهم أكبر المؤسسات درًّا للدخل هي خطوات هامة، إلا أن ذلك لا يقدم حلًا لكيفية تعظيم عائدات النفط وعدم خسارة حصة الدولة من سوق النفط العالمية وسط انخفاض الأسعار. ونعود للتساؤل مرة أخرى، أي الإجراءات ستكون هي الصحيحة: تكثيف أو تقليص أو تجميد مستويات الإنتاج، أو ترك كل شيء كما هو؟
تقع معظم احتياطيات السعودية من النفط في التكوينات الأرضية القريبة من السطح، ولا تتطلب جهودًا كبيرة في استخراجها. وكذا فإن شركة أرامكو السعودية المملوكة للدولة لا تضطر لدفع امتيازات التنقيب، ولا تتكلف إلا القليل في عملية التنقيب. ويتم تطبيق كافة تكاليفها من الاستكشاف والتجهيز والنقل والتكرير على الشركة بأكملها، ولا توجد مراكز تكلفة منفصلة في دورة العمل.
أما في روسيا فالوضع مختلف تمامًا. تقع معظم احتياطيات روسيا من النفط أسفل سهول سيبيريا الشاسعة، بالإضافة إلى المناخ الروسي القاسي والجيولوجيا الصعبة، ما يصعب من الحصول على النفط، ويعقد من عملية التنقيب. كما لا يمكن لروسيا إيقاف ضخ النفط من الآبار لأنها ستتجمد في هذه الحالة، كما لا يمكنها رفع أو تخفيض مستويات الإنتاج وقتما تشاء، بينما تستطيع السعودية ذلك. أخدت الحقول الروسية في الماضي فعليًا 30 إلى 40 عامًا لتصل إلى ذروة الإنتاج، على الرغم من أن هذه الدورة قد تم تقليصها الآن بغعل التكنولوجيا المتقدمة.
وبسبب هذا التعقيد في روسيا، فإن مستويات إنتاج أقل مع أسعار أعلى للنفط، لن تحقق بالضرورة أرباحًا أكبر لشركات النفط الروسية. ويتطلب نظام الضرائب في صناعة النفط الإصلاح منذ وقت طويل. وقد أعلنت كلًا من وزارة الطاقة ووزارة المالية الروسيتين عن خطة مراجعة لنظام الضرائب في بداية هذا العام، لكن الموافقة النهائية عليها لازالت قيد الانتظار.
ومع ذلك، يبدو أن وزارة المالية لن تتعرض لضريبة استخراج المعادن (MET). وقد تم تقديم العديد من الشكاوى ضد هذه الضريبة من منتجي النفط ومن وزارة الطاقة من قبل، لكن ضغطهم لم يتسبب في نتيجة بعد. ووفقًا لصحيفة فيدوموستي الروسية، فإنّ مصدرًا بوزارة المالية قد صرح للإعلام أن ضريبة استخراج المعادن (MET) سوف ترتفع، حيث قال: «سوف تزداد ضريبة (MET)، إنها مسألة وقت فقط قبل أن يخرج الخبر للعلن».
كما ذكرت «فوربس» تصريحًا لمسؤول بوزارة المالية يقول فيه: «من أجل تعويض عجز 40 مليار روبل، سيتم رفع خدمة الضريبة على ودائع النفط».
وفي النهاية، يتوجب على «بوتين» اتخاذ قرار بدعم أي من الطرفين على حساب الآخر، وزارة المالية، أم وزارة الطاقة ومعها شركات النفط.
وبالنظ إلى هذه المعطيات، فإن خفض روسيا لإنتاجها لأي مدى من الوقت، قد لا يكون خيارًا متاحًا لروسيا. ومع رغبة روسيا في الحضور القوي في أسواق النفط الآسيوية وزيادة تدفق النفط الروسي للصين والهند ومزاحمة السعوديين في السوق، ربما يكون عاملًا آخر ضد احتمالية خفض الإنتاج.
ووفقًا للسلطات الروسية، فقد حققت إنتاجًا قياسيًا لم تصل له منذ 25 عامًا بلغ 11 مليون برميل يوميًا أغسطس/ آب الماضي.
ويبدو أن التجميد المؤقت للإنتاج سيكون خيارًا أكثر ملائمة للتفاوض مع السعوديين وباقي أعضاء منظمة أوبك.
وكان وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، قد صرح بعد مقابلة مع مسؤولين سعوديين على هامش قمة العشرين، بأنّ روسيا ترى أن تجميد الإنتاج لفترة من 3 إلى 6 أشهر على مستويات يوليو/ تموز أو أغسطس/ آب أو سبتمبر/ أيلول ربما تكون الأداة المناسبة لجلب الاستقرار لسوق النفط، وهو ما طرحه خلال النقاش. كما ذكر أن الإمارات قد أبدت استعدادًا كبيرًا لدعم التجميد.
ومن جانب السعوديين، كانت الاستجابة لهذا الطرح غامضة إلى حدٍ ما، وظهرت خالية من النية لفعل أي شيء، كما علق وزير النفط السعودي، «خالد الفالح» قائلًا: «لم يكن هناك حاجة لتجميد الإنتاج الآن، وهو فقط واحد من الخيارات المفضلة». وأضاف: «لا نحتاج لحدوث ذلك اليوم، وهناك دائمًا وفقت لاتخاذ مثل هذه القرارات». وكان قد ورد عنه أيضًا في الإعلام أنه يقول أنّ السوق يتحسن يومًا بعد يوم.
ولكن، ما هي الاحتمالات المفضلة الأخرى في ذهن الوزير؟ وكم من الوقت يحتاج لاتخاذ قرار؟ لم يتم الكشف عن هذه النقاط أو غيرها. وهذا لا يعني بالطبع أن السعودية لم تفكر حيال ذلك. وربما يكون هناك خطة للسعوديين لكنهم لا يريدون الإفصاح عنها علنًا في هذا التوقيت.
وربما كان ذلك نوعًا من مبدأ «لننتظر ونشاهد اللعبة». فجميع مصدري النفط سيستفيدون من ارتفاع الأسعار، لكن الجميع أيضًا يمكنهم الاستفادة أكثر بالتوسع في إنتاج النفط بينما يقلص آخر إنتاجه من أجل رفع الأسعار. والسعودية تعي ذلك جيدًا. ولهذا لا تبدو السعودية في عجلة من أمرها لإبرام صفقة لتقليص الإنتاج مع روسيا أو أعضاء أوبك، ولاسيما مع زيادة روسيا لإنتاجها في الفترة الأخيرة، ودفاعها القوي عن عودة مستويات إنتاج إيران للنفط إلى مستويات ما قبل توقيع العقوبات.
ربما يراهن الروس على أن يأتي السعوديون ويقولون شيئًا من قبيل: «حسنًا، نحن موافقون على تجميد الإنتاج»، وحينها تذهب روسيا مباشرة في تطبيق خطتها لرفع الضرائب.
ويبدو أيضًا أن وزارة المالية لا تعتقد اليوم في إمكانية نمو عائدات النفط. حيث صرح نائب وزير المالية الروسي، «مكسيم أورشكين»، أن سيناريو الميزانية الخاص بالوزارة يستند إلى وجود أسعار النفط عند 30 دولار للبرميل.
كيف سيلعب تطبيق (رؤية 2030) السعودية دورًا في هذه الحقيقة، إضافة إلى مقدار القيمة الصافية لشركة أرامكو السعودية في وقت الاكتتاب في عام 2017؟
هل ستتمكن روسيا من رفع إنتاجها من النفط ليصل إلى 12 مليون برميل يوميًا، وبالتالي تنخفض القيمة السوقية لأرامكو، كأداة لمساومة السعودية للموافقة على تجميد مستويات الإنتاج كما ترغب روسيا؟ من المحتمل ذلك، سوف يخبرنا المستقبل بالإجابة. وتبقى الحكمة في الوقت الراهن، أن نأمل في الأفضل، ونستعد للأسوأ.
أويل برايس - ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-