اتسمت العلاقات الخليجية الفرنسية منذ سنوات باستقرار غير مسبوق كان الاقتصاد أحد أعمدته، انطلاقاً من التبادل التجاري المتزايد، وصولاً إلى الصفقات العسكرية الأضخم مع الخليج خلال الفترة الماضية.
وبدأت فرنسا بأداء دور أكبر في المنطقة العربية؛ إذ أولت اهتماماً منذ زمن لتطوير علاقات التعاون مع السعودية والبحرين والكويت وقطر والإمارات وعُمان، في مختلف المجالات بما فيها العلاقات العسكرية.
وفي مايو/أيار الماضي من العام 2015، أصبح الرئيس الفرنسي، فرانسو هولاند، أول زعيم غربي يحضر قمة التعاون الخليجي، بحسب موقع ميدل إيست آي البريطاني، في يحن شهد العام نفسه توقيع عدة صفقات بين دول خليجية وفرنسا؛ منها اتفاق مع الرياض لتوريد سلاح للجيش اللبناني بقيمة 3 مليارات دولار، وصفقة لتجهيز قطر بطائرات رافال المتطورة بقيمة 7 مليارات دولار، بالإضافة إلى توريد طائرات من النوع نفسه لمصر بقيمة 5 مليارات دولار دفعتها الإمارات العربية.
وتشترك فرنسا (سياسياً) في مواقفها وفي ملفات حاسمة مثل إيران وسوريا، مع الخليج في الدعوة إلى اتخاذ إجراءات أكثر حزماً ضد نظام بشار الأسد، كما أنها متوافقة مع التدخل السعودي في اليمن، وكل ما يقود إلى مزيد من الاستقرار الإقليمي.
- المنتدى الخليجي الفرنسي.. طاولة اقتصادية للعلاقة
ويعد المنتدى الاقتصادي الخليجي الفرنسي، تحت رعاية غرفة التجارة العربية الفرنسية، واحداً من أهم أروقة التفاهمات بين الجانبين، والذي عقدت الدورة الثالثة له في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2016، ودعا إلى توثيق العلاقات في عديد من المجالات.
ويصف رئيس الغرفة، الفرنسي فنسنت رينا، أهمية دول مجلس التعاون الخليجي بالنسبة لفرنسا بأنها "تحدد جزءاً كبيراً من التوازن في العالم وفي مجتمعاتنا"، كما يعتبرها تمثل أهمية كبيرة لدول مثل فرنسا حتى في مرحلة ما بعد النفط؛ "بسبب السياسات الاقتصادية التي يجري تنفيذها حالياً في الخليج".
واعتبر أن المنتدى فرصة للشركات الفرنسية والمستثمرين يتعين الاستفادة منها للعمل مع دول الخليج، مشدداً على جاذبية للاستثمار هناك.
وأضاف: إن "دول الخليج اليوم من بين الأكثر تقدماً في العالم في مجال التنظيم المالي"، مشيراً إلى بعض الاختلافات بين وتيرة التغيير في بعض البلدان، لكنه شدد على أن هناك "الكثير من التقدم تم إنجازه".
وفيما يتعلق بخطة التنمية بين عامي 2015-2019، حدد رينا هذه القطاعات بأنها تشمل الطاقة ومعالجة المياه والصحة والنقل والبنية التحتية والأمن.
- تبادل تجاري ضخم ومشاريع قادمة
سجل حجم الصادرات الفرنسية إلى الدول الخليجية تحسناً بنسبة 17% لسنة 2015، وبلغ 18 مليار يورو "مع فائض لمصلحة فرنسا بقيمة تتجاوز أربعة مليارات يورو"، بحسب الغرفة الفرنسية العربية.
وعلى الرغم من تأثر التبادل التجاري الفرنسي الخليجي بتراجع أسعار النفط خلال العام الماضي مقارنة بعام 2014، إلا أن باريس تسعى لتعزيز حضورها في الأسواق الخليجية، ورفع مستوى التعاون في مختلف القطاعات، لا سيما البنى التحتية.
حيث تتوجه الأنظار إلى مشروع بناء شبكة سكك حديدية يتجاوز طولها ألفي كيلومتر، بحسب وكالة الأنباء الكويتية؛ منها 300 كيلومتر تتقاطع مع سكك حديد دول مجلس التعاون، وتقدر تكلفته الإجمالية بزهاء 12 مليار يورو، ويشكل فرصة جيدة للمنشآت الفرنسية في هذا القطاع.
وتفصيلاً ترتفع المبادلات التجارية الثنائية بين الكويت وفرنسا بشكل مستمر حتى وصلت إلى 31% سنوياً في عام 2015، بقيمة 1.7 مليار يورو مقارنة بـ1.3 مليار يورو في 2014؛ ما ساهم في تحويل العجز في الميزان التجاري لعام 2014 الذي سجل 257 مليون يورو، إلى "فائض مريح" بقيمة 510 ملايين يورو.
أما مع السعودية، فعلى الرغم من تراجع التبادل التجاري بينها وبين فرنسا في عام 2015، ليبلغ نحو ثمانية مليارات يورو مقارنة بنحو 12 مليار يورو في 2014، إلا أن المملكة ما تزال الشريك التجاري الأول لفرنسا في الخليج والثاني على مستوى دول الشرق الأوسط.
وتكشف الهيئة العامة للإحصاء السعودية، أن باريس هي "ثامن أهم شريك تجاري" للمملكة لعام 2015، حيث شكلت المبادلات التجارية الثنائية نسبة 2.6% من إجمالي علاقات المملكة مع العالم.
من جهتها، احتلت فرنسا المرتبة الـ10 بين الدول المستوردة من السعودية في عام 2015، حيث بلغت قيمة صادرات المملكة نحو أربعة مليارات يورو، في حين بلغت الواردات الفرنسية نحو خمسة مليارات يورو العام الماضي.
سوق الإمارات استوعبت 30.7% من المبيعات الفرنسية في الخليج العام الماضي، مسجلة تراجعاً سنوياً طفيفاً بلغ 7% مقارنة بـ37.7% عام 2014، في حين بلغت قيمة الصادرات الفرنسية إلى الإمارات 3.8 مليارات يورو في عام 2015، مقابل 1.09 مليار يورو واردات إماراتية في العام ذاته.
وارتفع حجم التبادل التجاري بين قطر وفرنسا إلى 7.5 مليارات ريال في عام 2015، مقارنة بـ4.7 مليارات ريال في عام 2010، وبلغ إجمالي عدد الشركات الفرنسية العاملة في دولة قطر 294 شركة؛ من بينها 66 شركة بملكية فرنسية بنسبة 100%، و228 شركة أقيمت بالشراكة مع الجانب القطري.
ووصل حجم التبادل التجاري بين البحرين وفرنسا لعام 2015 نحو 240 مليون يورو، بعدما كان يقدر بحدود 180 مليون يورو في 2012، في حين يتصدر النفط المكرر والألمنيوم معظم الصادرات البحرينية إلى فرنسا.
وتأتي العلاقات التجارية بين سلطنة عمان وفرنسا، الأقل خليجياً، فلم تتجاوز 700 مليون يورو سنوياً خلال العقد الأخير، رغم ارتفاع حجم المبادلات في عام 2013 إلى 584.5 مليون يورو، إلا أنها استقرت في عام 2015 عند 518 مليون يورو.
وباستثناء الطائرات تبقى الواردات الفرنسية من عمان ضئيلة للغاية، كما تتركز المنشآت الفرنسية في السلطنة في قطاعات الطاقة والمياه والبيئة والبنى التحتية.
الخليج اونلاين-