تعد مشاركة روسيا المتعمقة في الشرق الأوسط تطورًا إيجابيًا من وجهة نظر دولة الإمارات العربية المتحدة. ويحاول الإماراتيون، مستغلين علاقتهم الفريدة مع الكرملين، حل التحديات الأمنية الإقليمية التي تهدد مصالحهم. والأهم من ذلك، أنّ علاقة الإماراتيين بالكرملين يمكن أن تساعد الإمارات على أن تصبح محورًا هامًا في الجهود الرامية إلى نزع فتيل التوتر بين الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» والرئيس الروسي «فلاديمير بوتين».
وظهرت العلاقة القوية بين الإمارات وروسيا عندما زار الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان»، ولي عهد أبوظبي، «بوتين» في الكرملين في 20 من شهر أبريل/نيسان. وقد ناقش الجانبان الأزمات في الشرق الأوسط، فضلًا عن تعزيز العلاقة الجوهرية بالفعل بين البلدين. وجاءت الزيارة فى وقتٍ رفعت فيه إدارة «ترامب» من مستوى خطابها المناهض لإيران ووصلت فيه العلاقات الأمريكية الروسية إلى أدنى مستوياتها.
وفي روسيا، قال «محمد بن زايد» أنّ قنوات الاتصال بين أبوظبي وموسكو مفتوحةٌ على كافة القضايا الإقليمية والدولية، وعبر عن إمكانية أن تلعب روسيا دورًا بناءً في تحقيق الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط. وفي بيانٍ مشتركٍ صدر في ختام الزيارة، أعلنت كل من الإمارات وروسيا «عزمهما على دراسة شراكة استراتيجية لتعزيز العلاقات الروسية الإماراتية».
ووفقًا للمسؤولين الروس والعرب، ستركز هذه الشراكة الاستراتيجية الناشئة أولًا على اليمن، حيث ترغب الإمارات في الحصول على مساعدة روسيا في تخليص السعودية من حربها ضد المتمردين الحوثيين. وبمساعدة الكرملين، يمكن للتحالف الذي تقوده الرياض تحقيق هذا الهدف بعد عملية سياسية تشمل إجراء انتخاباتٍ رئاسية في اليمن في وقتٍ لاحقٍ من هذا العام.
وليس سرًا أنّ الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي» لا يحظى بشعبية لدى الإمارات. ويرغب الإماراتيون أن يصبح رئيس الوزراء اليمني السابق «محمد باسندوة»، الذي استقال عام 2014 في أعقاب اشتباكات مدمرة بين المتمردين الحوثيين والجيش في صنعاء، ليكون الرئيس المقبل لليمن لأنّه لديه علاقات طيبة مع «علي عبد الله صالح»، الرئيس اليمني الذي أُطيح به في عام 2012. وعلى وجه التحديد، ترى أبو ظبي فائدةً في إبقاء «باسندوة» على مقربة بدلًا من الأشخاص المقربين من جماعة الإخوان المسلمين، لأنّه سيخدم أهداف الإمارات في اليمن.
وبموجب هذه الخطة، سيبقى «صالح»، الذي حضر اجتماع موسكو، وفقًا للدبلوماسيين العرب فى روسيا، في اليمن، ومن المحتمل أن يكون وزيرًا للدفاع فى حكومة «باسندوة». والسؤال إذن، ما هو مصير «علي محسن»، قائد جيش «هادي» وعدو «صالح»؟
الدور الروسي في اليمن
يريد الإماراتيون والسعوديون من روسيا الضغط على إيران لوقف تسليح المتمردين الحوثيين في اليمن.
ومن شأن أي مساعدة روسية تخرج السعودية من مستنقع الحرب في اليمن أن تجلب الكثير من التعزيز للعلاقة بين موسكو والرياض.
وعلى وجه التحديد، ستحصل روسيا على مساحة لرسو سفنها البحرية في عدن. ومن شأن ذلك أن يعطي روسيا رابع «محطة توقف» من قناة السويس في البحر الأبيض المتوسط إلى بحر العرب، والنقاط الأخرى هي الإسكندرية والعقبة والفجيرة.
كما تخطط روسيا لتصبح قوةً بحرية خفيفة وسريعة وحديثة داخل المياه الزرقاء، ويتطلب هذا محطات للصيانة وإصلاح المخازن المهمة للعمليات البحرية الروسية في المستقبل في الشرق الأوسط وما حوله، سواء كان ذلك تقديم المساعدات الإنسانية أو حماية الممرات البحرية الدولية من القراصنة و«الإرهابيين». وبالنظر إلى أنّ الممرات البحرية بالغة الأهمية للتفوق الاقتصادي لشبه الجزيرة العربية، فإنّ هذا النوع من التفكير يغري الإمارات.
كما أنّ السيطرة على ميناء الحديدة الاستراتيجي على البحر الأحمر من يد الحوثيين يمثل أولوية عليا للإمارات وحلفائها في اليمن. وعلى الجانب التشغيلي، قد يتخذ الأمريكيون، وفقًا لقرار إدارة «ترامب» بشأن الحديدة، زمام المبادرة في عملية جوية وبحرية، وذلك على وقع زيارة وزير الدفاع الأمريكي «جيمس ماتيس» إلى المملكة العربية السعودية في شهر أبريل/نيسان. وقد تنطلق القوات البحرية العربية إلى اليمن من جيبوتي التي مر بها قائد البنتاغون في زيارته إلى المنطقة.
وعلى أرض الواقع، سيتم عقد اتفاقات مع الميليشيات المحلية المناهضة للحوثيين ولكن الموالية لـ«صالح» في نفس الوقت، أو هذا ما يعتقد بعد اجتماع ولي ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» مع اتحاد المراد القبلي في 5 أبريل/نيسان.
وفي الوقت نفسه، ستقدم روسيا مساعدات بدعمٍ من الإمارات. وعندما يبدأ جسر المساعدات في التدفق، من المرجح أن تستخدم روسيا الإمارات كمركز تجمعٍ رئيسي لإيصال المساعدات إلى اليمن، فضلًا عن مناطق أخرى من الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. وسيعزز هذا النموذج الناشئ للتعاون بين الإمارات وروسيا في اليمن مكانة الكرملين في المناطق الإقليمية الأخرى أيضًا.
وعمومًا، من المرجح أن تسهل زيارة «محمد بن زايد» إلى موسكو عودة روسيا إلى جنوب اليمن. ويأمل المسؤولون الإماراتيون والروس أن يعزز تعاونهم في الملف اليمني المصالح المتبادلة بين الدولتين فيما يتعلق بالأزمة اليمنية والحب على الإسلاميين في الناحية الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة العربية، وتأمين المياه والممرات الحرجة للتجارة البحرية العالمية. ويعزز وجود شريكٍ استراتيجيٍ مؤثرٍ مثل دولة الإمارات من قدرة روسيا على ترسيخ أقدامها كوسيطٍ للتفاوض لا غنى عنه في الشرق الأوسط، مع الحلفاء والشركاء والأصدقاء الرئيسيين من جميع أطراف جبهات الصدع الجيوسياسية في المنطقة المضطربة.
إنترناشيونال بوليسي دايجست- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-