DW - بالعربية-
تأتي أول زيارة رسمية يقوم بها ملك سعودي لموسكو لتعزيز تقارب سياسي حذر بين روسيا والسعودية، في توجه مَهد له الدور الحاسم الذي لعبه البلدان في وقف انهيار أسعار النفط، ما قد يجعل من الاقتصاد بوابة لتناغم سياسي أكبر.
صَدق رئيس الوزراء البريطاني السابق وينستون تشيرشل حين قال: في السياسة ليست هناك صداقات دائمة أو عداوت دائمة وإنما هناك مصالح دائمة. هذه المقولة تنسحب على الزيارة "التاريخية" التي يقوم بها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى روسيا، في أول زيارة من نوعها، يقوم بها ملك سعودي لموسكو.
ومن المفارقات أن يكون الاتحاد السوفييتي سابقا أول دولة تعترف بالمملكة السعودية عام 1926. ومع ذلك لم يقم أي ملك سعودي بزيارة الاتحاد السوفياتي أو روسيا، غير أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زار السعودية، الحليفة التقليدية لواشنطن، مرة واحدة فقط عام 2007.
زيارة تاريخية بكل المقاييس تؤشر على تحول في العلاقة بين البلدين في قمة استثنائية لعملاقين في قطاع النفط الذي يتحكم في شريان الاقتصاد العالمي. وبهذا الشأن أكد الإعلامي السعودي عبد العزيز الخميس في حوار مع DW أن "التعاون النفطي والاقتصادي أهم من أي ملف آخر في العلاقات السعودية الروسية". وقد لعب البلدان دورا أساسيا في إقناع الدول المنتجة للنفط على العمل بشكل جماعي على استقرار الأسعار العالمية للذهب الأسود، سواء كانت داخل أو خارج منظمة أوبك.
استكشاف سبل التعاون الاقتصادي والعسكري
تأثر البلدان بشدة بتدهور أسعار الذهب الأسود عام 2014، فيما تأتي زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز قبل شهر واحد من اجتماع جديد لمنظمة أوبك التي تعد السعودية كبرى دولها. وبهذا الشأن أكد الملك السعودي، الذي التقي بوتين في الكرملين "إننا حريصون على استمرار التعاون الإيجابي... لتحقيق الاستقرار في الأسواق العالمية للنفط". من جهته، اعتبر بوتين أنه من الممكن تمديد الاتفاق الذي يفترض أن ينتهي في آذار/ مارس، إلى ما بعد 2018.
وفي سياق متصل، أكدت إلينا سوبونينا، مديرة مركز آسيا والشرق الأوسط بمعهد الدراسات الاستراتيجية في موسكو في حوار مع DW أن الاقتصاد هو الطاغي على أجندة زيارة الملك سلمان عبد العزيز. وأكدت الخبيرة الروسية أن الزيارة "تركز بالأساس على مجال الطاقة". وذهب عبد العزيز الخميس في نفس الاتجاه مؤكدا أن "التقارب الأساسي الذي حدث بين الجانبين يتعلق بمحرك اقتصاد البلدين (النفط) أي باتفاق دول منظمة أوبك والدول النفطية المنضوية تحتها بشأن إنتاج النفط بعد انهيار الأسعار".
المفاجأة الأخرى التي حملتها الزيارة تتعلق بتوقيع الرياض اتفاقا أوليا مع موسكو يمهد لشراء أنظمة صواريخ روسية مضادة للطيران من نوع اس-400، إضافة إلى تصنيعها في المملكة. ويذكر أن السعودية تعد زبونا تقليديا للصناعات الحربية الأمريكية والغربية بشكل عام. ولا يزال من السابق لأوانه معرفة أبعاد هذه الخطوة في السياسة العسكرية السعودية.
ملفات سياسية ساخنة
من جهته أكد الخميس أن "أهمية العلاقات السياسية مع موسكو، من وجهة نظر سعودية، تكمن أيضا في الأهمية المتنامية للدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط سواء في سوريا أوفي مناطق أخرى ما يحتم التعاون بين البلدين". وليس سرا أن السياسية الخارجية للرياض تقف على طرفي نقيض من السياسة الخارجية الروسية في عدد من الملفات كسوريا واليمن وإيران. فيما ترى إلينا سوبونينا أن التقارب بين الجانبين ممكن.
واستطردت الخبيرة الروسية موضحة "رغم أن روسيا لم تغر موقفها تجاه سوريا، فإنه يبدو أن السعوديين غيروا من موقفهم وأصبحوا أقرب لموقف موسكو، فهم لم يعودوا يتحدثوا عن ضرورة إزاحة الرئيس الأسد، وهذا يعني أن هناك نقاطا أخرى يمكن الاتفاق عليها". وهذا ما أكده الخميس بقوله "هذه الزيرة ستعمل على تقليص الفجوة بين الرياض وموسكو ومحاولة إيجاد أرضية مشتركة حول الملف السوري الذي سيظل مشتعلا ما دامت هناك قوى إقليمية داعمة لكل طرف".
أما بشأن الملف الإيراني فترى الخبيرة الروسية أن موقف السعودية لا يزال متشددا، مؤكدة أن "روسيا تعتقد أن هذا خطأ، خصوصا وأن موسكو كانت تسعى دائما لتقريب وجهات النظر بين السعودية وإيران". وأضافت أن الطرف السعودي يفهم تماما أنه من الصعب جدا تغيير موقف موسكو تجاه إيران. "أعتقد أن السعوديين مستعدين لترك هذه القضية جانبا ليركزوا على جوانب أخرى، منها التعاون الاقتصادي وحتى التعاون السياسي في بعض الملفات المعينة".
بيد أن الخميس له قراءة أخرى للعلاقات الروسية الإيرانية إذ يعتبر أن "إيران تقف إلى جانب موسكو في سوريا، ولكن لها أجندتها المختلفة عن روسيا. أجندة طهران أجندة عقائدية دينية، على عكس الموقف الروسي في سوريا الذي يعتبر أنه يقاتل الإرهاب".