جوزيف تريفثيك - ذا درايف- ترجمة شادي خليفة -
بعد أن بدأت أول زيارة يقوم بها ملك سعودي إلى موسكو شرع الملك «سلمان بن عبد العزيز» في توسيع العلاقات مع الكرملين، بما في ذلك تقارير حول خطط لشراء صواريخ أرض-جو من طراز «إس- 400» وغيرها من صفقات الأسلحة. وكما هو الحال مع التطورات في مصر والإمارات العربية المتحدة، قد يشير ذلك إلى تحول سياسي من قبل النظام السعودي بعيدا عن حليفه التاريخي، الولايات المتحدة، أو محاولة ممارسة ضغوط سياسية على المسؤولين في واشنطن.
وهبط «سلمان» والوفد المرافق له في روسيا في 4 أكتوبر/تشرين الأول، لبدء أربعة أيام من المحادثات حول مجموعة متنوعة من القضايا الاقتصادية والخارجية. وأصبح واضحا على الفور أن الزيارة ستكون لها آثار واسعة النطاق، سواء من حيث التعاون بين البلدين أو مستقبل السياسة الخارجية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وقال الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في مؤتمر صحفي، عقد يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول: «لقد عقدنا محادثات مفصلة خلف الأبواب المغلقة حول العلاقات الثنائية والوضع في المنطقة. ويمكنني القول إن هناك تشابه في وجهات النظر حول العديد من المشاكل الإقليمية والدولية».
غير أن اليوم الأول من المناقشات، التي وصفها «بوتين» بأنها «موضوعية وذات مغزى وسرية»، كانت مادة دسمة للعناوين الرئيسية الدولية. وخرجت تقارير من شبكة العربية الفضائية السعودية، نقلا عن مؤسسة الصناعات العسكرية السعودية التي تديرها الدولة، أن البلاد وقعت صفقة لشراء نظام صواريخ أرض-جو من طراز «إس- 400».
وتعد هذه المنظومة واحدة من منظومات الدفاع الجوي الأكثر تقدما من نوعها في العالم في الوقت الحاضر، وتزعم الشركة الروسية المصنعة للمنظومة أنه يمكنها هزيمة مجموعة واسعة من التهديدات المحتملة، بما في ذلك صواريخ كروز التي تحلق على ارتفاع منخفض وطائرات الشبح.
واستخدم الكرملين نشر هذه الصواريخ في كالينينغراد في شمال أوروبا ومع قواته في سوريا كوسيلة لإرسال رسالة إلى الخصوم في المنطقتين.
وبغض النظر عما إذا كانت مستويات المبيعات المعلنة رسميا صحيحة، فقد اعترفت الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية بأنها قد تمثل تهديدا كبيرا في أي أزمة. وعلى هذا النحو، أصبحت مبيعات المنظومة أيضا أداة هامة للسياسة الخارجية لموسكو.
وترى الحكومة الأمريكية أن مبيعات أي صواريخ أرض-جو متقدمة إلى إيران تشكل تهديدا لمصالحها الخاصة ومصالح حلفائها في الشرق الأوسط. كما أثار قرار الحكومة التركية مؤخرا شراء منظومة «إس-400» غضب أعضاء الناتو الآخرين، الذين يقولون إنها لا تتفق مع معايير التحالف، وتشير إلى عدم الوحدة في الحلف.
ووفقا لـ «العربية»، قالت الصناعات العسكرية السعودية إن هناك صفقات لشراء أنظمة الصواريخ المدفعية الحرارية توس-إيه1، إلى جانب الصواريخ المضادة للدبابات من طراز كورنيت-إم، وقاذفات قنابل يدوية 30 ملم إيه جي إس-30، وبنادق الكلاشنكوف الهجومية إيه كي-103. وقالت كذلك إن المشتريات «تستند إلى تأكيد الطرف الروسي على نقل التكنولوجيا وتوطين التصنيع واستدامة نظم التسليح في المملكة».
وتعد إمكانية نقل التكنولوجيا من التفاصيل المهمة التي قد تساعد السعوديين على بناء قدراتهم الإنتاجية المحلية. وقد يرغب العديد من شركائها الإقليميين الآخرين في شراء هذه الأنظمة من مورد محلي. وواجه السعوديون أنفسهم مؤخرا حواجز مستمرة في اتفاقيات مماثلة مع بعض الدول الغربية، بما فيها ألمانيا والمملكة المتحدة، بسبب تدخلها المثير للجدل في اليمن.
وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسة الصناعات العسكرية السعودية لم تقدم أي إشارة حول موعد وصول أي من هذه المعدات إلى المملكة. كما يبدو أن روسيا لم تظهر استجابة قريبة لوضع الترتيبات اللازمة.
وقال نائب رئيس الوزراء الروسي، «ديمتري روغوزين»، في تصريح لوكالة فرانس برس إن «هناك بعض الاهتمام بطبيعة الحال». وأضاف أن «المحادثات حول منظومة الـ إس-400 جارية، ولكن لا توجد قرارات نهائية بعد».
تحول سياسي؟
ولكن إذا تبين أن التقارير حول الصفقة مع المملكة دقيقة، فقد يشير ذلك إلى تحول سياسي محتمل من قبل النظام الملكي للبلاد بعيدا عن اعتمادها التاريخي على الولايات المتحدة. وسيكون من التطورات الهامة بشكل خاص، نظرا لمبيعات الأسلحة الأمريكية، التي لم يسبق لها مثيل إلى المملكة، التي تم الإعلان عنها في وقت سابق من العام، وشملت كلا من صواريخ باتريوت أرض-جو طويلة المدى، التي تماثل إلى حد كبير منظومة «إس- 400» الروسية، بالإضافة إلى منظومة الدفاع الجوي (ثاد) لاعتراض الصواريخ الباليستية. ولدى السعوديون بالفعل أنظمة باتريوت في مخازن الأسلحة.
ويثير تساؤل على الفور عن سبب احتياج السعوديين إلى إضافة منظومة «إس- 400» إلى ترسانتهم. وقام الرئيس «باراك أوباما» وإدارته بإبطاء بعض صفقات الأسلحة مع المملكة، وكان السبب غالبا هو الوضع في اليمن. ولكن لم يبد الرئيس «دونالد ترامب» أي شيء من هذا القبيل، كما أنه قام بأول رحلة خارجية له بعد توليه منصبه بزيارة الملك «سلمان» في مايو/أيار.
ومنذ ذلك الحين، كانت إدارة ترامب داعمة علنا للسعوديين، وجعلت المصالح المشتركة في مكافحة الإرهاب الدولي واحتواء تأثير إيران في الشرق الأوسط وخارجها أولوية. ومع ذلك، في يونيو/حزيران الماضي، كان هناك هزة سياسية كبيرة، بعد إعلان «محمد بن سلمان»، المعروف على نطاق واسع بالإشراف على الحملة في اليمن، وليا للعهد بدلا من «محمد بن نايف»، إضافة إلى توليه منصب نائب رئيس مجلس الوزراء في المملكة.
وتشير تقارير كثيرة إلى أن محمد بن نايف يخضع الآن للإقامة الجبرية. كما تم الحديث حول مشاكل صحية عقلية لدى الملك «سلمان»، الأمر الذي أثار المخاوف من أن يكتسب «محمد بن سلمان» بسرعة المزيد من التأثير على شؤون المملكة. وقد يكون الأمير الشاب مهتما بأخذ البلاد في اتجاه مختلف مع الولايات المتحدة، التي تقدم دعما أقل مع مرور الوقت في نزاع المملكة مع قطر.
كما حاولت المملكة تجميل صورتها مؤخرا، من خلال منح المرأة الحق في قيادة السيارات، وهي قضية عامة طويلة الأمد في الدولة الإسلامية المحافظة. ويقول النقاد إنها لفتة رمزية لا تقدم خطوة حقيقية لمزيد من الحريات للنساء من قواعد «الوصاية»، التي تتطلب منهن الحصول على موافقة رسمية من وليها من الذكور، لاتخاذ العديد من القرارات الشخصية والمالية.
وكما هو الحال بالنسبة لدولة الإمارات، التي تخطط لشراء طائرات سو-35 المقاتلة، قد يكون قرار السعوديين بشراء أسلحة من الكرملين وسيلة لممارسة ضغوط سياسية إضافية على الولايات المتحدة لدفعها نحو المزيد من المساعدات العسكرية أو حتى لجمع معلومات إضافية حول قدرات خصومهم. وأعربت إيران، المنافس الإقليمي الرئيسي للسعودية، عن اهتمامها بشراء منظومة «إس- 400» أيضا.
وثمة احتمال آخر، وهو أن السعوديين يرون فوائد في توسيع التعاون مع الروس، بشكل منفصل عن علاقتهم مع الولايات المتحدة، لكنها بذلك تخاطر بالعلاقات التاريخية مع واشنطن. وتعتمد روسيا والسعودية بشكل كبير على الأموال التي تحصل عليها من تصدير النفط وغيره من المنتجات ذات الصلة، على الرغم من أن الكرملين ليس عضوا في منظمة أوبك.
وفي يناير/كانون الثاني عام 2017، وقع الطرفان اتفاقا لمحاولة تثبيت الأسعار الدولية للنفط، التي ظلت في انخفاض لأعوام، وكان لها أثر خطير على اقتصاد كل منها. وقال وزير الطاقة السعودي «خالد الفالح» في ذلك الوقت، إن هذا الترتيب «أعاد الحياة إلى أوبك».
ومع تراجع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وتثبيت نظام الديكتاتور «بشار الأسد» لأقدامه في سوريا، قد ينظر السعوديون إلى علاقات موسعة مع موسكو كوسيلة لمنع الإيرانيين من توسيع موطئ قدمهم في المنطقة. وقد يحاول الملك «سلمان» كسب نقاط مع الكرملين تمكنه من إجبار «بوتين» على اتخاذ قرار بين دعمه أو النظام في طهران.
التلويح بالبدائل
ومن الملاحظ أن الملك السعودي أكد في 5 أكتوبر/تشرين الأول، على مطالبة بلاده طويلة الأمد بأن تتوقف إيران عن التدخل في شؤون الدول الأخرى في المنطقة، لكنه لم يذكر أي دعوة إلى «الأسد» للتنحي.
وكانت المملكة واحدة من أهم مؤيدي المعارضين السوريين الذين يقاتلون الحكومة في دمشق، سواء من الناحية الخطابية أو من حيث إمدادات الأسلحة. والآن، لن يكون من الصعب تصور أن يعرض السعوديون الدعم «التجاري» للنظام السوري مقابل تخفيض علاقات الكرملين مع إيران.
وقد تكون مجرد رغبة من السعوديين لتوسيع علاقاتهم مع الحكومات الأجنبية بشكل عام، وتجاوز العلاقة الحصرية مع الولايات المتحدة. ومع نشوب الأزمات السياسية مع إدارة «ترامب»، قد يكون هذا التحرك مجرد رغبة في الحصول على مزيد من الشركاء على الساحة العالمية.
ومن جانبه، يعمل الكرملين بشكل مطرد لتوسيع علاقاته الخاصة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويقدم نفسه بديلا للحكومة الأمريكية، حيث يكون شريكا أقل تدقيقا في سجل حقوق الإنسان في البلاد والسياسات ذات الصلة. ووسع الروس بالفعل علاقاتهم مع مصر والإمارات، وكلاهما شريكان أمريكيان تقليديان في المنطقة، وكذلك عززوا من العمل مع الجنرال المخلوع خليفة حفتر في ليبيا، الذي يعارض الحكومة التي تدعمها الولايات المتحدة هناك.
ومهما كان المنطق السعودي، فسيكون لهذا الالتزام بالتأكيد تأثيره في السياسة الخارجية الأمريكية وعلاقتها مع المملكة. وفي الوقت الحالي، من المرجح أن تكون المملكة هي ثاني أكبر حليف للولايات المتحدة في المنطقة، بعد (إسرائيل).
وستحتاج إدارة «ترامب» إلى دعمها إذا أرادت التقدم في أي من أهدافها الإقليمية المستقبلية، وخاصة فيما يتعلق بالرغبة في ممارسة ضغوط جديدة على إيران بسبب برامجها الصاروخية الباليستية وبرامجها النووية.
ولا توجد دلالة حقيقية على أن السعوديين أو الإماراتيين أو المصريين يتطلعون إلى التخلي عن الولايات المتحدة كشريك، إلا أنهم يوضحون أن لديهم بدائل، إذا كان هناك نزاع سياسي أكثر خطورة في المستقبل.