الخليج الجديد-
كشفت مصادر قريبة من السفارة الروسية بدمشق أن العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز» أبلغ الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» خلال زيارته الأخيرة بأنه لا مشكلة لديه في بقاء رئيس النظام السوري «بشار الأسد» لمرحلة انتقالية أو حتى أكثر من ذلك لكن مشكلته هي في العلاقة الوطيدة التي تجمع «الأسد» بطهران وتحديدا بالمرشد الإيراني «علي خامنئي».
وأضافت المصادر أن الملك «سلمان» أعلن عن استعداد بلاده لدعم مسار سياسي يبقى فيه «الأسد» رئيسا لسوريا، على أن تساعد موسكو في تخفيف العلاقة العميقة بين طهران ودمشق بما ينعكس تقليلا من النفوذ الإيراني في كل من سوريا ولبنان.
لكن في مقابل الموقف السعودي حيال «الأسد»، أبدى «بوتين» نوعا من الحياد الواقعي بشأن العلاقة بين دمشق وطهران وفق قول المصادر ذاتها التي كشفت أن «بوتين» أبلغ الملك «سلمان» بأن موسكو لا تستطيع إلا أن تتمسك بمبدأ النأي الإيجابي عن العلاقة بين «الأسد» وطهران حتى ولو كانت ربما غير راضية عن أجزاء من تلك العلاقة، وأن «بوتين» تحدث من مبدأ الواقعية السياسية التي تعني أن موسكو غير قادرة على إجبار «الأسد» نحو الابتعاد عن إيران.
واعتبر «بوتين» أن هذه المسألة ليست من أولويات موسكو، ولا يمكنها أيضا الضغط على طهران لتخفيف العلاقة بين الطرفين، وأن موسكو لن تقحم نفسها لفسخ علاقة من هذا النوع لكنها يمكن أن تساعد في جعل تلك العلاقة أكثر إيجابية في التأثير بملفات المنطقة.
وأضافت المصادر أن فريقا في الرياض يتزعمه ولي العهد «محمد بن سلمان» يفكر في أن تشكيل حكومة وحدة وطنية بصلاحيات أوسع من الحكومات المعتادة، تقودها شخصية مقربة من المحور السعودي يمكن أن تؤثر في سياق العلاقة بين طهران ودمشق تخفيفا وتقليلا من تلاحمها، ويمكن أن تساعد (أي الحكومة ذات الصلاحيات) لاحقا في العمل على إخراج الخبراء والوجود الإيراني العسكري من سوريا وخصوصا من الجنوب السوري ومن مدينة حلب.
لكن مستشاري ولي العهد يعتقدون في المقابل بأنه وإن تحققت تلك الحكومة برئاسة شخصية قريبة من السعودية فإن أي نتائج جديدة لن تظهر ما لم يحصل إعادة هيكلة للمؤسستين الأمنية والعسكرية وما حولهما من مؤسسات حزبية يقودها «البعث» الحاكم، وعليه فإن حتى هذا الاحتمال تبقى فرصه شبه معدومة في التأثير على سياسات «الأسد» الخارجية وتحديداً تجاه طهران و«حزب الله» اللبناني.
وختمت المصادر حديثها بالقول إن الزعيم الروسي سمع من العاهل السعودي نصف الكأس الملآن تجاه الملف السوري، لكنه لم يقدم للملك «سلمان» النصف الآخر.
وتتقاطع هذه التسريبات مع تصريحات سابقة للسفير الروسي في لبنان «ألكسندر زاسبيكين» قال فيها إن مواقف السعودية باتت واضحة، هي مع اتفاقات آستانة، مع الحل السياسي، والتراجع عن مطلب إسقاط النظام السوري ورحيل «بشار الأسد».
وكشف السفير «زاسبيكين» في تلك التصريحات أن «مشكلة السعودية الوحيدة هي إيران، وأن السعودية تطالب بإخراج إيران من سوريا».
آخر المستسلمين
وفي وقت سابق الشهر الماضي، وصفت وكالة «بلومبيرغ» الأمريكية، المملكة العربية السعودية، بآخر المستسلمين، وذلك فيما يتعلق بموقفها حول بقاء «الأسد».
وقالت الوكالة الأمريكية إن السعوديين لحقوا بأمريكا وأوروبا في إقرارهم بضرورة بقاء «الأسد» في حكم سوريا، وضرورة تنسيقهم العمل مع روسيا للوصول إلى تسوية كاملة وحل شامل، بشأن تلك الحرب الدائرة منذ 6 سنوات.
وأشارت « إلى أن ما يؤكد تلك الفرضية، هو استضافة الرياض لمجموعات المعارضة لحثهم على الاتفاق مع الفصائل المتشددة على ضرورة أن يكونوا أقل إصرارا على رحيله الفوري.
كما أن زيارة وزير الخارجية الروسي، «سيرغي لافروف»، إلى الرياض، وزيارة الملك «سلمان بن عبدالعزيز» إلى موسكو، تظهر أيضا أن السعودية بدأت فعليا في الاستسلام والتراجع عن موقفها المتشدد بشأن سوريا.
أما عن سر التحول السعودي المفاجئ، فقالت «بلومبيرغ» إنه يرجع بصورة كبيرة للخسائر المتتالية، التي منيت بها المعارضة السورية، واستعادة «الأسد» فعليا السيطرة على جزء كبير من البلاد، خلال العامين الماضيين.
كما أن السبب الآخر، هو إعلان إنهاء الإدارة الأمريكية الجديدة برنامج تسليح المعارضة السورية، وهو ما يعني تخلي الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، عنهم، علاوة على التعاون القائم حاليا بين موسكو وتركيا.
حجر عثرة
أما حجر العثرة، الذي يقف حائلا دون إعلان السعودية النهائي دعمها الكامل لـ«الأسد» هو وقوف إيران إلى جانب حكومة «الأسد».
وقالت «بلومبيرغ» إن جميع الحقائق العسكرية تصب في مصلحة روسيا و«الأسد»، وهو ما دفع الرياض إلى تطوير علاقاتها مع موسكو.
ولكن هناك هدف آخر من تطوير المملكة علاقات التقارب مع روسيا، بحسب الوكالة الأمريكية.
ويتمثل هذا الهدف في الرغبة السعودية في مواجهة صعود الحليف الآخر القوي الداعم لـ«الأسد»، ألا وهو إيران، خاصة وأنه وفقا لتقارير عديدة لعبت دورا كبيرا في الانتصارات الاستراتيجية العديدة التي حققها جيش النظام السوري.
وتكمن الأزمة في ذلك الأمر، وفقا للوكالة الأمريكية، في أن موسكو تنظر إلى طهران على أنها حليف استراتيجي هام في الشرق الأوسط.
وفي وقت سابق، قال مصدر سعودي مسؤول لوكالة «الأسوشيتد برس» إن وزير خارجية المملكة، «عادل الجبير»، دعا المعارضة السورية لوضع رؤية جديدة حول تسوية الأزمة في سوريا ومستقبل «الأسد».
وقال المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته ووصفته الوكالة بالمطلع، «هو (عادل الجبير) لم يصرح بوضوح أن بشار الأسد من الممكن أن يبقى في السلطة، لكن، إذا قرأنا بين السطور ما يقال حول ضرورة وضع رؤية جديدة، فما هي القضية التي تمثل الموضوع الأساسي للجدل؟ هل يبقى بشار الأسد أم لا؟».
دعوة «الجبير» هذه تم توجيهها، للهيئة العليا للمفاوضات المعروفة أيضا بمنصة الرياض للمعارضة السورية، والتي عقدت، اجتماعا في العاصمة السعودية مع كل من منصتي موسكو والقاهرة لبحث موضوع تشكيل وفد موحد للقوى المعارضة إلى مفاوضات جنيف الخاصة بتسوية الأزمة السورية في شهر سبتمبر/أيلول الماضي.
وتلتزم الهيئة العليا للمفاوضات، التي اعتبرتها الأمم المتحدة والحكومات الغربية ممثلا أساسيا عن المعارضة السورية، بموقف ثابت من مستقبل رئيس النظام السوري مفاده أنه لا مكان لـ«الأسد» في أي عملية انتقالية في البلاد.
وأعلنت الهيئة في بيان صدر عنها عقب المفاوضات أن الأطراف المشاركة فيها لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق بسبب إصرار منصة موسكو على عدم طرح موضوع تنحية «الأسد» كشرط مسبق في اجتماعات جنيف.