نيكولاي كوزانوف - مؤسسة جيمس تاون
عندما تم استقبال العاهل السعودي «سلمان بن عبد العزيز آل سعود» في موسكو، في 5 إلى 8 أكتوبر/تشرين الأول، هرعت مصادر إعلامية روسية وسعودية لوصف زيارته باللحظة البارزة في العلاقات الثنائية. لكن النشوة الأولية لرحلة «سلمان» إلى روسيا تتلاشى الآن، ومن المفيد تقديم تقييم موضوعي لنتائجها.
لقد كانت زيارة الملك السعودي لروسيا تاريخية، وهي الزيارة الرسمية الأولى لحاكم سعودي إلى موسكو منذ تأسيس المملكة. وقبل ذلك، لم يقم أي من أعضاء الأسرة المالكة بزيارة روسيا بصفته ملكا. وكان جدول أعمال زيارة «سلمان» مكثفا أيضا. حيث أجرى محادثات مع كل من الرئيس «فلاديمير بوتين» ورئيس الوزراء «ديمتري ميدفيديف»، وتمكن من التحدث إلى قادة المناطق الإسلامية في روسيا، والتقى المفتين الروس. وخلال المفاوضات، أكدت موسكو مناقشة القضايا الاقتصادية القائمة. وهكذا، اهتم الكرملين في المقام الأول بالحوار حول آفاق الاستثمارات السعودية في الاقتصاد الروسي، فضلا عن التعاون الثنائي في مجالات التكنولوجيا الفائقة والعسكرية والصناعية والبنية التحتية والنووية.
كما رغبت موسكو في الحديث عن مستقبل اتفاقية خفض إنتاج النفط مع منظمة أوبك، وخيارات عملاق النفط الروسي روسنفت للمشاركة في خصخصة أرامكو السعودية المملوكة للدولة. وجاء الملك «سلمان» بدوره إلى موسكو لمناقشة القضايا السياسية مثل الوضع في سوريا واليمن والعراق، فضلا عن المخاوف السعودية إزاء السياسات الإقليمية الإيرانية. وكان الوضع الداخلي في المملكة عاملا آخر لجلب الملك «سلمان» إلى موسكو، حيث أراد تقديم ابنه «محمد بن سلمان»، كخليفة له، وبالتالي أراد تأمين الدعم الروسي في هذه المسألة (كما فعل مع الإدارة الجديدة في البيت الأبيض).
ومع ذلك، وعلى الرغم من اختلاف أولوياتهما، يبدو أن الجانبين قد توصلا إلى تفاهم بشأن عدد كبير من القضايا. ووقعا على نحو 15 اتفاقية تعاون، في مجالات مثل الفضاء والطاقة النووية والاتصالات والثقافة. وأكدت روسيا الدور الرائد لمجلس التعاون الخليجي في تسوية الأزمة اليمنية. وأيدت القيادة السعودية اتفاقية أستانا حول الوضع السوري، في حين أكدت موسكو للرياض أن المملكة ستلعب دورا رئيسيا في تشكيل وفد المعارضة السورية في محادثات جنيف المقبلة. ووقعت كل من غازبروم وسيبور وأرامكو اتفاقيات للتعاون. ووافق الصندوق السعودي للاستثمار العام وصندوق الاستثمارات المباشرة الروسي على تمويل مشاريع النفط والغاز الطبيعي والبتروكيماويات المشتركة، فضلا عن الأبحاث العلمية والتكنولوجية. وتم الوعد بالاستثمار في البنية التحتية الروسية للنقل.
نتائج غير واضحة
ومع ذلك، من السابق لأوانه الحديث عن انفراجة في العلاقات السعودية الروسية. وأولا وقبل كل شيء، بالنسبة للمسار السياسي، فقد أكد الجانبين مجرد اتفاقات غير رسمية كانت قائمة بينهما منذ يونيو/حزيران ويوليو/تموز هذا العام، حيث فضلت موسكو الصمت إزاء الإجراءات السعودية في اليمن، مقابل دعم الرياض لمفاوضات أستانا. ولم تكن هناك حاجة إلى بذل جهود جادة للتوصل إلى تفاهم ثنائي بشأن هذه المسألة. ولم يكن لدى موسكو مصالح حيوية في اليمن، في حين كان هناك حاجة إلى الدعم السعودي على طاولة المفاوضات في أستانا وجنيف. وكانت الرياض بدورها مهتمة بالدعم الدولي لجهودها في اليمن، في حين لايمكن لاستمرار المواجهة مع موسكو في سوريا إلا أن تحرم السعوديين من أي دور جوهري في مستقبل ما بعد الصراع في هذا البلد.
وقد فشل العاهل السعودي في التوصل إلى اتفاق مع روسيا بشأن قضية خطيرة أخرى، وهي وجود إيران في المنطقة. وأرادت الرياض إقناع موسكو بتخفيض تعاونها مع طهران مقابل تطوير العلاقات الاقتصادية والحوار السياسي. غير أن موسكو اقترحت فقط لعب دور الوسيط بين طهران والرياض. وبالتالي، لا يزال العامل الإيراني يشكل عائقا خطيرا أمام إقامة حوار أوثق بين موسكو والرياض. ويضع السعوديون خفض علاقات موسكو مع طهران كشرط مسبق لأي تعاون أوثق. ومع ذلك، لن توافق روسيا على التخلي عن إيران.
كما أن مستقبل العلاقة الاقتصادية بين البلدين غير واضح. وكانت معظم الوثائق التي وقعت خلال رحلة الملك عبارة عن مذكرات تفاهم غير إلزامية. ولا يزال يتعين على الجانبين التفاوض بشأن التفاصيل العملية. وبالنسبة للمراقبين منذ زمن طويل للعلاقات الروسية مع الشرق الأوسط، فقد مرت عليهم مثل هذه الحالات من قبل. وفي الأعوام الماضية، قامت موسكو والرياض بإعلانات جريئة بشكل دوري حول نواياهما الطموحة. ومع ذلك، لا يزال سجل التنفيذ العملي ضئيلا. كما لا يرقى حجم الاستثمارات المشتركة المحتملة إلى مستوى إمكانات البلدين. وفي حين تخطط روسيا والمملكة لاستثمار ما يصل إلى 2.1 مليار دولار في المشاريع المشتركة، استثمرت قطر بالفعل ما يصل إلى 2.5 مليار دولار في الاقتصاد الروسي. وعلاوة على ذلك، رفضت الرياض بشكل واضح أن تناقش مع موسكو آفاق مشاركة روسيا في خصخصة شركة أرامكو السعودية.
وتتمحور أكبر الأسئلة حول الاتفاقات الواضحة التي تم التوصل إليها بين موسكو والرياض في المجال العسكري الصناعي. وأفادت الأنباء أن الجانبين وقعا اتفاقا حول بيع نظام صواريخ إس-400 للدفاع الجوي إلى السعودية، بيد أنه مازال من غير الواضح ما إذا كانت الصفقة قد تأكدت. وبدلا من ذلك، يبدو أن الجانب السعودي أعرب ببساطة عن نيته مناقشة شراء منظومة إس-400 خلال الاجتماع المقبل للجنة الثنائية للتعاون العسكري الصناعي، في وقت لاحق من هذا الشهر. وفي الوقت نفسه، كان الاتفاق على التعاون في المجال العسكري، الذي وقع أيضا في موسكو خلال زيارة الملك «سلمان»، يتعلق في معظمه بالأسلحة الصغيرة، مثل الكلاشينكوف، حيث يخطط الروس لتزويد المملكة بخط التجميع. ومن شأن ذلك أن يساعد السعوديين على تسليح وكلائهم في المنطقة (ربما في اليمن) وتوفير المال ببيع الأسلحة الرشاشة من طراز كلاشينكوف لأوروبا الشرقية. ومع ذلك، يبدو حجم الصفقة، الذي يتراوح بين 1 إلى 1.5 مليار دولار، ضئيلا، بالنسبة لحجم العقود العسكرية التي وقعتها السعودية مع الولايات المتحدة فقط في مايو/أيار الماضي، والتي بلغت 110 مليار دولار.
وفي النهاية، كانت زيارة «سلمان» مهمة لموسكو، لكن نتائجها العملية، حتى الآن، محدودة للغاية لأن نصفها بأنها بداية فصل جديد في العلاقات الثنائية.