جيمس دورسي- تربيولنت وورلد سوكر - ترجمة الخليج الجديد-
من المرجح أن تراقب دول الخليج كيفية تعامل روسيا والصين مع الفراغ والتهديدات الأمنية في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة. وسيكون هذا مثابة إجابة لدول الخليج عن سؤال إلى أي درجة قد تكون روسيا والصين بديلين مناسبين للمظلة الأمنية الأمريكية التي لم تعد موثوقة.
ومن المرجح أن تكتشف دول الخليج أنها عالقة مع الولايات المتحدة الأقل التزامًا، وقد تدفعهم هذه الحقيقة إلى زيادة الاعتماد على الذات وتعزيز التحالفات الإقليمية الرسمية وغير الرسمية، لا سيما مع إسرائيل.
لا شك أن روسيا، ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم، وكذلك الصين سوف يسعدان ببيع الأسلحة واستغلال التصدعات في علاقة دول الخليج بالولايات المتحدة. لكن لا تمتلك موسكو أو بكين الإمكانيات أو القدرة على استبدال الولايات المتحدة كضامن لأمن الشرق الأوسط.
ولم يمنع ذلك روسيا من توقيع اتفاقيات تعاون دفاعي مع السعودية ومصر خلال الشهر الماضي. ومع عدم الكشف عن التفاصيل، بدت الاتفاقيات محاولة سعودية ومصرية للتلويح بإصبع تحذير للولايات المتحدة بينما اغتنمت موسكو الفرصة لاستفزاز واشنطن.
وقال الباحث الروسي في شؤون الشرق الأوسط "أليكسي كليبنيكوف": "بالنظر إلى العلاقات الاستراتيجية بين السعودية والولايات المتحدة، فمن غير المرجح أن تتعاون الرياض عسكريًا مع موسكو بدرجة يمكن مقارنتها بالأمريكيين في أي وقت قريب".
وأضاف لا يوجد لدى موسكو الرغبة ولا القدرة على استبدال واشنطن كحليف رئيسي للقاهرة والرياض. لكنها ستحاول استغلال الوضع من أجل زيادة صفقات السلاح في المنطقة، الأمر الذي سيعطيها مزيدًا من تدفقات العملة الصعبة.
وعلى نفس المنوال، سيكون من الحكمة أن تدرك الدول العربية أن الشرق الأوسط ليس آسيا الوسطى التي تعد الجوار القريب للصين وروسيا، فقد هيمن الاتحاد السوفييتي على هذه المنطقة لفترة طويلة. كما أن التهديدات المتعلقة بالهجرة والعنف السياسي والمخدرات في آسيا الوسطى على أعتاب روسيا والصين وليس في أراض بعيدة.
ومن المرجح أن تؤثر طريقة تعامل روسيا والصين مع هذه التهديدات على تفكير قادة الخليج. وسيكون الأمر اختبارا حاسما للقوتين الآسيويتين اللتين ستوليهما دول الخليج والقادة الآخرون اهتماما وثيقا.
وقال "بول سترونسكي"، الباحث المتخصص في شؤون روسيا في مؤسسة "كارنيجي": "سيواجه القادة الروس تحديًا أكثر صعوبة إذا بدأ تنظيم الدولة الإسلامية أو غيره من التنظيمات المتطرفة مرة أخرى في استهداف آسيا الوسطى أو روسيا نفسها انطلاقا من أفغانستان..هذا هو بالضبط السيناريو الذي يقلق صانعو السياسة الروس".
وخلال الأسابيع الأخيرة، سعت روسيا إلى تسليط الضوء على قدراتها والتزامها بأمن آسيا الوسطى من خلال تدريبات مع طاجيكستان وقيرغيزستان وأعضاء آخرين في منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وهو تحالف عسكري تقوده روسيا ويضم عددا من دول الاتحاد السوفيتي السابق.
ومع ذلك، يرى "سترونسكي" أنه يجب على دول الخليج أن تأخذ في الاعتبار أن موثوقية روسيا ليست أفضل بكثير من الولايات المتحدة، فقد فشلت روسيا في مساعدة أرمينيا العضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي في حربها ضد أذربيجان العام الماضي. كما أنها لم تتدخل لإنهاء أيام من العنف الطائفي في عام 2020 على طول الحدود بين أعضاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي بين قيرغيزستان وطاجيكستان بالرغم أن وزير الدفاع الروسي "سيرجي شويجو" كان يلتقي بنظرائه في التحالف في دوشانبي في هذه الأثناء.
وأدى انتصار "طالبان" في أفغانستان إلى مراجعة خيارات الخليج في الوقت الذي يجري فيه نقاش داخل واشنطن حول أجندة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بما في ذلك نطاق وفائدة الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط.
ويدفع البعض من أجل استمرار أو توسيع الوضع الحالي للقوات الأمريكية في المنطقة بينما يطالب آخرون بالتخلي عن جميع أو معظم المنشآت العسكرية الأمريكية الثابتة في المنطقة. وقال المحلل "حسين إيبش": "إن كلا الفريقين لديه أسباب وجيهة ولكن هناك إجماع جديد آخذ في الظهور بين هذين الموقفين".
وتنبع فكرة التوفيق بين الاتجاهين من خلال حقيقة أن "بايدن" وسلفه "ترامب"، تبنوا نفس توجه السياسة الخارجية حتى لو وصفوه بشكل مختلف. استخدم "ترامب" مبدأ "أمريكا أولاً"، فيما أكد "بايدن" على أولوية المصلحة الوطنية وتحديدها بدقة. وكلاهما يتبنى فكرة الانعزالية، وإن كانت مؤطرة بشكل مختلف.
لذلك فإن الإجماع الجديد يتضمن بقاء القوات الأمريكية في الشرق الأوسط على المدى الطويل ولكن مع جعل القوات والأصول العسكرية أصغر حجما وأكثر مرونة.
وقال "إيبيش": "بالنظر إلى التطورات التكنولوجية والاستراتيجية في السنوات الأخيرة، والدروس المستفادة من حقبة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، ستكون الولايات المتحدة قادرة على فعل المزيد - أو على الأقل ما يكفي - بأقل قدر من الإمكانات".
وبإمكان الولايات المتحدة أن تركز على الاقتصاد والأمن السيبراني في منافستها مع روسيا والصين، فيما تستمر في مواجهة المتطرفين بالتكنولوجيا العسكرية التي تسمح بشن ضربات ضد أهداف محددة بدلاً من شن حروب مثل أفغانستان.
وقالت "مينا العريبي"، رئيسة تحرير صحيفة "ذي ناشونال": "هناك الآن اتفاق بين صانعي السياسة في الشرق الأوسط أن الولايات المتحدة لم تعد تستثمر في الحفاظ على الاستقرار في الخارج ما لم تتأثر مصالحها الوطنية المحددة بدقة".
وفي مقال بعنوان "أمريكا لم تعد استثنائية"، قالت "العريبي" إن تعريف "بايدن" لمهمة الولايات المتحدة في أفغانستان بأنها "منع هجوم إرهابي على الوطن الأمريكي وليس مكافحة التمرد في دولة ما أو فضلا عن بناء هذه الدولة" كان مسموعا بشكل واضح في الشرق الأوسط.
وأضافت: "في دول مثل ليبيا واليمن، حيث تستمر الصراعات ويعد بناء الدولة أمر حاسم، كانت مشاركة واشنطن محدودة بالفعل ولكن الآن أصبح فك الارتباط سياسة رسمية".
وأضافت "العريبي": "لم يعد بإمكان حلفاء الولايات المتحدة الاعتماد على واشنطن في مواجهة التهديدات. وفي المقابل ينظر المسؤولون الأمريكيون بريبة إلى خيارات بعض الدول - مثل زيادة العلاقات بين الصين والعراق والسعودية - ويجب أن يفهم الأمريكيون أن بكين قد تصبح خيارا أكثر موثوقية بنفس الطريقة التي أثبتت فيها روسيا أنها شريك أكثر موثوقية لرئيس النظام السوري بشار الأسد".
ورأت "العريبي" أن البقاء على قيد الحياة سيكون الهدف الجوهري والوحيد للحكام المستبدين في المنطقة بعد انسحاب الولايات المتحدةولكن من غير المرجح أن تدعمهم روسيا والصين بالطرق التي فعلتها الولايات المتحدة على مدى عقود.
وقال "العريبي": "مع انسحاب الولايات المتحدة وعدم وجود إجماع أوروبي على ملء هذا الفراغ، فإن إنشاء أنظمة حكم على شكل الديمقراطيات الليبرالية الغربية لم يعد منطقيًا. فبعد عقدين من الترويج للديمقراطية كنظام حكم رائد، فإن وجهة النظر من الشرق الأوسط هي أن الولايات المتحدة تخلت عن هذا الموقف الخطابي. وقد لا يكون هذا شيئًا سيئًا. يجب أن تكون الحكومة الفعالة هي الهدف وليس الحكومات التي يتم تشكيلها من خلال صندوق اقتراع لا يخدم الشعوب".
وبغض النظر عن التحليل القاسي لـ"العريبي" فإن الخطر بالنسبة للولايات المتحدة هو إمكانية أن تثبت الصين أنها أكثر مهارة في لعبة "بايدن"، خاصة إذا تدهورت العلاقات بين بكين وواشنطن أكثر. ويمكن للصين، على سبيل المثال، محاولة استغلال الشكوك الإقليمية لدفع دول الخليج إلى تسعير طاقتها بالرنمينبي الصيني بدلاً من الدولار الأمريكي، وهي خطوة من شأنها أن تقوض موقع الولايات المتحدة كقوة عالمية.