الخليج أونلاين-
مع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وارتباط دول كبرى فيها، تزداد معها مخاطر تأثر دول الخليج العربي بها، لكونها تعتمد على الدولتين في امتداد نسبة كبيرة من احتياجاتها الغذائية.
وتعد روسيا وأوكرانيا من أكبر مصدري الحبوب في العالم، وتمثل صادراتهما من القمح مجتمعة ما يقرب من ربع الإمداد العالمي، وفقاً لتوقعات وزارة الزراعة الأمريكية للسنة التسويقية.
وتمثل صادرات روسيا وأوكرانيا من القمح مجتمعة 206.9 ملايين طن، وفقاً للمزود الأمريكي للبيانات "إس آند بي"، إضافة إلى أنها تصدر إلى بعض الدول الخليجية كميات من اللحوم والدواجن.
وبلغت صادرات القمح الأوكراني منذ بداية العام التسويقي 2021-2022 (يوليو-يونيو) حتى 24 يناير، 16.6 مليون طن، بزيادة من 12.9 مليون طن مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق.
وتذهب توقعات المراقبين إلى أن اندلاع حرب بين روسيا وأوكرانيا قد تتسبب في أزمة غذائية في الشرق الأوسط بشكل عام، إضافة إلى ارتفاع القمح والواردات القادمة للمنطقة من الدولتين.
الواردات الخليجية
تعد أوكرانيا وروسيا من الدول التي تعتمد عليها السعودية في العديد من المنتجات، خاصة الزراعية، حيث تستورد المملكة القمح، واللحوم، والحليب، من البلدين.
واشترت السعودية 592 ألف طن من القمح الأوكراني خلال 2021، ما يمثل أربعة أضعاف ما اشترته في موسم 2020.
وتصدر أوكرانيا نحو 450 ألف طن من اللحوم سنوياً، حيث تأتي السعودية في مقدمة الدول المستوردة للدواجن الأوكرانية بنسبة 18.4%.
وللمملكة قرابة 200 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في غرب أوكرانيا، تديرها شركة "سالك" المملوكة لـصندوق الاستثمار السعودي عام 2011 لضمان الأمن الغذائي للمملكة عبر استثمارات أجنبية.
وتستورد الكويت أيضاً القمح، وبيض المائدة وجميع أنواع الدواجن الطازجة والمجمدة والمبردة ونصف المصنعة، واللحوم، من روسيا وأوكرانيا، وقد يسبب اندلاع حرب بينهما توقفاً لتلك الواردات.
وبدأت الكويت البحث عن مصادر بديلة للمنتجات والواردات التي تصل إليها من روسيا وأوكرانيا، مع بداية تصاعد التوترات العسكرية بين البلدين.
ومن البدائل التي ستذهب لها الكويت، وفقاً لما كشفته مصادر لصحيفة "النهار" المحلية، الأحد 20 فبراير الجاري، تنويع مصادر الاستيراد، وترشيد الاستهلاك المحلي.
كما تستورد الإمارات، وقطر، والبحرين، وسلطنة عُمان، من روسيا وأوكرانيا منتجات كالقمح، واللحوم، والبيض، والخضراوات.
وتصل قيمة السلع الوسيطة والمواد الخام التي تستوردها الإمارات من أوكرانيا إلى 750 مليون دولار، والخضراوات 98 مليون دولار، فيما تبلغ قيمة المواد الخام التي تستوردها قطر 38 مليون دولار، والخضراوات 34 مليون دولار.
سلطنة عُمان تصل السلع الوسيطة أيضاً التي تستوردها من أوكرانيا إلى 30 مليون دولار، والخضراوات 29 مليون دولار، والبحرين تصل قيمة السلع الوسيطة إلى 15 مليون دولار، والمواد الخام 14 مليون دولار.
وبشكل عام تأتي دول الخليج العربي في المرتبة الخامس ضمن أكبر 11 مستورداً للدجاج الأوكراني من دول الشرق الأوسط عام 2020.
تأثير واضح
وحول تأثر الأمن الغذائي لدول الخليج العربي في حالة نشوب حرب بين أوكرانيا وروسيا، يؤكد المختص الاقتصادي محمد مقداد أن الدول الخليجية والعربية ستتأثر بشكل مباشر.
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين" يوضح مقداد أن الدول الخليجية والعربية تستورد كميات كبيرة من المنتجات الغذائية من أوكرانيا وروسيا، خاصة القمح، واندلاع الحرب يعني أنها ستكون أمام أزمة.
ويضيف: "تعتمد الدول الخليجية على المنتج الواحد وهو النفط والغاز، حيث لا يتوفر لديها أمن غذائي، رغم بعض المحاولات التي جرت مؤخراً في الزراعة".
ولن يتوقف التأثر على الأمن الغذائي فقط، بل ستشهد أسعار النفط والشحن ارتفاعاً، وهو ما حصل فعلاً مع شرارة الحرب الأولى.
وحول البدائل، يوصي المختص الاقتصادي بضرورة وجود خطة قصيرة الأجل تتمثل في تخزين كميات وفيرة من القمح للوصول للأمن الغذائي، وخطة أخرى طويلة الأجل تتمثل في استغلال الأراضي الخصبة والمياه للزراعة.
ارتفاع للأسعار
وإلى جانب تأثر الإمدادات الغذائية لدول الخليج من الحرب بين روسيا وأوكرانيا، يتوقع أن تزيد الأسعار بشكل كبير خلال الفترة القادمة، التي شهدت ارتفاعاً كبيراً بداية العام.
وسيؤدي نشوب الحرب إلى زيادة الأسعار، خاصة القمح، حيث أفادت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) بأن مؤشر الأسعار العالمية للأغذية قد سجل ارتفاعاً في يناير الماضي.
وحسب تقرير المنظمة الأممية المنشور في بداية فبراير الجاري، قفزت أسعار المواد الغذائية العالمية لنحو 28% في العام الماضي، حين ارتفع متوسط السعر العالمي للحبوب بنسبة 27.3% في سبتمبر 2021 مقارنة مع شهر سبتمبر 2020، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ عقد.
ودفعت مخاوف الحرب العقود الآجلة للذرة بالفعل إلى أعلى مستوياتها منذ يونيو الماضي، كما دفعت عقود القمح الآجلة إلى أعلى مستوياتها في شهرين قبل التراجع أخيراً، حسب التقرير.
انعدام للأمن الغذائي
المهتم في الأمن الغذائي الدكتور تركي فيصل الرشيد، يؤكد أن الغزو الروسي لأوكرانيا سوف يهدد بدفع الأسر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى الجوع؛ بسبب الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية في حالة تعطل سلاسل الإمدادات والتوريد.
وتسببت المخاوف قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كما يوضح الرشيد في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، في تقلب أسعار المواد الغذائية، حيث تعد روسيا من أكبر مصدري القمح في العالم، كما برزت أوكرانيا بشكل واضح كمصدر للحبوب خلال الفترة الماضية.
وتمثل أوكرانيا، حسب الرشيد، 12% من صادرات القمح العالمية، و16% للذرة، و18% للشعير، و19% من بذور اللفت، كما يتجه 40% من شحناتها السنوية من الذرة والقمح إلى الشرق الأوسط أو أفريقيا.
ويضيف: "شاهدنا تقلبات في السوق حتى في الأيام القليلة الماضية؛ بسبب المخاوف من احتمال حدوث صراع، وقد بدأت الأسعار بالتغير، علماً أن أسعار المواد الغذائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ 10 سنوات".
وستؤدي الحرب، كما يوضح الرشيد، إلى مزيد من انعدام الأمن الغذائي، خاصة أن العالم العربي يواجه أعلى مستوياته فيما يتعلق بتوفير الاحتياجات الإنسانية الأساسية.
ورغم ذلك يستبعد أيهم كامل، رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "Eurasia Group"، وهي مؤسسة بحثية مقرها الرئيس نيويورك، في حديثه لوكالة "رويترز"، الخميس 17 فبراير الجاري، حدوث أزمة حادة في نقص الأغذية في دول الخليج، لأن لديها قدرة على استيعاب كلفة أعلى للواردات في حالة ارتفاعها بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية.