جيمس م. دورسي | أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد-
تكافح إسرائيل ودول الخليج حتى لا تسقط عن الحبل الرفيع الذي تسير عليه في الوقت الذي تتابع فيه الهجوم الروسي على أوكرانيا. وتدرك هذه الدول أن التحوط في الرهانات أصبح مهمة أكثر صعوبة.
وعلى عكس إسرائيل، قد تشعر دول الخليج أن لديها مرونة أكبر من الدولة اليهودية التي تعتمد على الولايات المتحدة في تفوقها العسكري الإقليمي والدعم السياسي أمام المجتمع الدولي الذي ينتقد احتلالها الذي بدأ منذ 54 عامًا للضفة الغربية.
وحاولت إسرائيل في البداية أن تحافظ على التوازن الدقيق معربة عن تأييدها لسلامة أراضي أوكرانيا وسيادتها، لكنها لم تذكر روسيا في تصريحاتها قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا. كما منعت إسرائيل دول البلطيق من نقل الأسلحة المصنوعة في إسرائيل إلى أوكرانيا.
وتخشى إسرائيل من أن يؤدي انتقاد روسيا أو الدعم المادي لأوكرانيا إلى انتقام روسي في سوريا بطرق من شأنها أن تمنع إسرائيل من ضرب القوات الإيرانية أوالميليشيات المدعومة من إيران في البلاد.
وأشار المسؤولون الإسرائيليون إلى أن هذه الموازنة غير مستدامة، وأن إسرائيل ستضطر في النهاية إلى الانضمام إلى الجبهة العالمية التي تدين تصرفات روسيا بعبارات لا لبس فيها.
وتجلى مثل هذا التحول عندما زاد وزير الخارجية الإسرائيلي "يائير لابيد" من حدة لهجة إسرائيل، حين قال: "الهجوم الروسي على أوكرانيا هو انتهاك شديد للنظام الدولي. تدين إسرائيل الهجوم وهي على استعداد لتقديم المساعدة الإنسانية لمواطني أوكرانيا. إسرائيل لديها خبرة طويلة في الحروب وتدرك جيدا أن الحرب ليست الطريقة لحل النزاعات".
وغرد الصحفي الإسرائيلي البارز" أنشيل فيفر" قائلًا إن التعليقات "كانت لطيفة إلى حد ما بالمقارنة مع حكومات أخرى ولكنها تمثل تحولًا كبيرًا عن الموقف الإسرائيلي الذي ظل ثابتًا على الحياد طوال عهد بوتين".
وبسبب المخاوف الإسرائيلية بشأن الانتقام الروسي في سوريا، أصبحت إسرائيل في موقف محرج حيث بدت كأنها تهمّش المحنة المحتملة لحوالي 140 ألف يهودي في أوكرانيا (التي كانت تعد موطنا لثالث أكبر مجتمع يهودي في العالم) إلى جانب مصالح الدولة اليهودية.
وأشار المسؤولون الإسرائيليون إلى أنهم سيساعدون اليهود الذين يفرون برًا من أوكرانيا إلى رومانيا أو المجر أو بولندا أو سلوفاكيا أو مولدوفا.
نهج الخليج مختلف
ويبدو أن إسرائيل ودول الخليج تبنت استراتيجيات مختلفة في الاستجابة للأزمة الأوكرانية. ففي حين حاولت إسرائيل إغضاب الروس، بدا أن دول الخليج مثل السعودية والإمارات تواصلت مع روسيا والصين بطرق تهدف إلى إرسال رسالة لكليهما بالإضافة إلى الولايات المتحدة.
ويبدو أن التحركات السعودية والإماراتية لا تتماشى فقط مع استراتيجية التحوط في الرهانات وإنما تنسجم أيضًا مع الرأي العام في المنطقة الذي يشعر بالخذلان من الوعود الديمقراطية والتغيير السياسي بعد عقد من ثورات الربيع العربي.
وقالت البروفيسور "أماني جمال" المؤسِسة المشارِكة لشبكة "الباروميتر العربي" لاستطلاع الرأي: "إن الصعود المؤقت للمشاعر والحركات المؤيدة للديمقراطية فشل في إنتاج حكومات ديمقراطية دائمة، كما فشل في تغيير الأوضاع الاقتصادية التي تهم الناس بشدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط".
ومع تقليل الولايات المتحدة لالتزامها في الشرق الأوسط، أصبح النموذج الاقتصادي والتنموي الصيني (والروسي بدرجة أقل) جذابًا أكثر للعديد من العرب. ويرى العديدون في الشرق الأوسط أن هذه النظم تتفادى الاضطرابات السياسية التي تحدثها التغيرات الديمقراطية، وتقدم وعدًا بالاستقرار والنمو الاقتصادي في الوقت ذاته.
حبل دقيق
ومثل إسرائيل، سعت السعودية أيضًا بألا تظهر كأنها ضد المصالح الروسية، وبهذا يمكن للمملكة أن تضرب عصفورين بحجر واحد: فهي تبقي الباب مفتوحًا أمام موسكو وترد في الوقت ذاته على الرئيس "جو بايدن" بعد رفضه الانخراط مع ولي العهد "محمد بن سلمان" بسبب قضية اغتيال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" عام 2018.
وفي مكالمة هاتفية الشهر الماضي، رفض الملك "سلمان" طلب "بايدن" زيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار وتقليل أرباح روسيا التي كانت تحشد قواتها على حدود أوكرانيا.
وسمحت مبيعات النفط والغاز لروسيا بمراكمة تمويل للحرب بقيمة 600 مليار دولار بما يعادل التأثير الأولي للعقوبات الأمريكية والأوروبية نتيجة الهجوم الروسي على أوكرانيا.
ويعد موقف الملك "سلمان" مثيرا لأن المملكة لطالما وازنت الإمدادات العالمية بطرق أفادت الاقتصاديات الغربية حتى لو كان ذلك يعني دخلًا أقل للمملكة.
وفي حدث آخر قد يكون توقيته مع الأزمة الأوكرانية مجرد صدفة، قالت الإمارات هذا الأسبوع إنها ستشتري 12 طائرة "L-15" هجومية من الصين، مع احتمال شراء 36 طائرة أخرى.
ومن غير المرجح أن تكون واشنطن راضية عن مثل هذه الصفقة، خاصة أنها تأتي بعد شهرين من تعليق الإمارات لمحادثات حول صفقة طائرات "F-35" الأمريكية، والتي ينظر إليها على نطاق واسع أنها الطائرات المقاتلة الأكثر تقدمًا في العالم.
وتعد المشكلة بالنسبة للسعودية والإمارات، ودول الشرق الأوسط الأخرى غير العربية مثل إسرائيل وتركيا، هي أن التطورات في أوكرانيا قد تؤدي إلى عودة القوى العظمى إلى الأسلوب الذي تعامل به "جورج بوش" بعد 11 سبتمبر/أيلول، وهو: "إما أن تكون معنا أو ضدنا".
ويمكن أن يتعزز مثل هذا التوجه بفعل العقوبات الأمريكية الممتدة لخارج الحدود الإقليمية، وإجبار الدول التي خارج النزاع على الالتزام وإلا فستعاقب بالمثل.
وفي الوقت نفسه، يبدو أن روسيا لديها اليد العليا في أوكرانيا في الوقت الحالي، لكن ذلك قد يتغير إذا تورطت روسيا في نزاع أطول ينهكها، كما يظل من غير الواضح حجم الدعم المحلي في روسيا لتوغل الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في أوكرانيا.
خلاصة القول أنه لا روسيا (خاصة إن غاصت في مستنقع أوكرانيا) ولا الصين ترغبان أو تقدران على استبدال الولايات المتحدة كضامن أمني في الخليج.
وقد تؤدي محاولة التحوط في الرهانات إلى الوقوع في فخ عدم العمل ضد المصالح الروسية والعمل ضد مصالح الولايات المتحدة في الوقت ذاته، وهكذا تخاطر دول الشرق الأوسط بالسقوط عن الحبل الدقيق الذي يتجه لأن يصبح أكثر دقة.