أشرف كمال - الولي أحمد - الخليج أونلاين-
مع انتقال الخلاف الروسي الأوكراني من الحرب الكلامية إلى المواجهات العسكرية على الأرض، كان أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أول زعيم عربي وخليجي يهاتفه الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، الأمر الذي جعل الدوحة حاضرة في الأزمة منذ لحظتها الأولى.
وتحظى قطر بمكانة خاصة في هذه الأزمة التي فرضت قلقاً عالمياً، ليس فقط لمكانتها التي تكتسبها من كونها أكبر مصدّر للغاز المسال في العالم وحسب، لكن أيضاً للمكانة الدبلوماسية الكبيرة التي حظيت بها بعد دورها المميز في الأزمة الأفغانية.
قبل ثلاثة أسابيع فقط من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا كان الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي تحتل بلاده مكانة خاصة في إمدادات الغاز العالمية، حاضراً في البيت الأبيض كأول زعيم خليجي يزور واشنطن رسمياً منذ وصول الرئيس جو بايدن للحكم، مطلع 2021.
كانت الأزمة الأوكرانية وما تكتنفها من مخاوف أمريكية وغربية كبيرة بشأن إمدادات الطاقة أساس النقاشات التي جرت بين الرئيس الأمريكي وأمير قطر، الذي دعا مراراً لحل النزاع سلمياً، وحذّر من مخاطر الانزلاق للعسكرة.
وقبل يوم واحد من تحركه عسكرياً ضد أوكرانيا بعث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، 22 فبراير 2022، رسالة خطية لأمير قطر، حملها وزير الطاقة الروسي نيكولاي شولجينوف، الذي كان مشاركاً في قمة كبار الدول المصدرة الغاز، التي استضافتها الدوحة بين 20 و22 فبراير.
وسيط موثوق
كانت لغة التهديد هي المسيطرة في الخطاب الغربي، وكانت العقوبات القاسية وغير المسبوقة هي الخطوة الأولى التي اتخذتها لوقف التمدد العسكري الروسي على الأرض، غير أن الانقسام ما يزال حاضراً أيضاً بين الشركاء الغربيين بين ما يجب ولا ما يجب فعله.
ومع التأكيد الأمريكي والأوروبي المتواصل بعدم وجود أي نية للانخراط في المعارك دفاعاً عن أوكرانيا، وما تلاه من حديث الرئيس الأوكراني عن أن الجميع يتفرج على بلاده وهي تقف وحيدة في وجه القوة الروسية الكاسحة، تبدو الأزمة بحاجة لـ"وسيط موثوق" ويملك من الأوراق ما يجعله قادراً على الحديث مع الجميع.
عُرفت قطر خلال السنوات القليلة الماضية بقدراتها الدبلوماسية والمالية والإعلامية التي منحتها مكانة لطالما كانت حكراً على الدول كبيرة الحجم قوية الجيش، وقد أكدت أزمتها مع دول الرباعي العربي أن قوة الدول "لا تقاس بحجمها"، كما قال رئيس الوزراء الأسبق الشيخ حمد بن جاسم.
وإلى جانب مكانتها الخاصة في سوق الطاقة، تمتلك قطر أيضاً علاقات قوية مع كافة الأطراف المتداخلة في الأزمة الأوكرانية، ومن ضمنها روسيا التي أسست معها الدوحة شراكات كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية.
دعوة أولية للهدوء واحترام القانون
كان الموقف الأولي لقطر من الأزمة هو الدعوة للهدوء وضبط النفس، وقد أكد أميرها ضرورة تسوية النزاعات عبر الدبلوماسية، وتجنب التصعيد، وذلك خلال الاتصال الذي تلقاه من الرئيس الأوكراني زيلينيسكي، بُعيد إندلاع الحرب.
وبحسب الديوان الأميري فقد أطلع الرئيس الأوكراني أمير قطر على آخر تطورات الأزمة، فيما شدد الشيخ تميم على ضرورة إبقاء حماية المدنيين وتوفير احتياجاتهم كأولوية قصوى.
وبعد يوم واحد من الحرب، هاتف وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن، نظيريه الروسي سيرغي لافروف، والأوكراني دميترو كوليبا، وبحث معهما مستجدات التصعيد العسكري.
وعبّر الوزير القطري خلال الاتصالين "عن قلق دولة قطر جرّاء هذا التصعيد وتداعياته"، وفق بيان الخارجية القطرية.
شهادة بمكانة أمير قطر
يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر د. محمد المسفر، إن دولة قطر وقيادتها السياسية تحتل مكانة في العلاقات الدولية، وخاصة في إشكالات حل النزاعات، مبيناً أنها كانت موفقة بشكل كبير في كثير من الأزمات الدولية، منها استضافة المحادثات الأفغانية في الدوحة.
ويوضح المسفر في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن الدوحة وفقت أيضاً في حل الإشكال الذي أعقب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان بعد 20 عاماً من الحرب الدائرة هناك.
ويرى أن الوقائع تدفع بمكانة قطر إلى الصفوف العالمية في طلب حل النزاعات، مشيراً إلى أن الرئيس الأوكراني يعيش أحلك أزمات أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يجد سبيلاً سوى الاتجاه نحو قطر طلباً للتوسط فيما يتعلق بالحرب على بلاده.
اتصال الرئيس الأوكراني بأمير قطر لطلب المساعدة يعتبره المسفر "شهادة من زعيم يتعرض لأزمة كبيرة جداً".
وأشار إلى أن ذلك يأتي نظراً للعلاقة بين قطر وروسيا كشريك لها في منظمة الدول المصدرة للغاز، وكذلك علاقات الدوحة مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، فضلاً عن الدور القطري في حل النزاعات والمساهمة في السلم الدولي.
رسالة بوتين قبل الحرب
كان انعقاد القمة السادسة لمنتدى الدول المصدرة للغاز في الدوحة بمنزلة مؤتمر قمة، وكان من المفترض أن يحضر الرئيس الروسي هذه الفعالية الدولية الضخمة؛ لكن نظراً للأحداث الجارية على تخوم بلاده آثر أن يكون في الميدان.
مع ذلك انتدب الرئيس بوتين وزير الطاقة الروسي نيكولاي شولجينوف للمشاركة في المؤتمر الدولي. وقد نقل الأخير رسالة خطية من بوتين إلى أمير دولة قطر تتناول العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها، والموضوعات ذات الاهتمام المشترك.
يقول د. محمد المسفر إن دلالات الرسالة تكمن في شرح ما يجري بين أوكرانيا وروسيا من ناحية، ويشرح الموقف الروسي من قبول حلف الناتو على حدوده بأي شكل كان.
ومن ثم تشرح الرسالة -بحسب المسفر- مخاطر حلف الناتو على حدوده وانضمام أوكرانيا إلى هذا الحلف، والتهديدات الجيوسياسية والاستراتيجية المرتبطة بذلك بالنسبة إلى روسيا.
المسفر يرى أيضاً أن الرسالة الروسية التي وجهت إلى أمير قطر تشرح وضع البلدين باعتبارهما متحدين فيما يتعلق بإنتاج وتسويق الغاز، وعليه لا بد من التنسيق في المواقف في أي مسألة من مسائل الغاز على مستوى العالم.
كما يقول إن الرسالة تشرح الجهود المبذولة من بعض الجهات في إضعاف المنتدى الدولي للدول المصدرة للغاز؛ بسبب الأزمة الأوكرانية أو غيرها من الأزمات العالمية، وهو ما يحض على الحياد، "وأعتقد أن هذه الرسالة تقول بذلك أو تتبنى هذا الرأي".
ولا يعتقد المسفر أن تحل قطر محل روسيا في تزويد أوروبا بالغاز تحت أي سبب، لكنه يرى أن بالإمكان أن تقبل الدوحة الوفاق فيما بين الدول المنتجة للغاز "حتى لا يكون هناك أي شرخ تحت أي مسألة مستقبلية تهز هذا التنظيم كما المحاولات السابقة في التأثير على منظمة أوبك".
وفيما يخص الأدوار القطرية المتوقعة، يرى المسفر أن عملية التوسط قد وصلت إلى مسار مغلق، وبدأت الحرب ووصلت روسيا إلى مقربة من العاصمة الأوكرانية، وقد تسقط خلال اليومين القادمين.
كل ذلك يدل على أن "التوسط وصل إلى مسار مغلق"، وفق المسفر الذي زاد: "الآن وقد قامت الحرب فهذا يعني تجاوز الدبلوماسية والوساطة سواء من قطر أو غيرها من الدول".
مكانة قوية
خلال هذا الشهر، ومع تزايد المخاوف من انزلاق الأزمة إلى الصدام العسكري، نقلت قناة "فرانس 24" عن محللين أن لدى قطر الكثير من المكاسب التي يمكنها تحقيقها خلال هذه الأزمة.
وقال المحللون إن حجز حصة أكبر من سوق الغاز الأوروبي لن يكون المكسب الوحيد الذي قد تحصل عليه الدوحة من أي تصعيد، وإنما الدور الدبلوماسي أيضاً. مشيرين إلى أن الدولة الخليجية تجيد استغلال وضعها كـ"قوة عملاقة" في سوق الطاقة، وفي مجال الدبلوماسية أيضاً.
وأشارت القناة الفرنسية إلى الدور المتميز الذي أدته قطر في المفاوضات الأمريكية مع حركة طالبان الأفغانية، وإلى ما قالت إنه "دور غير معلن" في مفاوضات إيران النووية.
وقال مسؤولون لوكالة "فرانس برس" إن قطر لديها سوابق في مساعدة المحتاجين وقت الأزمات، وإنها بالفعل يمكن أن تخفف الضغط الروسي على أوروبا عبر ضخ مزيد من الغاز، وأكدوا أن هذا الأمر تمت مناقشته خلال زيارة الأمير القطري لواشنطن.
في ظل حالة الأحاديث تبدو قادرة على أداء دور لدى موسكو، التي قد تفقد أقوى أسلحتها في مواجهة الغرب: الغاز. هذا إلى جانب أن الدوحة أحد المستثمرين الأجانب في موسكو، وقد وصل التبادل التجاري بينهما إلى 13 مليار دولار، وفق ما نقلته صحيفة "الراية" المحلية عن السفير الروسي في قطر نور محمد خولوف، في يونيو 2021.
وتملك الدوحة 19% من أسهم شركة النفط الروسية "روسنفت"، وقد نما التبادل التجاري بين البلدين عام 2020 بنحو 47%، بحسب السفير الروسي.
وقال أندرياس كريج، مختص أمن الشرق الأوسط في كلية "كينجز كوليدج لندن"، إن لعب دور في الأزمة الأوكرانية سيمنح قطر مزيداً من المكانة لدى الولايات المتحدة، التي اعتبرتها مؤخراً حليفاً استراتيجياً من خارج الناتو.
في 24 فبراير 2022، قال جاستن ألكسندر، في تحليل نشره "مركز دول الخليج العربي في واشنطن"، إن الاتصال "المفاجئ" من الرئيس الأوكراني بأمير قطر ربما يعكس رغبته في قيام الدوحة بوساطة لحل النزاع.
واستند ألكسندر في فرضيته إلى الاتصالين اللذين أجراهما وزير خارجية قطر بنظيريه في موسكو وكييف. وأعاد التذكير بعدد من اللقاءات المهمة التي جرت مؤخراً، والتي تؤكد مكانة الدوحة في جغرافيا الطاقة والسياسة، كما يقول.