يوسف حمود - الخليج أونلاين-
يستجدي انفصاليو اليمن دعماً دولياً لتحقيق مطلبهم في تأسيس دولة في جنوب البلاد، في وقتٍ تمر فيه بلادهم بحربٍ دائرة بين الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً والمدعومة من السعودية، والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
وحين وجد "المجلس الانتقالي الجنوبي" نفسه غير مرحب به دولياً على مدار سنواتٍ مضت، وجد من الأزمة الأوكرانية الروسية سبيلاً لإبراز قضيته باستدعاء روسيا لتكون داعمة له في تحقيق هدفه بالانفصال عن شمال اليمن.
وبدا المجلس المدعوم إماراتياً في اليمن، محتفياً بشكل لافت بلقاء أجراه رئيسه عيدروس الزبيدي بسفير روسيا لدى أبوظبي، بالتزامن مع الغزو الروسي لأوكرانيا، ما يطرح تساؤلات حول دلالة هذا اللقاء في هذا التوقيت.
لقاء في أبوظبي
في لقاءٍ اعتبره الكثير من المعارضين للانتقالي الجنوبي اليمني بـ"المحاولة البائسة"، التقى رئيس المجلس، مطلع مارس 2022، السفير الروسي في أبوظبي.
وقال الزبيدي، الذي يرأس "الانتقالي" الذي يطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله، إنه عقد في أبوظبي، مباحثات مع سفير روسيا الاتحادية لدى الإمارات تيمور زابيروف.
وذكر على صفحته في "تويتر"، أنهما ناقشا جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة في اليمن.
وأضاف أن اللقاء ركز على "ضرورة تأمين المصالح الدولية والملاحة في باب المندب وخليج عدن، ومكافحة الإرهاب".
وما كان لافتاً في هذا اللقاء أنه عقد في الإمارات، التي أبدى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد خلال اتصاله بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 1 مارس الجاري، تأكيده "حق روسيا في ضمان أمنها القومي"، وفقاً للكرملين.
كما أكد أن الإمارات ستبقي على تواصلها مع الأطراف المعنيين للمساعدة في إيجاد "حلول سياسية لإنهاء الأزمة بين روسيا وأوكرانيا".
لقاء سابق.. وغزو روسيا
وهذا اللقاء لم يكن الأول بعد غزو روسيا، ففي أواخر فبراير الماضي، كان زعيم الانفصاليين في اليمن قد سارع نحو روسيا؛ طلباً لدعم قضية انفصال جنوب البلاد عن شماله، بعد ساعات من بدء العمليات العسكرية لقواتها في أوكرانيا.
وذكر الموقع الرسمي للمجلس الانتقالي أن رئيسه الزبيدي بحث مع القائم بأعمال السفارة الروسية لدى اليمن يفغيني كودروف، مستجدات الأوضاع العسكرية والسياسية والاقتصادية في البلاد.
وأضاف أن الزبيدي شدد على أهمية دعم جهود إحلال السلام وإيقاف الحرب، والدخول في عملية سياسية شاملة تعكس واقع الأطراف على الأرض، والقضايا الوطنية، وفي مقدمتها قضية شعب الجنوب.
ويجد الانتقالي من روسيا سبيلاً لدعمه في الانفصال، خصوصاً بعدما دعمت موسكو انفصاليين موالين لها في كل من دونيتسك بمنطقة دونباس، وشبه جزيرة القرم (جنوب) أوكرانيا، وقيام روسيا لاحقاً بضم القرم إلى أراضيها عقب استفتاء من جانب واحد، في 16 مارس 2014.
"محاولة بائسة"
الكاتب والصحفي اليمني ناجي الكامل، يعتقد أن ما يقوم به رئيس المجلس الانتقالي "محاولة بائسة، ولن تقدم لهم شيئاً".
ويقول لـ"الخليج أونلاين": "يستمر الزبيدي وقيادة الانتقالي بعرض بضاعتهم دون أن يشتريها أحد، ولعل روسيا ليست بحاجة للتدخل بأي ملف آخر، خصوصاً اليمني الذي له تعقيدات كبيرة".
ويرى أن الخطوة التي قام بها الزبيدي "جاءت بتوجيه من أبوظبي، التي تريد استثمار كل شيء لصالح مليشياتها باليمن، والضغط على الأطراف اليمنية بالتهديد بالبعبع الروسي الذي يواجه أخطر تحدٍّ له في أوكرانيا".
ويتابع: "لعل لجوء الانتقالي لروسيا هو محاولة منه لتذكيرها بدور الاتحاد السوفييتي سابقاً في اليمن، وتأتي في سياق إظهار الدعم لموسكو في عمليتها العسكرية بأوكرانيا، من أجل محاولة كسب موقف روسي داعم لتوجهاته الانفصالية، مقابل منح موسكو بعض الامتيازات الاقتصادية والعسكرية في جنوبي اليمن".
وسبق أن ارتبطت روسيا إبان الاتحاد السوفييتي بعلاقة وثيقة مع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (دولة الجنوب اليمني قبل الوحدة اليمنية عام 1990).
زيارات سابقة
أواخر شهر يناير 2021، زار الزبيدي العاصمة الروسية موسكو، والتقى المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف.
وقالت الخارجية الروسية حينها إن بوغدانوف والزبيدي ناقشا بشكل مفصل التطورات السياسية والأمنية والإنسانية في اليمن، وخاصة في مناطقها الجنوبية، مع التركيز على أبرز المهام المنوطة بالحكومة الائتلافية اليمنية، التي دخل في تشكيلتها للمرة الأولى ممثلو المجلس الانتقالي الجنوبي.
وفي شهر مارس 2020، قام الزبيدي بزيارة هي الثانية إلى روسيا، ولم تكن يومها بطلب من موسكو بل بطلب من المجلس المنادي بانفصال جنوب اليمن.
وخلالها التقى أيضاً بنائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، ووصف وقتها الزبيدي اللقاء بـ"المثمر"، لكنه حين سئل يومها في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم" عن مدى قبول الجانب الروسي بقضيتهم اكتفى بقوله: إن "الجانب الروسي هم حلفاؤنا وأصدقاؤنا القريبون جداً، هم يعرفون ثقافتنا وأسسوا دولةً (جنوب اليمن) كانت قوية في الشرق الأوسط من السبعينيات إلى التسعينيات وليسوا بعيدين عنا، وهم متفهمون أنه بدون إشراك الجنوبيين لا يمكن أن يتحقق السلام".
وخلال السنوات الماضية، أكدت روسيا الاتحادية في جميع مواقفها وبياناتها وحدة اليمن واستقراره، وأنها تعترف بالسلطة الشرعية والرئيس عبد ربه منصور هادي، رغم محاولات سابقة من قبل الحوثيين والرئيس الراحل علي عبد الله صالح، إلى جرها للصراع اليمني، وخصوصاً بعد تدخلها في الملف السوري.
إلا أنها في المقابل تحاول أن يكون لديها تواصل مباشر مع المجلس الانتقالي؛ حيث استقبلت الزبيدي قبل نحو عامين أيضاً، في زيارته الأولى في روسيا، وقام سفيرها في اليمن بزيارة عدن وحظي باستقبال رفيع من قبل الانفصاليين.