سلمى حداد - الخليج أونلاين-
في ظل التطورات الدولية التي باتت تشكل خطراً على العالم أجمع، تتصاعد دعوات لتكثيف التعاون العربي وصولاً إلى الوحدة الشاملة للتصدي لأي مخاطر اقتصادية أو عسكرية أو سياسية تهدد المنطقة.
ولكن هذا الحلم العربي بالوحدة ربما يكون بعيداً في الوقت الحالي؛ بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعيشها كل دولة، إضافة للتوترات التي تشهدها بعض الدول العربية، إلا أنه ليس بعيداً عن دول الخليج العربي التي تمتلك مقومات كبيرة يمكن أن توصلها للوحدة الشاملة فيما بينها.
وتعيش دول الخليج في حالة استقرار سياسي واقتصادي، إضافة إلى أنها تلتقي في معظم سياساتها الخارجية وتجتمع ضمن مجلس التعاون الخليجي؛ ما يؤهلها بقوة نحو التوجه لتحقيق الوحدة الشاملة لمواجهة التهديدات الدولية الجديدة والمخاطر التي تحيط بالعالم والمنطقة، حسب ما يرى مراقبون.
وعقب إطلاق روسيا، فجر الخميس 24 فبراير الماضي، عملية عسكرية في أوكرانيا، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أوروبية وآسيوية عقوبات اقتصادية مشددة على روسيا، الأمر الذي يثير مخاوف من تصاعد الأحداث بشكل يزيد من حدة التوترات العسكرية والأمنية الدولية، وربما يقود إلى حرب عالمية ثالثة ستكون المنطقة العربية ضحية لها حال لم تتخذ إجراءات لمواجهة أي مخاطر.
تكثيف التعاون
ويوم الاثنين 7 مارس 2022، قال مساعد وزير الخارجية الكويتي لشؤون الوطن العربي ناصر القحطاني: إن "التطورات الخطيرة على الساحة الدولية تستوجب تكثيف التعاون والتنسيق بين الدول العربية لمواجهة الأزمات الدولية".
وأضاف القحطاني، في الجلسة الافتتاحية لاجتماع الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين في القاهرة: إن "الاجتماع يأتي في ظل استمرار التحديات الجسيمة التي تواجهها منطقتنا العربية".
وأوضح المسؤول الكويتي البارز أن "التطورات الأخيرة في أوكرانيا وانعكاساتها السياسية والأمنية على العالم أجمع، بما فيها المنطقة العربية، تدعو إلى تضافر الجهود العربية لمواجهة هذا التحدي الطارئ".
من جانبه أكد السفير عبد الله بن ناصر الرحبي، سفير السلطنة المعتمد لدى مصر ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية، دعم السلطنة لكل الجهود الرامية إلى تعزيز التضامن والتعاون العربي.
وقال الرحبي، في كلمة له خلال اجتماع مندوبي الجامعة العربية: "سلطنة عمان تدعم كل الجهود التي تحقق آمال وطموحات دولنا وقادتها، في مزيد من التضامن والتعاون العربي".
وتتفق تصريحات مساعد وزير الخارجية الكويتي والسفير العُماني مع الاستراتيجية الخليجية التي تؤمن بضرورة الوحدة في جميع المواقف السياسية وفي المجال الاقتصادي والعسكري أيضاً.
وفي بيان مشترك بعد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للسعودية، أكدت الرياض وأبوظبي أن الأمن العربي "كل لا يتجزأ، وأهمية العمل العربي المشترك والتضامن العربي الكامل للحفاظ على الأمن القومي العربي بما لدى دوله من قدرات وإمكانات تؤهلها للاضطلاع بهذه المسؤولية، وهي مسؤولية تقع على عاتق كل الدول العربية".
تأكيد للوحدة الخليجية
وفي القمة الخليجية الأخيرة التي عقدت في ديسمبر الماضي، بالعاصمة السعودية، أكد قادة دول الخليج الست ضرورة تحقيق الوحدة في السياسات الخارجية والمجال الاقتصادي والعسكري.
وجاء في البيان الختامي للقمة أن "ما تشهده الساحتان الإقليمية والدولية من تطورات متسارعة لتلقي بظلالها على دول المنطقة، مما يتطلب بذل المزيد من الجهود المشتركة لتنسيق المواقف وتوحيد الرؤى في التعامل مع كافة المستجدات والتحديات، إلى جانب مواصلة جهود التنمية الشاملة".
وتطرقت القمة إلى مناقشة أهمية تعزيز التعاون في رسم ملامح مستقبل تنمية مستدامة "تعود بالخير على شعوب دول المجلس مع رصد مزيد من فرص التطوير الاقتصادي، وتأكيد أهمية تنسيق المواقف ووحدة الصف في التصدي لمختلف أشكال التحديات التي تواجه دول المجلس".
وفي تصريحات لاحقة قال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف، إن قادة دول الخليج لديهم رؤية بأهمية تضافر الجهود لتنسيق وتكامل السياسات الخارجية للدول الخليجية، وصولاً لبلورة سياسة خارجية موحدة وفعالة تخدم تطلعات وطموحات شعوب دول الخليج وتحفظ مصالحها.
مواقف متقاربة
وفي ظل الأزمة الدولية الحالية كانت مواقف الدول الخليجية متقاربة إلى حد التوحد، حيث دانت جميعها استخدام القوة والعنف في العلاقات بين الدول، ودعت إلى الحوار بين روسيا وأوكرانيا لحل الأزمة بينهما.
وضمن التنسيق الخليجي للتعامل مع المستجدات الدولية التقى أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يوم الاثنين 7 مارس 2022، مع الأمير خالد بن سلمان آل سعود نائب وزير الدفاع السعودي، في العاصمة الدوحة.
وبحث الجانبان خلال اللقاء العلاقات بين البلدين وآفاق تطويرها، إضافة إلى قضايا مشتركة تهم الدولتين.
وحدة عسكرية
وعلى الصعيد العسكري فقد فعّل وزراء الدفاع الخليجيون، نهاية العام 2021، أهم كيان عسكري لدول المجلس، وأعلنوا ميلاد القوة الجامعة التي أقرها قادة المجلس قبل سنوات، لتنضوي تحتها تشكيلات التكتل المختلفة، مثل القوات "البرية والجوية والبحرية والصاروخية".
جاء ذلك في أعقاب اجتماع الدورة الـ18 لمجلس الدفاع الخليجي المشترك الذي عقد بالعاصمة السعودية الرياض، التي احتضنت المقر الجديد للقيادة العسكرية الموحدة لدول الخليج العربي.
واعتبر الحجرف في ذلك الوقت أن افتتاح الكيان الجديد "أحد أبرز المكتسبات العسكرية بمسيرة مجلس التعاون، ورسالة سلام تبني للمستقبل، ورسالة عزم على حماية أمن ومكتسبات دول مجلس التعاون، والحفاظ على استقرارها ومقدراتها بوجود قوة موحدة لدول المجلس مشكلة من برية وجوية وبحرية ودفاع جوي".
ولفت المسؤول الخليجي البارز إلى أن القوة التي دشنت "تتناسب مع التهديدات التي تحدق بالمنطقة، وستكون رادعة لحماية مواطنيها ومكتسباتها من أي تهديد خارجي يحاول النيل من أمنها واستقرارها".
وحتى قبل إنشاء القيادة العسكرية الجديدة، يربط بين دول الخليج اتفاق دفاع مشترك يجعل من أي عدوان على إحدى دوله عدواناً على البقية يستدعي حشداً عسكرياً.
وشاركت قوات المجلس بعضها أو كلها في نزاعات هددت حدود دولها؛ مثل البحرين وجنوب السعودية وحرب تحرير الكويت.
أهمية الوحدة
وحول أهمية تحقق الوحدة الخليجية في مواجهة التهديدات الإقليمية والدولية يقول الخبير الاقتصادي السعودي سليمان العساف: إن "أعداد السكان في دول الخليج العربي أقل من نصف بالمئة من أعداد السكان حول العالم، في حين أن الناتج المحلي لدول الخليج يقارب 1500 مليار دولار، وهو يمثل نحو 2% من الناتج العالمي".
وأضاف العساف في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "تظهر هذه المعطيات حجم الثراء الذي تتمتع به دول الخليج، ما يعني أن توحدها سيكون خطوة مهمة جداً تعزز من قوتها في مواجهة المخاطر الاقتصادية العالمية".
إلا أنه رأى أن ما يعيق هذه الوحدة هو أن "اقتصاديات دول الخليج تنافسية لحد كبير؛ لأنها تعتمد على الوقود الأحفوري أحادي المصدر، وهو يؤثر على معدلات النمو والتخطيط للمستقبل".
وأشار الخبير الاستراتيجي إلى أن السعودية وبقية الدول الخليجية تنبهت لذلك، وأعدت استراتيجية لتقليل الاعتماد على النفط حتى يقل تأثرها بالصدمات النفطية العالمية، وتكون قادرة على مواجهة أي مخاطر مستقبلية.
وشدد العساف على أنه لا بد من أن تقوم دول الخليج بعملية تكامل بينها، خاصة في الاقتصاد، من خلال اتفاق بينهم من أجل حلحلة الأمور التي تمنع التكامل وإنشاء صناعات مختلفة بقطاعات متنوعة مثل الخدمات أو الصناعة أو السياحة أو التصدير أو الخدمات اللوجستية.
تفاقم المخاطر يقود للوحدة
الباحث في الدراسات الاستراتيجية عامر العثماني يرى أن دول الخليج لديها هيكل جيد للوحدة الشاملة، والمتمثل في مجلس التعاون الخليجي ومجلس الدفاع الخليجي المشترك، ولا يلزمه سوى تفعيل هذه المجالس بفعالية أكبر.
وأضاف العثماني في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "الكثير من العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تدعم توجه دول الخليج نحو الوحدة الشاملة، ولكن يبقى التنافس بينها عائقاً أمام ذلك".
واعتبر أنه عند النظر إلى المخاطر والتهديدات الإقليمية والدولية سيكون من السهل تجاوز فكرة التنافس والتوجه نحو الوحدة.
وأشار إلى أن الخلافات الأخيرة بين دول الخليج التي عرفت بالأزمة الخليجية أحدثت شرخاً سياسياً ربما يحتاج إلى بعض الوقت ليتلاشى، يبدو أن هناك توجهاً على مستوى رفيع لتصفير المشاكل الخليجية.
ويعتقد العثماني أن الوحدة الخليجية ستسهم في صناعة كيان عربي يملك قدرة كبيرة على مواجهة أي مخاطر.
وتوقع أن تسهم المخاطر التي تتفاقم دولياً في دفع دول الخليج للتوحد داخل كيان واحد والبقاء على حالة حياد بعيداً عن أي محور دولي؛ لأن الانضمام لأي محور سيعني مواجهة جزء كبير من تداعيات ما يحدث عالمياً.