ربى الحصري - ميدل إيست آي - ترجمة الخليج الجديد-
أعادت الحرب في أوكرانيا، التي أطلقت مخاوف من أزمة طاقة ودفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية، إلى الواجهة النقاش حول الحاجة إلى استثمارات جديدة في النفط والغاز في المستقبل المنظور.
ويأتي هذا في تناقض صارخ مع الدعوات السارية منذ عام تقريبا من قبل وكالة الطاقة الدولية للتخلي عن الاستثمار في الوقود الأحفوري في سباق نحو عالم خال من الانبعاثات.
ومع تضاعف الدعوات للمنتجين الخليجيين للتدخل وسد الفجوة في إمدادات الغاز والنفط في مواجهة آثار العقوبات على روسيا، يشعر المنتجون الآن بأنهم أصحاب نفوذ بعدما بدأ العالم يقلل من شأنهم، بل وحتى بعد استهدافهم في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ "كوب 26" في جلاسكو العام الماضي.
وتدفع هذه الثقة المستعادة حديثا أيضا بحدود المحادثات السياسية بين الخليج والغرب، حيث رفضت قوى "أوبك"، على رأسها السعودية والإمارات، دعوات من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين لإخراج روسيا من تحالف "أوبك+" كجزء من حملة الضغط التي تمارسها الولايات المتحدة و"الناتو" ضد موسكو لإنهاء حربها على كييف.
وفي أوائل مارس/آذار، بعد أقل من أسبوعين من الغزو الروسي لأوكرانيا، سجلت أسعار النفط مستوى قياسيا بلغ 139 دولارا للبرميل، وهو أعلى مستوى في نحو 14 عاما، في حين تضاعفت أسعار الغاز في أوروبا أكثر من الضعف.
وتسببت تقلبات السوق وجولات العقوبات المنسقة التي تستهدف الاقتصاد الروسي في حدوث موجات صدمة في جميع أنحاء أوروبا، وانخفضت أسعار النفط الأمريكي بشكل طفيف منذ ذلك الحين، ولكن لا يزال متوسط برنت وغرب تكساس الوسيط أعلى من 100 دولار للبرميل، وهو أعلى بكثير من المتوسطات التي شوهدت قبل أن تضرب أزمة "كوفيد-19" العالم في 2019.
وبمتوسط 10 ملايين برميل يوميا من إنتاج النفط، فإن تأثير روسيا على ميزان الطاقة العالمي بعيد كل البعد عن إمكانية إهماله. كما أنها ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي على مستوى العالم، حيث تمثل 16.6% من إجمالي الإمدادات العالمية.
وتصدر روسيا 37% من إنتاجها المحلي من الغاز الطبيعي، وتذهب غالبية هذا الإنتاج إلى أوروبا، لتلبي نحو 45% من الطلب على الواردات في المنطقة. وبالرغم من أن الولايات المتحدة منتج رئيسي للنفط والغاز، فقد استوردت أيضا النفط والغاز الروسيين لتلبية احتياجاتها الاستهلاكية.
ودفع شح الإمدادات، والارتفاع الصاروخي في أسعار النفط، والآفاق المتزايدة لعقوبات غربية جديدة وحظر نفطي ضد روسيا، الدول المستهلكة إلى دعوة المنتجين الخليجيين لزيادة إنتاجهم لمواجهة النقص المحتمل في السوق، بغض النظر عن الهجمات السابقة على منتجي الوقود الأحفوري في سياق التعهدات بصفر صافي من انبعاثات الكربون. لكن المفارقة لم تفت أكبر منتجي النفط في المنطقة.
وفي كلمته أمام الحضور في القمة العالمية للحكومات في دبي في 29 مارس/آذار، استدعى وزير الطاقة السعودي "عبدالعزيز بن سلمان" خطابه في "كوب 29" في جلاسكو العام الماضي حيث شدد على أن معالجة تغير المناخ لن يكون لها معنى دون ضمان أمن الطاقة والاستدامة الاقتصادية والنمو. وقال في هذا: "اليوم، لا أحد يتحدث عن تغير المناخ. وعاد التركيز على النفط والغاز وأمن الطاقة".
وبالنسبة للمنتجين الخليجيين، فإن الدعوات المتزايدة لمزيد من النفط والغاز لتعويض الإمدادات الروسية أوضحت نقطة مفادها أن المطالب السابقة للتخلي عن الوقود الأحفوري كانت سابقة لأوانها، وذلك على حد تعبير الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" "سلطان الجابر"، إذ قال: "لا يمكننا ولا يجب أن نلغي نظام الطاقة الحالي قبل أن نبني نظاما جديدا".
وتستغرق تحولات الطاقة وقتا، وذكّر الوزير الإماراتي أولئك الذين رفعوا قبل بضعة أشهر راية وقف تمويل صناعة النفط والغاز بأن النهج غير الواقعي لتجاهل اقتصاديات السوق عند الدعوة إلى استبدال الوقود الأحفوري بموارد متجددة يؤدي إلى صدمات في السوق مثل تلك التي نشهدها الآن، حيث يؤدي التضخم ونقص العرض إلى تآكل النمو الاقتصادي.
ويستعد منتجو النفط والغاز الخليجيون بالفعل لتغيير الحوار حول تغير المناخ في مؤتمر "كوب 27" القادم في مصر هذا العام و"كوب 28" في أبوظبي العام المقبل، حيث أضافت حاجة العالم الفورية لهم لتعويض نقص الطاقة باستخدام أي طاقة فائضة لديهم تأثير إضافي إلى حجتهم القائلة بأنه من غير المسؤول إغلاق صنبور النفط والغاز لإزالة الكربون من الاقتصاد العالمي.
وتقول حجتهم المضادة هي أن منتجي الهيدروكربونات بحاجة إلى مواصلة الاستثمار والإنتاج من حقول النفط والغاز الخاصة بهم بينما يسعون لتقليل الكربون لكل برميل.
كما دفع التضخم الذي أصاب إمدادات السلع في جميع أنحاء العالم أيضا نحو إثارة فكرة القدرة على تحمل تكاليف الطاقة باعتبارها أمرا بالغ الأهمية في عملية الانتقال إلى صافي صفر انبعاثات. وسوف تؤدي أزمة الإمدادات الناتجة عن وقف تمويل صناعات النفط والغاز وسحب شركات النفط الدولية لعملياتها، تحت ضغط من المساهمين وجماعات الضغط المتعلقة بتغير المناخ، بعيدا عن أصول الوقود الأحفوري، إلى عرقلة النمو الاقتصادي مع ارتفاع أسعار الطاقة.
وفي الوقت الذي يشعر فيه منتجو الخليج بالثقة فيما يتعلق بمعركة تغير المناخ والجبهات المدافعة عن صافي الانبعاثات الصفري، فقد وجد المنتجون الخليجيون أصواتهم مرة أخرى ذات أهمية على الساحة السياسية.
وسرعان ما رُفضت دعوة منتجي "أوبك" للانضمام إلى مقاطعة روسيا وإخراجها من التحالف الذي تم إنشاؤه قبل 6 أعوام. وقال وزير الطاقة الإماراتي "سهيل المزروعي" لمنتدى الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي في دبي، في 28 مارس/آذار: "لا يمكن لأحد أن يعوض 10 ملايين برميل يوميا تضخهم روسيا إذا طردناها خارج التحالف. التحالف وُجد ليبقى".
ويتوافق موقف "أوبك" من مقاطعة روسيا مع سياستها منذ بدايتها. وتاريخيا، لم تنحز "أوبك" إلى أي طرف خلال النزاعات. وعندما انخرطت إيران والعراق في حرب استمرت 8 أعوام في الثمانينيات على سبيل المثال، استمر كلاهما في حضور الاجتماعات الوزارية كأعضاء كاملي العضوية.
ولم يتم طرد العراق من الكتلة عندما غزا الكويت عام 1990، رغم العقوبات الأممية التي فُرضت على بغداد وظلت سارية حتى الغزو الأمريكي عام 2003. وينطبق الشيء نفسه على فنزويلا وإيران، بالرغم من العقوبات الأمريكية التي استهدفت صادراتهما النفطية في الأعوام الأخيرة.
ولدى المنتجين الخليجيين عدد من الأسباب للدفاع عن تحالف "أوبك+" والحفاظ على قدرته على التأثير في أسواق النفط من خلال إدارة العرض. أولا، لم يتعافَ الطلب على النفط تماما بعد من آثار وباء "كوفيد-19"، ما يجعل من الضروري لتحالف المنتجين الاستمرار في إدارة العرض جزئيا وضبطه لتجنب تخمة أخرى مثل تلك التي أرسلت أسعار النفط في المنطقة السلبية في عام 2020.
والسبب الثاني هو تراجع الإنتاج لدى بعض منتجي "أوبك". ويعد التراجع طبيعيا في حقول النفط، والذي يبلغ متوسطه نحو 5% سنويا لدى أكبر المنتجين في الشرق الأوسط، ولكن يمكن أن يصل إلى 10 إلى 20% في بلدان أخرى، وقد أضر هذا بالقدرة الإنتاجية للعديد من الأعضاء، مما اضطر أولئك الذين لديهم طاقة فائضة، مثل السعودية والإمارات، لتحمل أي نقص قد يظهر في السوق.
ويأسف مسؤولو "أوبك" من أن الهجمات على الوقود الأحفوري في سياق الحديث حول تغير المناخ ونقص الاستثمارات للحفاظ على إنتاج النفط لمواجهة الانخفاض الطبيعي قد أثرت على قدرة بعض المنتجين على مواكبة حصص الإنتاج المخصصة لهم.
ثم هناك احتمال عودة إيران الكاملة إلى السوق بعد إحياء محتمل للاتفاقية النووية لعام 2015، والتي من شأنها أن تؤدي إلى رفع العقوبات التي أبقت معظم صادراتها النفطية خارج السوق. ويتعين على "أوبك +" أن تأخذ في الحسبان إمكانية عودة النفط الإيراني بالرغم من عدم علمها بشأن متى ستكون إيران قادرة على تصدير نفطها بحرية مرة أخرى وكم عدد البراميل التي يمكن أن تجلبها إلى السوق.
والأهم من ذلك، أن تحالف "أوبك+" ضروري لتجنب تكرار حرب أسعار النفط بين أكبر منتجيها، روسيا والسعودية، في مبارزة مثل تلك التي حدثت عام 2020 في تنافس على حصص السوق، وهو ما أدى إلى هبوط أسعار النفط في الوقت الذي كان فيه الوباء يضرب الطلب على النفط عالميا.
وقال "المزروعي": "نحن بحاجة إلى فصل السياسة عن توفير إمدادات الطاقة، وإلا فإن النتيجة ستكون الفقر والركود الاقتصادي". وقال إن مطالبة روسيا بالانسحاب من التحالف ستؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، وهو ما لن تتمكن العديد من الدول من تحمله.
وفوق هذا تعد مقاومة دعوات الولايات المتحدة لمعاقبة روسيا على غزوها لأوكرانيا انعكاسا للتغيير مؤخرا في العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين في المنطقة، وهو ما يتجاوز الحاجة إلى الطاقة وقدرتهم على الاستمرار في توفير إمدادات آمنة.
وفي حين أن الولايات المتحدة تقترب من التوصل إلى اتفاق مع إيران، لم تفوّت السعودية والإمارات الفرصة للإشارة إلى أنه حتى مع تعرض منشآتهما النفطية لهجوم من وكلاء إيران في الأسابيع الأخيرة، فإنهما لم يحاولا معاقبة إيران بإجبارها على الخروج من "أوبك".
وقال "المزروعي": "لا تخبرونا افعلوا هذا أو ذاك. نحن خبراء في مجالنا. وما نقوم به يهدف إلى تحقيق التوازن في سوق النفط لصالح الجميع، بما في ذلك المستهلكين الأمريكيين".