طه العاني - الخليج أونلاين-
تواصل السعودية مساعيها لتنويع أنظمتها الدفاعية، خاصة بعد أن سحبت واشنطن أنظمة باتريوت من المملكة في العام الماضي، وتشير التقارير إلى أن الرياض تتجه لإبرام اتفاقيات لاقتناء منظومة الدفاع الروسية المضادة للصواريخ.
وفي هذا السياق رجح يان نوفيكوف، مدير عام مؤسسة "أنتي –ألماز" الروسية التي تنتج منظومات الدفاع الجوي الصاروخية، بأن السعودية ستبدي اهتماماً بمنظومة "إس-400"، لتكون بديلاً عن المنظومة الأمريكية.
وأضاف نوفيكوف في حديث لمجلة "الدفاع الوطني"، في 26 أبريل الجاري: "نتوقع أن تقوم السعودية، بعد تقييم الأداء العالي لمنظومة الدفاع الجوي الصاروخية إس-400 ومنتجاتنا الأخرى، باختيار موضوعي".
وأشار إلى أن السعودية كانت تقليدياً أكبر مستورد للأسلحة الأمريكية، ومن ضمنها منظومات الدفاع الجوي وأنظمة الدفاع الصاروخي غير الاستراتيجي، في حين لا تملك أنظمة سوفييتية وروسية مماثلة.
وأشار إلى أن الخبراء السعوديين تلقوا معلومات إضافية محدثة حول التكنولوجيا الروسية في معرض الدفاع العالمي، وهو معرض دولي للأسلحة أقيم في الرياض في مارس الماضي، وشاركت فيه "أنتي –ألماز".
معرض الدفاع
وتأتي تلك التصريحات بعد أسابيع من مشاركة الشركات الروسية في معرض الدفاع العالمي بالسعودية، حيث عرض صانعو الأسلحة الروس معدات عسكرية متنوعة، ومنها أسلحة مضادة للطائرات وأنظمة دفاع جوي.
واعتبرت وكالة سبوتنك الروسية بأن شركة "ألماز- أنتي" الروسية المصنعة لوسائط الدفاع الجوي هي أبرز الشركات الروسية التي شاركت في المعرض، حيث عرضت منتجات عسكرية بارزة بينها أنظمة الدفاع الصاروخية من طراز "إس 400" و"إس 350 إي"، بالإضافة إلى صواريخ مضادة للطائرات من طراز "سام أباكان" الاستراتيجية التي تم كشفها للمرة الأولى عام 2021.
وفي هذا الصدد، قال نائب المدير العام لشركة ألماز-أنتي، فياتشيسلاف دزيركالن، في 6 مارس الماضي، بأن الشركة الروسية ستقدم المنتجات الأكثر شعبية والتي تعد مهمة لبلدان شبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وذكر دزيركالن أنه نظراً لزيادة عدد النزاعات المسلحة في العالم، زاد نشاط الجماعات الإرهابية على خلفية توافر التقنيات غير المأهولة، ومن ثم فإن أنظمة الدفاع الجوي الموثوقة والفعالة أصبحت تكتسب أهمية حيوية خاصة للدول.
تنافس أمريكي روسي
يذكر أن التصريحات الروسية الجديدة تأتي على خلاف تصريح سابق أدلى به رئيس قسم التعاون الدولي والسياسة الإقليمية في مجموعة "روستيك" الحكومية الروسية، فيكتور كلادوف، حول تراجع السعودية عن فكرة شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس400" بعد عقدها صفقة أخرى لبديل أمريكي.
ونقل موقع "ديفينس نيوز" الأمريكي، في 18 نوفمبر الماضي، عن كلادوف قوله إن السعودية لم تعد تفكر في شراء سلاح "إس400"، بعد أن اقتنت بديلاً أمريكياً عام 2017، يتمثل في منظومة الدفاع الصاروخي "ثاد"، التي تصنعها شركة "لوكهيد مارتن"، في صفقة قُدرت قيمتها بنحو 15 مليار دولار، في ذلك الوقت.
وكانت السعودية وروسيا قد وقعتا، في أغسطس الماضي، اتفاقية "تهدف إلى تطوير مجالات التعاون العسكري المشترك بين البلدين".
وعقب الاتفاقية قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: إنه "يحث جميع شركاء وحلفاء الولايات المتحدة على تجنب المعاملات الجديدة الرئيسة مع قطاع الدفاع الروسي، كما هو موضح في قانون مكافحة أعداء أمريكا (كاستا)"، في إشارة إلى العقوبات التي يفرضها هذا القانون على أي تعاون عسكري مع روسيا.
كما أعلن مساعد الرئيس الروسي لشؤون التعاون التقني العسكري، فلاديمير كوجين، في فبراير 2018، أنه تم التوقيع على الوثائق الخاصة بتوريد دفعة المنظومات الصاروخية الروسية من طراز "إس-400" للدفاع الجوي إلى المملكة، كما جرى تنسيق كل معايير الاتفاق المناسب.
الحرب الأوكرانية
وتمر العلاقات السعودية الأمريكية بمرحلة من التوتر، وهذا ما دفع المملكة إلى اتخاذ موقف الحياد وعدم الانحياز لأي طرف في العملية العسكرية الروسية التي بدأت في أوكرانيا بتاريخ 24 فبراير الماضي.
وعن أبرز أسباب التوتر، تشير صحيفة "واشنطن بوست" في 31 مارس الماضي، إلى عدم رغبة الإمارات والسعودية في زيادة إنتاج النفط على خلفية ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا والولايات المتحدة، فضلاً عن قضية طبيعة "إدانة" العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا.
وتذكر الصحيفة أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تعتبر "إدانة موسكو" من قبل دول الخليج غير واضحة بشكل كاف.
وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية، في 23 مارس الماضي، يرى مراقبون أن السعودية تحاول استغلال الحرب في أوكرانيا لمزيد من الضغوط على الإدارة الأمريكية، سواء فيما يتعلق بتبعات قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في أكتوبر 2018، أو توريد الأسلحة النوعية والمعدات التي تحتاج إليها الرياض في حربها باليمن، أو الكف عن توجيه الاتهامات بـ"انتهاك حقوق الإنسان" في المملكة، إضافة إلى إجراء اتصال أو عقد لقاء مباشر بين بايدن ومحمد بن سلمان.
وتبرر الإدارة الأمريكية عدم إجراء بايدن أي اتصال بابن سلمان، من منطلق أن الرئيس الأمريكي لا يحادث إلا نظراء له، أي إنه يمكن أن يجري اتصالات مع الملك سلمان، لا مع ولي العهد.
كما يرى محللون أن العلاقات القوية بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دفعت الرياض إلى تبني سياسات أكثر انفتاحاً على موسكو في مجالات اقتصادية وعسكرية.
تراجع أمريكي
ويبدو أن الإدارة الأمريكية أدركت خطأ سحب منظومة باتريوت من السعودية واتخاذ موقف متشدد تجاهها، حيث ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، في مارس 2022، أن هناك قراراً لتعزيز إمدادات المملكة من الصواريخ الاعتراضية، بعد أن نقلت واشنطن عدداً كبيراً من صواريخ باتريوت الاعتراضية المضادة للصواريخ إلى السعودية في الأسابيع الأخيرة.
وتشير صحيفة الوطن السعودية، في 21 مارس الماضي، إلى أن إدارة بايدن تسعى إلى تخفيف ما كان نقطة توتر في العلاقات الأمريكية السعودية.
وأكد ذلك مسؤول كبير في الإدارة، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة قرار لم يتم الإعلان عنه رسمياً، قائلاً: "إن القرار يتماشى مع وعد الرئيس جو بايدن بأن أمريكا ستحظى بدعم أصدقائنا في المنطقة".
وتلفت الصحيفة إلى أن قرار بايدن الذي لم يتم الإعلان عنه يأتي في سياق استرضاء السعودية من جهة، وإعلان المملكة إخلاء مسؤوليتها من أي نقص في إمدادات البترول للأسواق العالمية، في ظل الهجمات التي تتعرض لها منشآتها النفطية من مليشيات الحوثي.
سوق سلاح مفتوحة
ويقول الكاتب والباحث السياسي السعودي، مبارك آل عاتي: إن "السياسة الدفاعية السعودية أصبحت اليوم أكثر واقعية في تحديد أهدافها واحتياجاتها الحقيقية، التي تتواءم مع عقيدة التصنيع السعودية التاريخية وتوطين ما نسبته 25% من الصناعات العسكرية، لتحقيق أهداف استراتيجية على المدى الطويل، واستثمار القدرات المحلية القائمة وتطويرها، إضافة إلى بناء قدرات جديدة في المجالات الصناعية المستهدفة".
ويؤكد، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، أن المملكة أصبحت حريصة دفاعياً على الانفتاح على كل الصناعات والمنتجات التي تسهم في تقوية قدراتها الدفاعية ومن ضمنها الصناعات الروسية.
ويلفت بالقول: "لكن من الواضح أن إتمام صفقات صواريخ (إس 400) خاضعة لطبيعة الارتباط التاريخي للقوات المسلحة السعودية بالصناعات الغربية المتقدمة، وهذا يعني أن السعودية تسير بروية وليست على عجلة من أمرها، خصوصاً أن المسار الدبلوماسي الذي تنتهجه حالياً أصبح يطفئ كثيراً من حرائق المنطقة، مما يعني التروي العسكري في اختيار ما يناسب البلاد عسكرياً".
ويضيف آل عاتي أن "المملكة لديها سوق سلاح مفتوحة وكبيرة، وتتمتع بقرار سيادي يؤهلها لأن تختار ما يتناسب من الاحتياج الفعلي، ولذلك رأينا مئات من شركات السلاح قد تسابقت للمشاركة في معرض الدفاع العالمي الأول في الرياض".
ويشير إلى أن "السعودية إن لم تأخذ صواريخ (إس 400) من روسيا فهي تستطيع أن تأخذ غيره من الصناعات الروسية، بمعنى أن قوة العلاقات السياسية بين القيادتين تسمح بأن يكون التعاون شاملاً في كل المجالات، ومن ضمنها الطاقة النووية للأغراض السلمية".