نيويورك تايمز-
قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن روسيا وسعت علاقاتها مع السعودية كشريك في سياسات النفط في وقت حاولت فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عزلها ومعاقبتها على غزو أوكرانيا.
وفي تقرير أعده كليفورد كراوس قال فيه إنه في الوقت الذي حشدت فيه روسيا قواتها على الحدود الأوكرانية ثم غزتها بداية العام الحالي، قامت شركة المملكة القابضة وبهدوء باستثمار 600 مليون دولار في أكبر ثلاث شركات للطاقة في روسيا. وفي الصيف، عندما خفضت الولايات المتحدة وكندا والدول الأوروبية من كميات النفط الروسي المستوردة، ضاعفت السعودية من حجم استيراداتها من زيت الوقود من روسيا لمحطات الطاقة، بشكل حرر كميات كبيرة من نفطها الخام للتصدير. وفي هذا الشهر اتفقت روسيا والسعودية على توجيه منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط (أوبك) والحلفاء من منتجي النفط على تخفيض أهداف الإنتاج في محاولة لرفع أسعار النفط العالمية التي كانت في تراجع، وهو قرار سينفع البلدين.
ولو تم النظر إلى الأمور معا، فهي تعلم ميلا واضحا من السعودية نحو روسيا وبعيدا عن الولايات المتحدة الأمريكية والتي اصطفت تقليديا معها. ويظل الموقف السعودي بعيدا عن وصفه بتحالف سياسي بين ولي العهد محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنهما اتفقا على ترتيبات تنفع بلديهما معا.
وقال وزير الطاقة الأمريكي السابق بيل ريتشاردسون “من الواضح أن العلاقات السعودية- الروسية تتعمق”. ومن خلال العمل وبشكل مقرب مع روسيا، فالسعودية تجعل من الصعوبة على واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي عزل بوتين.
وفي الوقت الذي تحضر فيه دول أوروبا لاتخاذ قرارات تتعلق بكمية النفط المستورد من روسيا، تقدم الصين والهند والسعودية نفسها كمشتر في اللحظة الأخيرة.
واتسمت العلاقات في أثناء الحرب الباردة بين السعودية والاتحاد السوفييتي السابق بالعداوة، حيث مولت الرياض المجاهدين الأفغان في حربهم ضد الروس أثناء احتلالهم لبلادهم.
ولكن زيادة معدلات إنتاج النفط من الصخر الزيتي والطفرة في الولايات المتحدة وإنتاج الغاز الطبيعي للتأثير على قوة أوبك والدول الكبرى المنتجة للنفط مثل روسيا، وهو ما دفع البلدان للتشارك في مصلحة واحدة. وبعد انهيار أسعار النفط في عام 2014 و2015، تعاونت موسكو والرياض لمنع الولايات المتحدة الهيمنة على سوق الطاقة العالمي.
واتفقت روسيا والسعودية في عام 2016 على توسيع كارتل الدول المنتجة والمصدرة للنفط إلى أوبك بلاص. واستمرت العلاقة بينهما باستثناء فترة الخلاف القصيرة عام 2020، عندما لم يتفق البلدان على ما يجب عمله مع بداية وباء كورونا وانهيار أسعار النفط.
ويرى المحلل السابق في سي آي إيه ومؤلف كتاب “ملوك ورؤساء: السعودية والولايات المتحدة منذ فرانكلين ديلانو روزفلت” أن “لدى الروس والسعوديين نفس المصلحة في رفع أسعار النفط وعززت الحرب الأوكرانية هذا”. ووجدت السعودية في روسيا شريكا مفيدا في إدارة أوبك بلاص وهي مجموعة من الدول المنتجة للنفط متشرذمة وبأهداف مختلفة حول كيفية التحكم بإمدادات وأسعار النفط.
وتعمل المنظمة الأن بشكل وثيق مع وزير النفط الروسي السابق ألكسندر نوفاك، نائب رئيس الوزراء الروسي الذي يصفه المحللون بالشخص المستعد للجلوس ولساعات مع الدول المنتجة للنفط والاستماع لخططها ومظاهر قلقها وتظلماتها.
وبقرار تخفيض معدلات إنتاج النفط وبنسب بسيطة هذا الشهر، أظهرت أوبك استقلاليتها عن الرئيس بايدن، الذي زار السعودية في تموز/ يوليو وتبادل القبضة مع ولي العهد السعودي، فيما نظر إليها كمحاولة لإعادة العلاقات الأمريكية- السعودية بعد انتقاده للمملكة في حملته الرئاسية عام 202 لقتل الصحافي جمال خاشقجي.
وظل بايدن يحث دول أوبك على رفع الإنتاج، إلا أن تخفيف الإنتاج عكس سياسة الكارتل القائمة على الزيادة التدريجية للإنتاج. وطالما تحالفت السعودية مع الولايات المتحدة بما في ذلك الجهود الهادئة لتحسين العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، لكن المحللين يرون أنها تعطي الأولوية لمصالحها التجارية، حتى في الوقت الذي يحاول فيه الغرب عزل بوتين ومعاقبته على الحرب.
ويرى جيم كرين، الخبير بالشرق الأوسط في جامعة رايس “من المدهش نجاح روسيا الحفاظ على السعودية بجانبها”. و”هدف بوتين هو الدخول بين الولايات المتحدة وحلفائها، وفي حالة العلاقات الأمريكية- السعودية فقد حقق بعض التقدم”.
ويحاول مدراء شركات النفط ودول الخليج عمل ما هو جيد لهم، بحسب سداد إبراهيم الحسيني، المدير السابق في شركة أرامكو “القرارات هي لحماية المصالح التجارية السعودية وهي منطقية من المنظور السعودي الاقتصادي”.
ويقول مدراء النفط في الشرق الأوسط إن الولايات المتحدة والدول الغربية لم تكن حليفة يعول عليها في مجال النفط لأنها تريد فطم العالم عن الوقود الأحفوري ومعالجة مشاكل البيئة.
وقال بدر جعفر مدير شركة بترول الهلال في الإمارات “سنوات من سياسة الطاقة المنفصمة في أوروبا وأمريكا تسببت بمخاطر لأمن الطاقة والتي تحاول الدول الكبرى المنتجة للطاقة التكيف معها”. و”ستواصل رقعة الشطرنج للطاقة بالتحول في الأشهر والسنوات المقبلة”.
وربما نظر للكثير من الخطوات السعودية باتجاه روسيا كمحاولات انتهازية للحصول على أموال سهلة. وعندما تراجعت أسهم شركة غازبروم وروزنفط ولوكويل، كبرى شركات النفط الروسية، بسبب العقوبات الغربية، قام الأمير الوليد بن طلال باستثمار 600 مليون دولار فيها حسب الإيداعات التنظيمية. ولدى هيئة الاستثمارات العامة التي يترأسها ولي العهد حصة قليلة في مجموعة المملكة القابضة.
ويمثل الاستثمار نصف أسهم استثمار الشركة العالمية في النصف الأول من العام الحالي، في وقت أعلنت فيه الشركات الغربية عن مغادرة روسيا، وكان أكبر استثمار منذ إعلان هيئة الاستثمارات العامة عن استثمار 10 مليارات دولار في روسيا عام 2015. وليس من الواضح فيما إن استثمرت السعودية هذا المبلغ أم لا.
ويرى غريغوري غوس، الخبير في سياسة الشرق الأوسط بجامعة (تكساس أند إي أم) أن “غالبية استثمارات السعودية في قطاع الطاقة الروسي هي من أجل مقاربة المصالح السعودية والروسية والحفاظ على أسعار النفط”.
ومنذ بداية نيسان/ إبريل زادت السعودية والإمارات من حجم استيراد النفط الروسي المكرر واستخدامه في محطات الطاقة. ومن خلال هذا يستطيع البلدان زيادة حجم تصدير النفط الخام وبأسعار مرتفعة للدول الأخرى. ووصل حجم الإمدادات المباشرة من روسيا إلى السعودية في تموز/ يوليو 76.000 برميل في اليوم، وهي أعلى نسبة منذ 2018، حسب كيبلر، وهي مؤسسة بيانات.
ويقول فيكتور كاتونا، المحلل في كيبلر إن إمدادات غير مباشرة ربما دخلت السعودية عبر مصر وإيستونيا ولاتفيا. وكان معظم زيت الوقود يذهب إلى الولايات المتحدة حيث يتم تكريره في مصافي غالف كوست وتحويله إلى بنزين وديزل وأنواع أخرى من الوقود، إلا أن منع أمريكا النفط الروسي جعل مصدرو النفط الروسي يبحثون عن مشترين وبأسعار تفضيلية.
واشترت دول أخرى مثل الصين والهند النفط الروسي وبأسعار مخفضة بنسبة 30% أو أكثر. وانخفض الاستيراد السعودي مع نهاية الصيف وربما زادت في العام المقبل.
وتميزت العلاقات الروسية- السعودية بتعدد الوجوه، فقد دعم البلدان فصيلا في ليبيا حاول السيطرة على البلاد، إلا أن موسكو دعمت إيران وسوريا التي تعارضهما الرياض. ولم يقل ولي العهد السعودي الكثير عن الحرب في أوكرانيا، لكن الرياض صوتت مع الغالبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار الذي شجب الغزو، وزادت من صادراتها إلى أوروبا حيث عوضت بعضا من النفط الروسي بسبب توقف استيراده.
وتقول هيلما كروفت، من أر أند بي كابيتال ماركيتس “من وجهة نظر السعودية، فهي لا تريد وبالتأكيد أن تضع نفسها وسط الخلاف الغربي الروسي”. ويجب عدم فهم التردد بأنه حياد، وكما يقول روبرت جوردان، السفير الأمريكي السابق في السعودية فالتعامل مع روسيا ربما كانت محاولة لإظهار استقلالية السعودية عن التأثير الأمريكي.