أشرف كمال - الخليج أونلاين-
شهدت العلاقات الأمريكية السعودية تدهوراً مفاجئاً ومتسارعاً خلال الأيام القليلة الماضية بسبب ما تعتبره واشنطن اصطفافاً من الرياض إلى جانب موسكو في حربها المتواصلة على أوكرانيا، وهو ما تنفيه المملكة وتعتبره محاولة لفرض إملاءات مرفوضة.
وجاء التصعيد بين الحليفين الاستراتيجيين بعد ثلاثة أشهر فقط من زيارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن للمملكة، والتي كانت خطوة واسعة لتجاوز حالة الفتور التي سيطرت على العلاقات منذ وصوله إلى البيت الأبيض مطلع العام الماضي.
وساد الخلاف مجدداً بعد مضي تحالف "أوبك+" قدماً في قرار خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، رغم محاولات أمريكية وصلت إلى درجة الضغط لإرجاء القرار.
وبينما تقول الرياض إن القرار اتخذ بإجماع الدول الـ23 الأعضاء في التحالف وإنه يستهدف إعادة الاستقرار للسوق وكبح جماح تراجع الطلب، تقول واشنطن إن الرياض أرغمت شركاءها على الخفض.
وترى الولايات المتحدة الأمريكية أن السعودية بموقفها هذا تدعم خزانة الكرملين وتقلل تأثير العقوبات المفروضة عليه لإجباره على وقف الحرب، وهو ما نفته الرياض بشكل قاطع.
اتهامات أمريكية ونفي سعودي
في مقابلة مع "CNN"، يوم 12 أكتوبر 2022، اتهم الرئيس الأمريكي المملكة صراحة بدعم موسكو، وقال إنها "ستتحمل عواقب هذا القرار". كما اتهم المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، الرياض بدعم بوتين اقتصادياً وعسكرياً ومعنوياً.
لكن الرياض نفت اتهامات واشنطن واعتبرتها تحويراً سياسياً لقرارات اقتصادية صرفة، وقالت إنها ما تزال راغبة في مواصلة شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، لكنها في الوقت نفسه "لا تقبل لغة الإملاءات".
وقالت الخارجية السعودية في بيان إن واشنطن طلبت إرجاء قرار خفض الإنتاج شهراً، أي إلى ما بعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، والتي ربما تحسم مصير بايدن في انتخابات 2024.
هذا الحديث السعودي يعني بوضوح أن إدارة بايدن تتحرك بدوافع سياسية داخلية ومن أجل تجاوز عقبات انتخابية وليس من أجل خفض أسعار الوقود أو كبح قدرات بوتين على مواصلة الحرب، يقول مراقبون.
موقف الرياض من الحرب
منذ اندلاع القتال أواخر فبراير الماضي، أبدت المملكة ودول خليجية أخرى موقفاً متوازناً من الأزمة التي تتسع رقعتها يومياً وتلقي بمزيد من المخاوف على مستقبل العالم أمنياً واقتصادياً.
ففي حين حاول الأمريكيون حشد العالم كله في مواجهة الرئيس الروسي الذي أدخل أوروبا في صراع وجود هو الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية، كان السعوديون ملتزمين بالقوانين الدولية، وليس بما تريده واشنطن.
فقد دانت المملكة الغزو رسمياً أمام الجميعة العامة لللأمم المتحدة في مارس الماضي، وأكدت مراراً رفضها عسكرة الخلافات السياسية، ثم صوتت لقرار الجمعية الأممية في 13 أكتوبر الجاري، بإدانة ضم روسيا لأربع مناطق شرقي أوكرانيا هي: دونيتسك، ولوغانسك، وزاباروجيا، وخيرسون.
والشهر الماضي، توسط ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لإطلاق سراح عشرة أسرى لدى الجانبين بينهم أمريكيان، وقد شكره البيت الأبيض على ذلك.
وفي أبريل الماضي، وجه الملك سلمان بن عبد العزيز بتقديم 10 ملايين دولار لدعم اللاجئين الأوكرانيين في دول الجوار، ثم قدمت مبلغاً مماثلاً في أغسطس كمساعدات طبية وإيوائية للاجئين من أوكرانيا تستهدف أكثر من مليون شخص. ثم أعلنت، (15 أكتوبر 2022)، دعماً مالياً إنسانياً لأوكرانيا بقيمة 400 مليون دولار.
وأجرى الأمير محمد بن سلمان اتصالاً هاتفياً بالرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينيسكي، يوم الجمعة 14 أكتوبر 2022، حيث شكره الأخير على رفض المملكة الضم الروسي لبلاده، ودعمها المالي والإنساني لها.
وقال زيلينسكي في تغريدة إن ناقش مع ولي العهد السعودي مواصلة دعم المملكة لكييف مالياً، وأيضاً مواصلة العمل على تسهيل تبادل الأسرى.
تفاهمات سعودية روسية
على الرغم من ذلك لم تلتزم الرياض ولا غيرها من دول الخليج بالعقوبات الساحقة التي فرضتها واشنطن والاتحاد الأوروبي على موسكو، ولم تقاطعها وحافظت على علاقات قوية معها.
كما لم تسحب الرياض استثماراتها من موسكو ولم توقف عجلة الترتيب لمزيد منها مستقبلاً، وقد أكد نائب رئيس الحكومة الروسية ألكسندر نوفاك، في يونيو الماضي، أن هناك استثمارات مشتركة بملياري دولار، وأن اللجنة المشتركة ناقشت استثمارات بعشرات مليارات الدولارات.
وفي منتصف أغسطس 2022، أعلنت شركة "المملكة القابضة"، التي يملكها الأمير الوليد بن طلال وتملك الدولة حصة منها، أنها ضخت استثمارات جديدة في ثلاث من كبريات شركات الطاقة الروسية.
وأوضحت الشركة، في بيان على حسابها في موقع "تويتر"، أنها استثمرت نحو مليارَي ريال سعودي (520 مليون دولار) في شركات "غازبروم" و"روسنفت" و"لوك أويل" في الربع الأول من هذا العام، وهي الفترة نفسها التي انطلق فيها الغزو الروسي لأوكرانيا (24 فبراير).
وأشارت الشركة إلى أن استثماراتها هذه تندرج ضمن برنامج استثماري كبير للشركة مدته ثلاث سنوات، وتبلغ قيمته الإجمالية 12.8 مليار ريال (3.4 مليارات دولار).
صحيفة "الغارديان" البريطانية نشرت تحليلاً لمراسلها في الشرق الأوسط مارتن شولوف، قالت فيه إن الرياض اختارت تعميق علاقاتها مع بوتين، واعتبرت أن قرار "أوبك+" الأخير علامة على ذلك.
على الرغم من ذلك، نقلت الصحيفة عن روبن ميلز ، الرئيس التنفيذي لشركة "مون" للطاقة، أن الرياض تفعل ما تريده في سوق النفط بعيداً عما تريده واشنطن، لكنها كانت في السابق أكثر مراعاة لمشاعر الأمريكيين، والآن هي لا تفعل ذلك.
كما نقلت "الغارديان" عن مسؤول بريطاني لم تسمه أن صفقة تبادل الأسرى التي توسطت فيها الرياض "كانت هدية من بوتين لولي العهد السعودي، الذي تعمد إعادة بايدن خالي الوفاض من جدة"، مضيفاً: "الأمير محمد يشارك بوتين كراهية بايدن".
المحلل العراقي د.ناصر الدريد، يرى أن الولايات المتحدة لم تعد تضع المنطقة والسعودية تحديداً على قائمة أولويات أمنها القومي، كما كانت في السابق، مشيراً إلى أن السعودية ترى ذلك جيداً.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين"، قال "الدريد" إن السعودية تأففت من هذا الموقف الأمريكي من المنطقة، ومن ثم فهي تضغط على بايدن في مرحلة حساسة، وصولاً إلى مرحلة العداء.
لكن الدريد يعتقد أن قراءة الرياض للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، كضامن لأمنها أو لإعادة الولايات المتحدة للمنطقة ليست موفقة؛ لأن ترامب لم يفعل شيئاً حقيقياً لإنهاء التهديد الإيراني، ولا حتى التهديد الحوثي في اليمن.
وخلص الدريد إلى أنه من الصعب الجزم بفرضية انحياز الرياض لموسكو من عدمه في اللحظة الراهنة، وقال إن الموقف الحقيقي سيتضح بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، وإن كانت الأمور لا تبشر بخير بين الجانبين.