بيتر إيساكسون- فير أوبزيرفر- ترجمة الخليج الجديد-
عبر مصافحة بقبضة اليد أثناء زيارة للسعودية في يوليو/تموز الماضي، حاول الرئيس الأمريكي "جو بايدن" صنع سلامه غير المريح مع ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" الذي سبق أن اعتبره "قاتلا"، والمملكة التي سبق ووصفها بـ"المنبوذة"، ليعقب ذلك بعد شهرين فقط تعهد أخر من الرئيس الأمريكي بمواجهة الأمير الخليجي ومراجعة العلاقات مع الدولة الغنية بالنفط ومعاقبتها.
هكذا أفاد الكاتب "بيتر إيساكسون" في تحليل نشرته مجلة "فير أوبزيرفر" الأمريكية، وسلط من خلاله الضوء على أسباب وتداعيات تدهور العلاقات مؤخرا بين واشنطن والرياض على خلفية خفض تحالف "أوبك+" إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا؛ ما أدي إلى ارتفاع أسعار الخام بشكل كبير.
وذكر الكاتب أن "بايدن" كان يأمل في أن تساعد المملكة، الحليف التقليدي لبلاده، في الحفاظ على أسعار النفط، مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، مشيرا إلى أنه من منظور "بايدن" فإن السعوديين كان يتوجب عليهم أن يكونوا مطيعين ويخفضوا أسعار الخام؛ لأن هذا هو دورهم التقليدي.
لكن بعد ذلك، جاءت مفاجأة أكتوبر/تشرين أول المخيفة، والتي صدمت "بايدن"؛ إذ قرر تحالف "أوبك+" خفض إنتاجه من النفط بشكل غير متوقع؛ ما أدى إلى رفع أسعار النفط في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم.
ولفت الكاتب إلي أنه كان على "ولي العهد السعودي" أن يعرف أن مخالفة طلبات الولايات المتحدة المحسوبة بحكمة دائمًا، يمكن أن تكون محفوفة بالمخاطر، فلن تتحمل الولايات المتحدة عصيان المملكة.
وأضاف أنه يبدو أن رد فعل "بايدن" كان أعمق من المعتاد بالنظر للخلافات السابقة بين واشنطن والرياض، لا سيما أن السعودية، التي تقود "أوبك+"، اختارت أسوأ لحظة ممكنة للقيام بذلك، في إشارة إلى تزامن قرار خفض الإنتاج مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.
وأورد الكاتب تعليق صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في هذا الصدد التي قالت إن توقيت خفض "أوبك+" لإنتاج النفط، الذي يأتي قبل شهر من انتخابات التجديد النصفي الأمريكي كان بمثابة صفعة سياسية شخصية لـ"بايدن" وفق توصيف البعض في دائرة الرئيس.
وأضاف الكاتب أن قرار الخفض كان بمثابة إهانة شديدة من قبل "محمد بن سلمان" لـ"بايدن" لدرجة أن البيت الأبيض الآن يشكك رسميًا في العلاقة المستقرة والوثيقة بين الرياض وواشنطن.
وعقب: "علمنا الأسبوع الماضي أن الرئيس بايدن بدأ عملية إعادة تقييم للعلاقات، وربما يغير علاقة الولايات المتحدة مع السعودية بعد قرار أوبك+".
وعلق الكاتب أنه وفق السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فقد تم تطبيق مجموعة متباينة من الإجراءات العقابية الشديدة في كثير من الأحيان، ضد أي حليف لم يحترم أو فشل في الالتزام بالنهج أو الخط الأمريكي المرسوم له.
وذكر الكاتب أن السعوديين يرون أن "بايدن" يركز على انتخاب الديمقراطيين للكونجرس أكثر من تركيزه على تخفيف آلام المواطنين الأمريكيين، غير أن فريق الرئيس الأمريكي نفى وجود أي دافع انتخابي بحت.
وفي المقابل، اتهم منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض "جوني كيربي"، السعودية بإكراه أعضاء "أوبك+" على تأييد قرار لم يوافقوا عليه، وهو خفض إنتاج التحالف للنفط. كما اتهمت واشنطن الرياض بالانحياز إلى جانب روسيا في حربها ضد أوكرانيا ورد السعوديون بدورهم بأن القرار كان فنيا.
واعتبر الكاتب أنه مع عدم رغبة أي من الجانبين في التراجع عن موقفهما، انتهى النقاش بتوعد "بايدن" المملكة بعقوبات لم يتم تحديد شكلها.
وقال "بايدن" في مقابلة مع شبكة "سي إن إن"، الثلاثاء، إن هناك "بعض العواقب لما فعلوه (السعوديون) مع روسيا.. لن أخوض فيما أفكر فيه وما يدور في ذهني، ولكن سيكون هناك عواقب.. الوقت قد حان لواشنطن لإعادة التفكير في علاقتها بالمملكة".
وعلق الكاتب قائلا إنه "رغم أن البعض يدعي أن الأمر كله يتعلق بأمل السعوديين في رؤية "دونالد ترامب" في البيت الأبيض مرة أخرى، إلا أن الخلاف بين الولايات المتحدة والسعودية حقيقي ومن المرجح أن يكون دائما".
وتابع: "ربما بدأ الأمر بجريمة القتل المروعة للصحفي جمال خاشقجي قبل أربع سنوات، لكنه أصبح الآن دراما نفسية جيوسياسية مرتبطة بالتأثير الاستقطابي لحرب أوكرانيا؛ فالتحالفات، التي كانت تعتبر غير قابلة للكسر، اتضحت هشاشتها الآن بشكل لا لبس فيه، وستظهر تحالفات جديدة بلا شك، لكن لأي غرض؟، لا أحد يعرف".
واستطرد: "يبدو أن تصاعد عدم الاستقرار في الواقع الجيوسياسي الذي لم تعد تسيطر عليه واشنطن (على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية)، ولا الأمم المتحدة، يقترب من نقطة التحول. وعندما تصبح الأمور قاتمة، تصبح التشكيلات الجديدة للتحالفات حتمية، كما لا يمكن التنبؤ بها".
وتوقع الكاتب أن يُنزل البيت الأبيض عقوبات على السعودية بسبب سلوكها السيء، تشمل "الحد من التعاون الأمني، وخفض مبيعات الأسلحة، ورفع إعفاء أوبك+ من قوانين مكافحة الاحتكار الأمريكية".
واستشهد الكاتب بتعليقات السيناتور الأمريكي "كريس مورفي" لشبكة "سي إن إن" التي قال فيها: "أردنا أن نعرف أنه عندما تكون هناك أزمة عالمية فإن السعوديين سيختاروننا نحن بدلا من روسيا، لكنهم لم يفعلوا ذلك، قرروا دعم روسيا ورفع أسعار الوقود؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى إحداث صدع في تحالفنا بأوكرانيا".
وتابع "مورفي": "لا بد أن يكون هناك عواقب لذلك، سواء برفع الحصانة عن العصابة أو إعادة التفكير في وجود جنودنا هناك وعلاقتنا الأمنية.. اعتقد أن الوقت قد حان للاعتراف بأن السعوديين لا يهتمون بمصلحتنا".
وعقب الكاتب أن تعليقات "مورفي" تبدو وكأنها شكوى من حبيب تم التخلي عنه، وهذا يعني أن العاطفة من المرجح أن تتفوق على العقل.
لكن الأمر يزداد سوءا؛ فقد ذكرت "سي إن إن" أن البيت الأبيض وزع "مسودة نقاط الحوار" على وزارة الخزانة الأمريكية، والتي صاغت احتمالية اعتبار خفض إنتاج النفط "عملا عدائيا" ضد الولايات المتحدة.