سلمى حداد - الخليج أونلاين
تواصل روسيا مساعيها لتعزيز حضورها في منطقة الشرق الأوسط في ظل تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية والتقارب مع المملكة العربية السعودية والإمارات ضمن تحالف "أوبك+" النفطي الذي يلعب دوراً مهماً في سوق الطاقة العالمية ويملك أورق قوة متعددة.
وفي أحدث الخطوات الروسية في طريقها نحو المنطقة، كشفت عن عرضها الوساطة بين السعودية وإيران لاستعادة العلاقات بين الدولتين.
ورد ذلك على لسان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى منطقة الشرق الأوسط ودول أفريقيا ميخائيل بوغدانوف، في تصريحات نقلتها وكالة "تاس" الروسية.
وكان بوغدانوف يرد على سؤال عما إذا كانت موسكو على اتصال مع الرياض وطهران، وسط تقارير بأن إيران قد تشن هجوماً على السعودية، حيث قال: "بالطبع نحن على اتصال بكل من أصدقائنا السعوديين وأصدقائنا الإيرانيين".
وأضاف: "نحن مع حل جميع سوء الفهم والتناقضات في إطار حوار بناء على طاولة المفاوضات".
وتابع قائلاً: "لقد كنا دائماً على استعداد، ونبذل بالفعل جهوداً لأداء دور وساطة معين، إذا طلب أصدقاؤنا ذلك في الرياض وطهران".
وفي 1 نوفمبر الجاري، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين سعوديين وأمريكيين أن المملكة تبادلت معلومات استخبارية مع الولايات المتحدة بشأن "هجوم إيراني وشيك" على أهداف في السعودية.
مساع سابقة
العرض الروسي هذا ليس جديداً؛ ففي 21 فبراير الماضي، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن بلاده مستعدة للتوسط بين إيران والسعودية، مشيراً إلى أن موسكو عرضت مراراً رعاية اجتماعات بين الجانبين.
ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن بوغدانوف قوله آنذاك: "إن موسكو عرضت مراراً التوسط بين طهران والرياض، وإنها مستعدة لاستضافة اجتماع رسمي أو غير رسمي بين البلدين"، مؤكداً أن عرض بلاده "ما يزال مطروحاً على الطاولة".
والعروض الروسية تأتي في ظل محادثات فعلية بدأت العام الماضي بين السعودية وإيران بوساطة عراقية، وكانت جولتها الأخيرة في بغداد بأبريل الماضي، ووصفت بأنها شهدت تقدماً بالمحادثات.
ولكن منذ الجولة الأخيرة لم يحدث أي تقدم على أرض الواقع بين طهران والرياض، لذلك جاء عرض موسكو الأخير في محاولة لتحريك المياه الراكدة.
روسيا وإيران
ولا يخفى على أحد أن روسيا حليفة وطيدة لإيران في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وبينهما تنسيقاً كاملاً في المواقف السياسية بالشرق الأوسط.
وقاتلت موسكو وطهران في نفس الجانب في سوريا، ودعمتا نظام بشار الأسد، وهو حليف مشترك بينهما.
كما نمت العلاقة بشكل أوثق هذا العام، ونشأت في سلسلة من الاجتماعات بين المسؤولين الروس والإيرانيين، كان أبرزها لقاء الرئيس الروسي فلادمير بوتين، في يوليو الماضي، مع المرشد الأعلى لإيران، آية الله خامنئي، الذي تبنى الرواية الروسية بأن موسكو ليس لديها خيار سوى غزو أوكرانيا للدفاع عن نفسها من هجوم محتمل.
وفي اجتماع عقد في أكتوبر الماضي، زار النائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر ومسؤولون أمنيون إيرانيون موسكو، حيث اتفقوا على شحنات أسلحة جديدة، حسب وكالة "رويترز".
وفي تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، في 29 أكتوبر الماضي، قال محلل شؤون إيران والشرق الأوسط الأمريكي راي تاكيه: "هناك شيء مشترك بين النظام الإيراني والاتحاد الروسي ومن المرجح أن يتكثف مستوى المشاركة بين الدولتين خلال الفترة المقبلة".
وأضاف تاكيه أن "الاضطرابات السياسية الأخيرة في إيران تؤدي إلى زيادة احتمالية لجوء النظام هناك إلى روسيا للحصول على الدعم، مع قدرة موسكو على استخدام حق النقض (الفيتو) كعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنع أي عمل ضد طهران".
الرياض وموسكو
أما على صعيد العلاقات بين روسيا والسعودية، فإن ما يقود هذه العلاقات إلى الأمام المصالح الاقتصادية الكبرى بين البلدين والتوتر الحاصل بين الرياض وواشنطن بسبب رفض الأولى الانصياع لرغبات البيت الأبيض بزيادة إنتاج النفط الخام.
وكتبت مؤسسة "كارنيجي" للسلام الدولي مؤخراً، أن بوتين يمكنه استخدام القوة النفطية الروسية، جنباً إلى جنب مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، لإيذاء خصومه الغربيين، حسب "واشنطن بوست".
وترى السعودية وآخرون أن اهتمام واشنطن بمنطقتهم قد تراجع، مما جعل التعاون مع موسكو أكثر إثماراً بالنسبة لهم، وفق تقرير "كارنيجي".
ومما يدل على هذا التقارب تصريحات بوتين الشهر الماضي، التي أشادت فيها بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
وقال بوتين في خطاب له، إن "محمد بن سلمان يسعى فقط لتحقيق مصالحه الوطنية بقراره خفض إنتاج النفط".
وأضاف: "إنني أعرف ولي العهد شخصياً جيداً. إنه يريد أن يوازن أسواق الطاقة.. وبالنسبة لأسواق الطاقة الدولية، فإن أهم شيء هو القدرة على التنبؤ والاستقرار.. هذا كل ما يهم، وولي العهد يسعى لتحقيق ذلك".
ما مصلحة روسيا؟
ولكن ما مصلحة روسيا من إعادة العلاقات بين السعودية وإيران؟ ... يجيب عن ذلك مدير البحث العلمي بمعهد حوار الحضارات، أليكسي مالاشينكو، في تصريحات لصحيفة "فزغلياد" الروسية الإلكترونية.
وقال مالاشينكو: "أي صراع في المنطقة، بالنسبة لروسيا، غير محبذ وغير مربح".
وأضاف: "لدى موسكو علاقات ممتازة مع إيران وعلاقات غير سيئة مطلقاً مع السعودية، ويتعين عليها اتخاذ موقف فنحن لسنا بحاجة على الإطلاق لمشاكل إضافية".
كما أن روسيا تريد أن تحقق ما هو عكس رغبة أمريكا بإصلاح العلاقات بين الرياض وطهران، وبشأن ذلك يقول الأستاذ بجامعة موسكو الحكومية، ألكسندر فافيلوف، إن "للولايات المتحدة مصلحة في هذا الصراع"، حسب "فزغلياد".
وتابع:"نرى، على ما يبدو، استفزازاً إعلامياً من قبل واشنطن. يحاول البيت الأبيض الضغط على الدولتين في وقت واحد، لأن علاقات الولايات المتحدة سيئة الآن مع كليهما".
لكن هل تنجح موسكو؟
وفي معرض إجابته عن هذا السؤال، رأى حسن عبد الله الدعجه، رئيس قسم الإعلام والدراسات الاستراتيجية بجامعة الحسين بن طلال الأردنية، أن |الاتصالات والأبواب مفتوحة بين روسيا والسعودية من جهة وموسكو وطهران من جهة أخرى، وهذا مهم بملف الوساطة".
وقال د. الدعجة في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "أعتقد أن روسيا مؤهلة لأن تقوم بدور الوساطة بين السعودية وإيران على أكمل وجه وتستطيع تهدئة الأوضاع بين البلدين".
ورأى أن "السعودية تريد السلام في المنطقة ولا تتدخل في شؤون الدول الأخرى"، معتقداً أن "ادعاءات إيران بشأن السعودية محاولة لتصدير مشاكلها الداخلية وتعليق أسبابها على الدول المحيطة وخصوصاً الرياض" في إشارة إلى التظاهرات التي تشهدها إيران احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية السيئة من ارتفاع للضرائب والبطالة والتضخم.
وفيما يتعلق بقدرة روسيا على التدخل لحل الأزمة السعودية الإيرانية في ظل حالة العزلة الدولية التي يروج الغرب بنجاحه بوضع موسكو فيها، علق د.الدعجة: "أعتقد أن روسيا لا تعيش في عزلة والذي يعيش في عزلة هو الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية".
وأضاف: "روسيا والصين ودول شنغهاي والبريكس التي ستنضم إليها السعودية لاحقاً ستصل إلى تشكيل عالم مواز لعالم الغربي وهو ما يزعج أوروبا وأمريكا".
وتابع: "العالم بدأ يتغير ويتحول نحو تعددية الأقطاب والتنافس على المكانة رقم واحد في الوقت الحالي على أوجها بين الصين والولايات المتحدة".
ورأى أن "روسيا لديها المجال الواسع واتصالاتها في الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص الدول العربية ويمكن أن يكون لها دور سياسي مهم بالمنطقة وضمن ذلك أزمة السعودية وإيران".