طه العاني - الخليج أونلاين-
حافظت دول مجلس التعاون الخليجي على موقف الحياد الإيجابي تجاه الحرب الروسية في أوكرانيا والتي اندلعت في مثل هذا اليوم قبل عام، وتركت تداعيات اقتصادية وتوترات واسعة على الساحة الدولية.
ومنذ بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، في 24 فبراير 2022، أصدرت دول الخليج بيانات عديدة دعت فيها جميع الأطراف إلى خفض التصعيد واللجوء إلى الحلول السلمية، من دون توجيه انتقادات مباشرة إلى موسكو.
موقف حيادي
وتتفق الرؤية الخليجية حول الأزمة الأوكرانية على ضرورة الالتزام بالقوانين الدولية واعتماد الحلول السلمية لتسوية النزاع القائم هناك.
وأعلنت دول مجلس التعاون الخليجي، في 2 يونيو 2022، عن موقفها الموحد من ملف الحرب الروسية في أوكرانيا، وذلك في البيان الختامي لاجتماع المجلس على مستوى وزراء الخارجية.
وأشارت وكالة الأنباء السعودية حينها إلى تأكيد المجلس الوزاري على أن موقف مجلس التعاون من الأزمة الروسية الأوكرانية مبني على مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، والحفاظ على النظام الدولي القائم على احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها.
وجدد المجلس الوزاري دعمه لجهود الوساطة لإنهاء الحرب، ووقف إطلاق النار، وحل الأزمة سياسياً، وتغليب لغة الحوار، وتسوية النزاع من خلال المفاوضات.
وأعربت دول الخليج عن دعمها الكامل لجميع الجهود لتسهيل تصدير الحبوب وكافة المواد الغذائية والإنسانية من أوكرانيا للمساهمة في توفير الأمن الغذائي للدول المتضررة، مؤكدة مواصلة تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية الخليجية لأوكرانيا.
عدم الانحياز
واتخذت العديد من دول الخليج مواقف تؤكد التزامها بعدم الانحياز لأي طرف في الأزمة الأوكرانية وتداعياتها المتفاقمة.
وقررت أبوظبي، في مارس 2022، الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن لصالح قرار يدين العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وفي السياق ذاته رفضت الرياض ودول خليجية أخرى دعوات أمريكية لضخ مزيد من النفط لخفض أسعار الوقود العالمية، مع وصول سعر البرميل إلى 100 دولار لأول مرة منذ 8 سنوات.
فيما أعلنت الدوحة، في أكتوبر 2022، رفض إحلال الغاز القطري بديلاً عن الروسي، مؤكدة أنها لن تحول شحنات الغاز من آسيا إلى أوروبا في الشتاء، وبالتزامن مع سعي بروكسل لتغيير قواعد سوق الغاز بهدف خفض الأسعار.
وكان وزير الطاقة القطري سعد الكعبي قد قال، في فبراير 2022، إنه "لا قطر ولا أي دولة أخرى لديها القدرة على استبدال إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا بالكامل - في حال حدوث الأسوأ - بالنظر إلى أنها مسؤولة عن نحو نصف ما تحتاجه القارة".
وساطات خليجية
واستثمرت دول الخليج موقفها الحيادي لدخول مفاوضات وساطة والحصول على فرص اقتصادية ودبلوماسية كبيرة.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، في 4 فبراير 2023، نجاح عملية تبادل أسرى مع كييف بعد مفاوضات صعبة جرت بوساطة إماراتية، شملت 63 جندياً من الأسر بعضهم من "فئة حساسة".
وتعد هذه ثاني صفقة لتبادل الأسرى مع سلطات كييف، منذ بداية العام الجاري، حيث عاد، في 8 يناير، 50 مقاتلاً روسياً من الأراضي التي تسيطر عليها كييف.
من جانبها قادت الرياض وساطة في سبتمبر 2022، أسفرت عن إطلاق سراح 10 أسرى من 5 دول.
ولم تتوقف مهمة السعودية والإمارات عند صفقة التبادل بين روسيا وأوكرانيا، حيث نجحتا أيضاً في إتمام صفقة بين الولايات المتحدة وروسيا، في ديسمبر 2022، أسفرت عن تبادل سجينين.
كما أبدت الدوحة، في يونيو 2022، استعدادها للمساهمة في حل الأزمة الروسية الأوكرانية، وفق ميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الراسخة للقانون الدولي.
جاء ذلك خلال اجتماع عقده وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مع نظيره الروسي سيرغي لافروف بالعاصمة السعودية الرياض على هامش الاجتماع الوزاري المشترك بين مجلس التعاون الخيلجي وروسيا.
وجدّد وزير الخارجية القطري، خلال الاجتماع، استعداد بلاده "للمساهمة في كل جهد دولي وإقليمي لإيجاد حل سلمي فوري لهذه الأزمة".
رفض العقوبات
وأعربت دول الخليج عن رفضها للعقوبات التي فرضها الغرب على موسكو لثنيها عن مواصلة العملية العسكرية في أوكرانيا.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في 1 يونيو 2022، إن دول الخليج أكدت عدم مشاركتها في تبني العقوبات الغربية الموقعة على روسيا.
وأضاف لافروف، في كلمة عقب اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا: "شركاؤنا في منطقة الخليج يتفهمون طبيعة الصراع الدائر، وأكدوا موقفهم أنهم لن ينضموا إلى العقوبات الغربية ضد روسيا وبيلاروسيا".
وفيما حذّر بعض المسؤولين الأمريكيين من مخاطر استخدام الروس للإمارات للإفلات من العقوبات، أكد مسؤولون إماراتيون أن بلادهم مستقلة وتحترم القانون الدولي، لكنها غير ملزمة بالتقيد بالعقوبات المفروضة من قبل ولايات قضائية بشكل منفرد، كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
انعكاسات متباينة
ويقول أستاذ العلوم السياسية، الدكتور أسعد كاظم شبيب، إن الحرب الروسية الأوكرانية كانت تمثل معسكرين متناقضين، حيث يمثل المعسكر الروسي مجموعة من الدول المحايدة أو المؤيدة، في حين تقف خلف المعسكر الأوكراني دول عديدة على رأسها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
ويضيف، في حديث لـ"الخليج أونلاين"، أن دول الخليج أدركت بأن هذه الحرب تخص هذين المعسكرين، فلم تود الدخول في هذا الصراع، وذلك في محاولة للوقوف على الحياد والنظر إلى مصالحها الخاصة ومصالح شعوبها.
وحول الانعكاسات السلبية والإيجابية لهذا الموقف الحيادي، يبيّن شبيب أن هناك إيجابيات كثيرة منها أن دول الخليج برهنت هذه المرة أن لديها موقفاً واضحاً ينبع من سياساتها الخارجية في تعاملها مع الملفات الضاغطة، لا سيما في الحرب الأوكرانية.
ويستدرك: "أما السلبيات فهي كثيرة أيضاً، منها اتخاذ الولايات المتحدة موقفاً سلبياً من دول الخليج، لكن واشنطن تدرك أهمية هذه الدول، لا سيما في ملف الطاقة، بالوقت الذي تعيش دول الغرب وأوروبا مخاطر وتداعيات كبيرة من جراء أزمة الطاقة التي تفاقمت بعد الحرب الأوكرانية".
ويعتقد شبيب أن دول الخليج "نجحت إلى حد بعيد في تجاوز الضغوط الغربية، واستطاعت أن تثبت على أهدافها الخارجية في مواقفها وفي زياراتها وداخل الجمعية العامة ومجلس الأمن؛ لأنها تدرك أهمية وخطورة هذه الحرب وتداعياتها على الأمن الوطني والقومي لدول العالم".
بينما يرى المحلل السياسي جابر باقر أن المواقف الخليجية كانت متباينة تجاه الحرب الأوكرانية في بدايتها، "إذ كان هناك تغاير واضح في المواقف، حيث أيدت بعض الدول أوكرانيا وأخرى التزمت الحيادية".
ويضيف، لـ"الخليج أونلاين"، أن سياسة دول الخليج ومجلس التعاون "اتجهت بعد مرور أكثر من شهر من الحرب إلى الحيادية، لكي لا تخسر الطرفين، لا سيما العملاق الروسي حيث تربطهم علاقات جيدة مع موسكو".
ويعتقد باقر أن من أبرز الأسباب التي تجاوزت فيها دول الخليج الضغوط الغربية قد يكون الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به، خصوصاً في ظل وجود حلفاء للأطراف المتصارعة، مثل إيران التي تعد أبرز حلفاء روسيا.