صحيفة “وول ستريت جورنال”-
نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أعده ستيفن كالين وروري جونز ومايكل أمون، قالوا فيه إن علاقة رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد مع الصين وروسيا باتت تمتحن العلاقات مع أمريكا، فمنذ الغزو الروسي لأوكرانيا موضع بن زايد بلاده كصديقة لكل الأطراف.
ففي العام الماضي تحولت الإمارات العربية المتحدة إلى مركز المال الروسي وخفضت من معدلات إنتاج النفط، الأمر الذي عزز من خزينة الحرب الروسية وأدى إلى احتجاج واشنطن. وتجاهل زعيم البلد مكالمة من الرئيس جو بايدن الذي كان يحشد الدعم لأوكرانيا. والآن تلقى الشيخ محمد بن زايد دعوة لزيارة رسمية إلى واشنطن من أجل إتمام اتفاق دفاعي وتجاري بعدما التزمتا معا بـ 100 مليار دولار لمشاريع الطاقة النظيفة، وهو هدف لإدارة بايدن. وفي الوقت نفسه وسع الإماراتيون علاقاتهم مع روسيا ومع منافس آخر للولايات المتحدة وهي الصين.
وتقول الصحيفة إن الشيخ محمد والإمارات ظهرا كفائزين من عملية إعادة الترتيب الجيوسياسي منذ غزو روسيا أوكرانيا في شباط/فبراير العام الماضي. ولكن ليس بدون ثمن. فاستراتيجية صديق الجميع امتحنت العلاقات مع حليف الدول النفطية وهو الولايات المتحدة، حيث يلعب الشيخ محمد بن زايد دورا جديدا في الشرق الأوسط قريبا من روسيا والصين.
وفي مقابلات نادرة مع مسؤول إماراتي بارز قال إن الشيخ محمد يرى أن العلاقات مع الولايات المتحدة لا تعني عدم إقامة علاقات مع موسكو أو بيجين. وبدلا من ذلك، يقولون إن علاقات كهذه قد تساعد واشنطن. ونقلت عن أنور قرقاش، مستشار السياسة الخارجية “لا نريد أن نُعرف من خلال تنافس القوى العظمى”. مثلا، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي التقى الشيخ محمد مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين في سانت بطرسبرغ، حيث عزز المصالح الأمريكية من خلال تبادل الأسرى والإفراج عن لاعبة كرة السلة بريتني غراينر وعرض المساعدة في عملية التبادل، حسب أشخاص على معرفة بالأمر. وبعد ثمانية أسابيع أفرج عن غراينر ونقلت إلى قاعدة جوية في الإمارات مقابل الإفراج عن تاجر السلاح الروسي فيكتور باوت.
وقال مسؤول بارز في إدارة بايدن إن البيت الأبيض راقب الشيخ محمد وهو يقترب في السنوات الماضية من روسيا والصين بشكل أدى إلى توتر العلاقات مع الولايات المتحدة. وحذره المسؤولون من أن التعاون القريب جدا مع هذين البلدين في القضايا الأمنية والاستخباراتية سيعرض العلاقات مع واشنطن للخطر. وقال المسؤول الإماراتي إن الشيخ محمد تشاور مع المسؤولين الأمريكيين بشأن روسيا والصين في الأشهر الماضية وإن العلاقات تتحسن. فقبل زيارته لموسكو، تحدث الشيخ محمد مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة واتصل لاحقا مع الرئيس الأوكراني فولدومير زيلنسكي. وأثنى مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان على جهود الإمارات في تخفيض التوتر بالمنطقة في خطاب ألقاه الشهر الماضي وحدد السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
وتعول واشنطن على الإمارات في مكافحة الإرهاب واستقرار سوق النفط واستثمارات في الولايات المتحدة.
وأقام الشيخ علاقات دبلوماسية مع حليفة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إسرائيل في عام 2020. وظلت الولايات المتحدة أهم حليف للإمارات منذ نشوء البلد في 1971، عندما وحّد والد الشيخ محمد سبع إمارات. وأشرف الشيخ محمد، 62 عاما، على توسع اقتصادي سريع وتحرير المجتمع ودعم الحكام المستبدين في أنحاء الشرق الأوسط وطور علاقات مع إيران وسوريا. وحاول في السنوات الأخيرة إدارة علاقات صعبة مع الولايات المتحدة. كما أن بناء قاعدة عسكرية صينية قرب أبو ظبي كاد يفكك العلاقات مع الولايات المتحدة في 2021. وأوقف الشيخ محمد المشروع بضغط من الولايات المتحدة، حسب مسؤول بارز في إدارة بايدن. وقال المسؤولون الإماراتيون إن المشروع تجاري.
وأثرت العلاقات مع الصين في مبيعات مقاتلات أف-35 إلى الإمارات واحتجت واشنطن على التعاون مع شركة هواوي للتكنولوجيا من أجل بناء شبكة فايف جي. وقطعت الإمارات عبر منظمة أوبك خلال السبعة أشهر إنتاج النفط بتنسيق مع موسكو. ثم وقف المسؤولون الأمريكيون للإمارات أكثر من مرة، ضد مساعدة موسكو في التحايل على العقوبات، حيث تدفق الروس من أجل مقايضة النفط وشراء الممتلكات وإخفاء الأموال. وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على شركات إماراتية بتهمة تسهيل تجارة النفط ودعم القاعدة الصناعية الروسية. إلا أن أسعار النفط العالية وازدهار سوق العقارات تحسّنوا بسبب الأثرياء الروس.
ويقول المسؤولون الأمريكيون والإماراتيون إن الشيخ محمد بنى سياسة خارجية مستقلة، بعد مراقبته تأرجح السياسات الأمريكية على مدى أربع إدارات. وتقول دينا اسفنادياري، المستشارة البارزة في شؤون الشرق الأوسط بمجموعة الأزمات الدولية “تغيرت نبرة العلاقات، ولم تعد علاقة تفتح فيها واشنطن الخط وتطلب من أبو ظبي أن تفعل ما تريد وتنفذ أبو ظبي ما طلب منها” و”الجانب الآخر هو الإمارات، فلن تحصل على ما تطلبه من الولايات المتحدة لأنها لم تفعل ما طلبه الأمريكيون منها”.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إنهم شعروا بعدم الثقة في التزام الولايات الأمريكية منذ هجمات عام 2019 ضد آبار النفط السعودية وناقلات النفط في مياه الخليج والتي اتهمت إيران بها وبدون ردة فعل عامة. وقبل ذلك فوجئ المسؤولون الإماراتيون من مفاوضات إدارة أوباما مع إيران عام 2015 لوقف برامجها النووية، وهي صفقة عارضتها الإمارات. واشتكوا من عدم رد الولايات المتحدة على الهجمات الصاروخية عام 2022، وأطلقها الحوثيون في اليمن الذين تدعمهم إيران.
ولم تقم ثروة الإمارات على النفط فقط ولكن كمركز خدمات مالية ولوجيستية وسياحية. ولا تتسامح مع المعارضة وتحتفظ بدولة أمنية، وهو ما ساعد البلد بمليون نسمة على استقبال ثمانية ملايين من الأجانب. وتقول سفيرة الإمارات في الأمم المتحدة لانا نسيبة “يعتمد هذا النموذج على الأمن واستقرار الناس وتدفق البضائع والسلع”.
وفي الوقت الذي تلقى فيه قصر الشيخ رسائل التعاطف من قادة العالم لم يتصل بايدن. وبعد أسابيع أرسلت الولايات المتحدة المقاتلات ومدمرة وعندما زار القائد العسكري الأمريكي أبو ظبي رفض الشيخ محمد لقاءه. وبعد أسبوع رفض تلقي مكالمة من بايدن حول أوكرانيا. ويقول المسؤولون الأمريكيون إنهم قللوا من قيمة التهديد الذي رأته الإمارات محيطا بها، إلا أن مسؤولا أشار إلى أن الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة للدفاع ضد هجمات كهذه دليل على التزامها.
وفي حديث مع بايدن في تموز/يوليو على هامش قمة إقليمية، وضع الشيخ محمد تعليقات معدة مسبقة وعبر عن إحباطه لما يراه تخلي الولايات المتحدة عن ضماناتها الأمنية، وذكر بايدن بأن القوات الإماراتية قاتلت إلى جانب القوات الأمريكية خلال 30 عاما، حسب أشخاص على معرفة بالأمر، وأخبر الشيخ محمد الرئيس أنه بحاجة إلى فهم موقفه. ودعاه بايدن إلى البيت الأبيض حيث يتوقع أن يتعهد بالتعاون في مجال الأمن والطاقة والتجارة والتسامح الديني.
وقال سلطان الجابر، الذي يشرف على التصنيع والتغيرات المناخية إن الإمارات تريد علاقات مع أمريكا ولكن ليس على حساب علاقاتها مع الدول الأخرى “وكذا الولايات المتحدة والهند وأوروبا وروسيا والصين”. وبدأ الشيخ محمد وعمق العلاقات مع الصين قبل عدة سنين، ولكن العلاقة توثقت بعد كوفيد-19 عندما فتحت الإمارات حدودها والعالم لم يفعل. وأنتجت الإمارات كمامات بمساعدة الصين وفحصا للفيروس ولقاح “ساينوفارما”. وقد تجاوزت التجارة الإماراتية- الصينية 70 مليار دولار وتذهب أبعد من النفط والمالية والتكنولوجيا والتبادل الثقافي.
وتوافقت في مصالحها مع روسيا. ففي شباط/فبراير 2022، تجنبت الإمارات تصويتا في مجلس الأمن الدولي لشجب الغزو الروسي لأوكرانيا. وأضر الموقف الأمريكي لعزل روسيا. وفي 21 آذار/مارس صوتت الإمارات في الجمعية العامة مع قرار يطالب بإنهاء الحرب. واستثمرت الصناديق السيادية الإماراتية مليارات الدولارات في روسيا، واستثمر الشيخ محمد أيضا في العلاقات الشخصية مع بوتين.