تسفي برئيل- هآرتس العبرية-
نهاية أسبوع مزدحمة تنتظر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ سيستضيف السبت في جدة ممثلين رفيعي المستوى من 30 دولة لمناقشة خطة عمل تتضمن 10 نقاط اقترحها رئيس أوكرانيا زيلينسكي لإنهاء الحرب في أوكرانيا. الدولة التي لم تتم دعوتها هي روسيا، والتي أعلنت أنها “ستتابع نقاشات هذا اللقاء عن كثب”. من لم تتضح مشاركتها حتى الآن هي الصين، عرابة استئناف العلاقات بين السعودية وإيران. في جولة المحادثات السابقة التي جرت في كوبنهاغن في حزيران، دعيت الصين ولكنها لم تحضر. وإذا قررت إرسال مندوب هذه المرة، فتلك إشارة واضحة على أنها مستعدة لاتخاذ موقف، والوقوف – على الأقل إعلانياً – إلى جانب أوكرانيا في المعركة الدبلوماسية.
من المتوقع أن يكون المندوب الأمريكي الأكبر في المؤتمر هو مستشار الأمن القومي جاك سوليفان، الذي ستكون زيارته الثانية للمملكة خلال عشرة أيام. لا داعي لحبس الأنفاس انتظاراً لنتائج هذا المؤتمر الذي سيستمر يومين. الطريق ما بين جدة واتفاق سلام بين أوكرانيا وروسيا ما زالت طويلة جداً. سيناقش المؤتمر الاقتراح الأوكراني الذي يطالب بانسحاب كامل للقوات الروسية كافة وإعادة الأراضي المحتلة. لهذا، تتطلع الولايات المتحدة على الأقل لإقناع الهند والبرازيل بالوقوف إلى جانب أوكرانيا والامتثال للعقوبات المفروضة على روسيا. هذا طموح غريب إلى حد ما، نظراً لأن المستضيفة نفسها لا تلتزم بالعقوبات؛ فهي مستمرة في عقد صفقات تجارية مع روسيا وتنسق معها أسعار النفط في إطار عضويتهما المشتركة في منظمة أوبيك، والتي تضم معظم الدول الكبيرة المصدرة للنفط والتي تسيطر على حوالي 40 في المئة من إجمالي استخراج النفط في العالم.
تنتظر إسرائيل باهتمام سماع ما سيحضره سوليفان معه من الزيارة وفيما إذا كان بالإمكان توقع خطوة أخرى في اتجاه التطبيع بين البلدين. يفضل ألا نسارع في إلغاء الإجازات التي خططها زعماء الدولتين بخصوص هذه المسألة. مثلما نشر في الأسابيع الأخيرة، تضع السعودية شروطاً لا يمكن تجاوزها لعقد اتفاق سلام مع إسرائيل. فهي تسعى للحصول على موافقة الولايات المتحدة لتخصيب اليورانيوم وبناء مفاعلات نووية لأهداف سلمية ولحلف دفاعي بين الرياض وواشنطن. صحيح أن السعودية تطرح شرطاً في القضية الفلسطينية أيضاً، والذي ليس واضحاً تماماً لماذا تنوي طرحه. يمكن تقدير أنها تعرف من هو الشريك الإسرائيلي وما الذي يعتبر منطقياً أو معقولاً طلبه منه. بالتأكيد، لا انسحاب أو تجميد للمستوطنات. ففي نهاية المطاف، هذه حكومة تبنت مقولة موشيه ديان التي تقول “شرم الشيخ بدون سلام أفضل من سلام بدون شرم الشيخ”. في الواقع، تم التوقيع على السلام في النهاية مع مصر، ولكن لم يكن سموتريتش ونتنياهو وبن غفير في حينه أعضاء في تلك الحكومة.
في المقابل، ليس لإسرائيل تأثير على مسألة المشروع النووي للسعودية والحلف الدفاعي مع الولايات المتحدة. صحيح أنها كعادتها، اضطرت للتعبير عن رأيها، وأن رئيس هيئة الأمن القومي تساحي هنغبي قال هذا الأسبوع إن “النووي المدني أمر لا يعرضنا للخطر. ثمة نووي مدني في مصر وآخر في الإمارات. النووي المدني بحد ذاته لا يشكل خطراً، إنما الخطر هو إذا لم تشرف على النووي المدني بصورة يمكن أن يصبح فيها أيضاً نووياً عسكرياً”. هذه مقولة صحيحة جزئياً؛ فمصر تملك برنامجاً نووياً، ولكن دون مفاعلات نووية، ثم بدأت هذا العام بتنفيذ المرحلة الأولى في بناء المفاعل في موقع دبعة بمساعدة روسية.
مع ذلك، السعودية تريد أكثر من ذلك؛ فهي تريد تنفيذ “دورة نووية كاملة”؛ أي استخراج اليورانيوم الموجود بكميات كبيرة في أراضيها، وتخصيبه بمستوى متدن (على الأقل هكذا تعلن)، واستخراج وقود نووي وبيع الناتج. لم يتطرق هنغبي لكل هذه الأمور. وأعلنت السعودية أيضاً أنه إذا امتلكت إيران سلاحاً نووياً، فلن تبقى السعودية متخلفة عن ذلك. في الخمس سنوات الأخيرة، حاولت السعودية التوصل إلى اتفاق مفصل مع الولايات المتحدة حول توفير تكنولوجيا نووية – وهو جهد يقتضي صياغة دقيقة لالتزاماتها – دون نجاح.
على الرغم من أن السعودية (خلافاً لإسرائيل) وقعت على ميثاق لمنع انتشار السلاح النووي وأنها خاضعة لإشراف الوكالة الدولية للطاقة النووية، فإنها لم توقع حتى الآن على البروتوكول الإضافي الذي يتضمن استخدام وسائل تفتيش صارمة. وهو بروتوكول تراه الولايات المتحدة ضرورياً للمصادقة على نقل تكنولوجيا نووية إلى دولة أجنبية. السعودية تعارض أيضاً منع إنتاج وقود نووي، وتعارض المطالبة في ألا يتم تخصيب اليورانيوم في أراضيها. ما لم توقع الرياض على اتفاق مفصل يكون خاضعاً لمصادقة دقيقة من الكونغرس، ويحجم عن بيع التكنولوجيا النووية الأمريكية لبن سلمان حتى ولو أوفى بجميع الشروط، فلن يتمكن من الاعتماد على تعاون نووي من جانب الولايات المتحدة.
وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، أوضح في حزيران أنه “بيننا (السعوديين والأمريكيين) اختلافات في الرأي، ولهذا نبحث في العثور على آلية تمكننا من العمل معاً على تكنولوجيا نووية مدنية. ولكننا مصممون على التحرك قدماً مع برنامج نووي”. ليس واضحاً من أقواله إذا ما كانت السعودية ستواصل برنامجها حتى بدون المصادقة الأمريكية وتطبق مذكرة التفاهمات التي وقعت عليها مع الصين لتطوير برنامج نووي.
الصين إذاً هي السوط الذي تلوح به الرياض في وجه الأمريكيين في حالة لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي مع واشنطن. وهو سوط تهديدي بشكل خاص للولايات المتحدة التي تبذل جهوداً متواصلة لتقليص تأثير الصين في العالم بشكل عام وفي الشرق الأوسط خصوصاً. بيد أن للتهديد الصيني قيداً ثقيلاً واحداً. الاتفاق بين السعودية والصين سينهي طموح الرياض في الحصول على حلف دفاعي مع الولايات المتحدة المشكوك فيه أصلاً في التوصل إليه أصلاً، وخاصة بعد التوقيع على استئناف العلاقات مع إيران.
ويحوم فوق كل هذا خوف على استقرار النظام في المملكة. ما زال الملك سلمان على قيد الحياة، ويعتبر ابنه الحاكم الفعلي للمملكة. وعلمتنا التجربة أنه لن يبذل جهده لترسيخ مكانته كملك عقب موت والده. ولكن الاستقرار الذي يسود اليوم ليس ضمانة لبقاء العائلة المالكة إلى الأبد أمام العداوات الداخلية – سواء داخل العائلة أو مع نشطاء إسلاميين متطرفين والذين يخضعون اليوم لسيطرة صارمة.
إسرائيل التي لم تعد اليوم في مكانة دولة مؤثرة في واشنطن، لا يمكنها المساهمة في الدفع قدماً بحلف عسكري ما بين السعودية والولايات المتحدة. هذا بشكل خاص عندما يكون الكونغرس غير متحمس من عملية قد تضع الولايات المتحدة في نزاعات إقليمية لا لزوم لها ولا تخدم مصالحها. السؤال الذي بقي بدون إجابة هو: هل ستوقع السعودية على اتفاق سلام مع إسرائيل حتى إذا لم تحقق لها الولايات المتحدة كل مطامحها؟ هي تستطيع على سبيل المثال أن تسير في نفس الطريق التي سار فيها جارها، رئيس الإمارات محمد بن زايد، الذي وقع على اتفاق مع إسرائيل ويقوم الآن بتنفيذه، على الرغم من أنه لم يحصل على طائرات اف35 الأمريكية التي وعدته إسرائيل وترامب بها. بل ستضطر السعودية حينئذ أن تفحص ما إذا كان اتفاق كهذا سيفيدها. في هذه الأثناء، الإجابة ضبابية جداً، باستثناء القطار السريع الذي سيربط الرياض مع تل أبيب.
أما بن سلمان فسيشكل له عقد هذا المؤتمر السبت في جدة مشهداً استعراضياً آخر لاستعراض زعامته. سيحاول إعادة الشرعية الدولية التي يبذل فيها جهوداً ضخمة منذ انهيار اسمه ومكانته في 2018، بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي. ومنذ ذلك الحين، تغيرت الصورة العامة، وخاصة الصورة الأمريكية: اضطر الرئيس جو بايدن قبل حوالي عام إلى زيارة السعودية ومصافحة بن سلمان للموافقة على استخراج مزيد من النفط، ليعوض النقص الذي نتج عقب الحرب في أوكرانيا. أجاب بن سلمان بصفعة مدوية عندما قلص هو وشركاؤه في أوبيك، حصص إنتاج النفط. بعد أقل من نصف عام من ذلك، استضاف بن سلمان الرئيس الصيني شي جي بينغ، واحتراماً له جمع زعماء من دول الخليج، وكأنهم تابعوه الذين ينتظرون الإشارة. في تلك الزيارة المغطاة إعلامياً والاستعراضية، اتضح أن بن زايد لا ينوي اللعب حسب قواعد الاستضافة أو عرض وجه العائلة السعيدة مع الجارة السعودية. فبن زايد لم يحضر اللقاء، بل وغاب عن قمة الجامعة العربية التي عقدت في أيار حيث تقرر إعادة سوريا إلى الجامعة بعد طردها منها قبل أكثر من 10 سنوات.
بن زايد يحمل الكثير من الحقد على بن سلمان الأصغر منه بـ 24 سنة. والشعور متبادل. يرى بن زايد نفسه كمن أوجد الاتصال ما بين بن سلمان والإدارة الأمريكية، في البداية مع الرئيس السابق براك أوباما ثم ترامب. وفقاً للصحافي بن هوبرد الذي كتب سيرة ذاتية مدهشة عن بن سلمان، كان يوسف العتيبة سفير أبو ظبي في واشنطن، هو من عرف بن سلمان على صهر ترامب جاريد كوشنر. لم يخفِ ترامب قبل كل شيء اشمئزازه من السعوديين، بل واتهمهم في حملة انتخاباته أمام هيلاري كلينتون، بأنهم “أناس يلقون بالمثليين من على أسطح المباني. أناس يقتلون النساء ويعاملونهن بصورة فظيعة، ولكنك تأخذين منهم أموالاً”. في مناسبة أخرى، قال: “بصراحة، السعوديون لا يستطيعون العيش بدوننا. والسؤال هو: في أي نقطة سنتدخل وكم سيكون السعوديون مستعدين للدفع لنا من أجل إنقاذهم”.
ولكن بعد أن انتخب ترامب، سافرت بعثة سعودية كبيرة إلى واشنطن ووضعت اقتراحاً على الطاولة لشراء سلاح ومعدات عسكرية، وكذلك لاستثمارات تبلغ مليارات الدولارات، كما وضعت اقتراحاً بإنشاء مركز لمحاربة التطرف الإسلامي، وكذلك الموافقة على إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في البحر الأحمر على شواطئ السعودية. أنهى ترامب موافقته برقصة السيوف المشهورة التي جرت في الرياض، ولكنه لم يوقع على حلف عسكري. في وقت لاحق، وبعد أن هاجمها الحوثيون بالصواريخ، أوضح ترامب وبأسلوبه المعروف، أن الولايات المتحدة مستعدة لمساعدة السعودية مقابل الدفع.
العلاقات بين بن زايد وبن سلمان واصلت تدهورها عندما قرر بن زايد انسحاب قواته من الحرب في اليمن. لقد غضب لأن السعودية بادرت للمصالحة مع قطر، وهذا العام فاجأته الرياض بالاتفاق مع طهران. ولكن لا يقل عن هذا أن بن سلمان بدأ في التنافس مع جاره على الهيمنة الاقتصادية ومطالبة شركات دولية مركزها دبي وأبو ظبي، أن تنقل مراكزها إلى بلاده. حسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، لم يتحدثاً معاً منذ نصف عام (باستثناء محادثة تعزية بعد موت شقيق بن زايد). حينئذ، أثناء زيارة شي جي بينغ للرياض، اتهم بن سلمان بن زايد بغرس سكين في ظهر السعودية، وهدد بفرض عقوبات. ربما إذا وقع اتفاق سلام مع السعودية يمكن لوزير الخارجية الإسرائيلي التوسط بينهما