كمال صالح - الخليج أونلاين-
على وقع الحرب في قطاع غزة، وتنامي الشعور بالإحباط بين حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في المنطقة، جراء الانحياز الأمريكي المطلق إلى "إسرائيل"، جاءت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأبوظبي والرياض.
الزيارة تحمل رسائل وأهدافاً عدة، فبوتين المجروح من دور الولايات المتحدة والغرب في الحرب الأوكرانية، قد يرى فرصة تلوح في الأفق للثأر من واشنطن وحلفائها الغربيين، من بوابة الشرق الأوسط.
كما أنّ تزامن الزيارة مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والمدعوم من قبل أمريكا ودول غربية أخرى، يجعل منها زيارة استثنائية، وذات أهمية كبيرة لكلٍّ من موسكو والرياض وأبوظبي.
وفي ظل المناخ السائد بالشرق الأوسط، وارتباك الأجندة والتحالفات، فإن الزيارة تمثل فرصة لروسيا لتوسيع نفوذها في المنطقة، وفرصة أيضاً لدول المنطقة لتنويع تحالفاتها في ظل هذه المتغيرات.
زيارة استثنائية
وظهر الأربعاء 6 ديسمبر، وصل الرئيس الروسي إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، وهناك استُقبل بمراسم مهيبة، وقال بوتين خلال جلسة مباحثات مع الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد: "إن العلاقات بين روسيا والإمارات وصلت إلى مستوى غير مسبوق".
الزعيمان تبادلا الاعتزاز بطبيعة العلاقات المميزة بين البلدين، خصوصاً في مجالي الاستثمار والتجارة، فـ"بن زايد" أشار إلى أن بلاده أكبر مستثمر عربي في روسيا، وأكبر شريك تجاري خليجي معها، وهو ما أكده بوتين.
وتحتفظ الإمارات بعلاقات تجارية مهمة، حيث وفرت ملاذاً لرجال الأعمال الروس، وفتحت دبي أسواقها للذهب الروسي قبل أن تحدّ منه بسبب الضغوطات الغربية، كما أن الرياض تتحكم مع موسكو في سوق الطاقة العالمي؛ لكونهما من أكبر منتجي النفط في العالم، وانخرطا في الخفض الطوعي لإنتاج النفط معاً.
وفوق هذا وذاك، ثمة تقارب لافت في وجهات النظر بين موسكو والرياض وأبوظبي، إزاء الحرب الدائرة في قطاع غزة، فبوتين ندد منذ اليوم الأول للهجوم الإسرائيلي على القطاع، وشدد على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على أرضهم، وهي وجهة النظر السعودية الإماراتية العربية ذاتها.
أمن الشرق الأوسط
ترددت مفردة "الأمن في الشرق الأوسط" على لسان ولي العهد السعودي خلال لقائه الرئيس الروسي في الرياض، الأمر الذي يكشف الجانب السياسي للمباحثات التي دارت بين الجانبين.
بن سلمان قال خلال اللقاء: "الأمن قد تعزز في الشرق الأوسط بفضل التعاون السياسي بين روسيا والسعودية، وسيكون لتنسيقنا وتفاعلنا السياسي بلا شك، تأثير إيجابي على الوضع العالمي والوضع في المنطقة".
وأكد الرئيس الروسي بدوره، أهمية مشاركة ومشاطرة البلدين بعضهما بعضاً في التقديرات والتقييمات في ما يخص التطورات الأخيرة التي تطرأ على الصعيد الدولي، مضيفاً: "من المهم للغاية بالنسبة لنا جميعاً الآن، أن نتبادل المعلومات والتقييمات معكم حول ما يحدث في المنطقة".
قراءة غربية للزيارة
زيارة بوتين لأبوظبي ثم الرياض، أثارت اهتمام وسائل الإعلام الغربية، وذهب عديد منها إلى تحليل أبعادها، ونقطة الالتقاء بينها جميعاً، أن الرئيس الروسي يبحث عن ثغرة جديدة للنفاذ إلى الشرق الأوسط، ولكسر حالة العزلة التي فرضتها العقوبات الغربية عليه.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أشارت إلى أن بوتين يسعى من خلال الزيارة إلى إرسال رسالة، مفادها أن روسيا لا تزال قادرة على ممارسة النفوذ وحشد الدعم حتى من حلفاء واشنطن، بل ربما "دق إسفين بين الدولتين وبين الولايات المتحدة".
وأضافت الصحيفة أن زيارة بوتين تعد "جزءاً من عملية توازن دقيقة تهدف إلى تنويع علاقاتها الدولية، وانتزاع أكبر فائدة ممكنة من جميع شركائها الأجانب".
بدوره، قال كبير الخبراء في المجلس الأطلسي ريتش أوتزن، لموقع "الحرة"، إن "بوتين يحاول أن يُظهر من خلال الزيارة أنه ليس معزولاً دبلوماسياً حتى بين أصدقاء الولايات المتحدة"، كما أنه يسعى "للتنسيق بشأن إنتاج النفط وتجارته، لتحسين الظروف الاقتصادية في روسيا، المتضررة جراء العقوبات".
وبالنظر إلى توقيت الزيارة وملابساتها، فإنها تمثل "إشارة للولايات المتحدة بأن هناك حالة إحباط كبيرة جداً في المنطقة، بشأن رد الفعل الأمريكي على الوضع في غزة، وفقاً لأستاذ دراسات الخليج بجامعة قطر نيكولاي كوزانوف.
وتوقعت رئيسة برنامج الشرق الأوسط في معهد الأعمال الدولية، ماريا فانتابي، أن تطلب الرياض من موسكو "دعم رؤيتها لحل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وضمن ذلك إشراك إيران"، علماً بأنه من المتوقع أن يلتقي بوتين الخميس، الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في موسكو.
عقيدة سياسية روسية جديدة
ومن الواضح أن زيارة بوتين للإمارات والسعودية تمثل منعطفاً مهماً في سياسة روسيا، التي لا تزال تخوض حرباً في أوكرانيا، تنخرط فيها بشكل غير مباشر الولايات المتحدة والدول الغربية، وحتى "إسرائيل".
ويرى الصحفي والباحث السياسي الروسي ديميتري بريجع، أن "زيارة بوتين للرياض وأبوظبي لها أهمية كبيرة ورمزية أيضاً؛ لكونها تأتي في ظل الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك في ظل الحرب القائمة بقطاع غزة.
وأشار في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن الزيارة "ستقرب روسيا من منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج"، لافتاً إلى أن "العقيدة السياسية الروسية الجديدة" تقوم على "التقرب من الحضارة الإسلامية والدول الإسلامية".
ونوّه بريجع إلى أن هناك اهتماماً مشتركاً أيضاً بملف الطاقة بين روسيا ودول الخليج، مضيفاً: "الإمارات تساعد روسيا في تخطي جزئية العقوبات الاقتصادية، كما أن هناك زيادة في التبادل التجاري بين روسيا والسعودية والإمارات، بسبب العقوبات الغربية على روسيا".
وأوضح الخبير الروسي، أن هذه العقوبات "أجبرت روسيا على تغيير مواقفها، والتوجه نحو الشرق"، وقال: "الآن، روسيا مهتمة ببناء علاقات وثيقة مع السعودية والإمارات، في ملفات كثيرة، من ضمنها القضية الفلسطينية"، مشيراً إلى أن "روسيا مع وقف إطلاق النار وحلّ الدولتين، وإيجاد حلول سياسية دبلوماسية للقضية الفلسطينية".
وبيّن أن روسيا تسعى لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، من خلال موقفها الحيادي ودعم الفلسطينيين وإقامة دولتهم المستقلة.
استثمار السخط الخليجي
ولعل من الأهمية بمكانٍ الإشارة إلى حالة السخط التي تسود العواصم العربية تجاه الموقف الأمريكي المنحاز والمتورط إلى جانب "إسرائيل" في غزة، ومن ثم لا يستبعد الكاتب والمحلل السعودي سليمان العقيلي، "أن يستغل الرئيس بوتين حالة الغضب من واشنطن التي أحرجت بسياستها المنحازة جميع دول المنطقة، وأن يدعم الموقف السعودي في حل الدولتين للصراع مع إسرائيل".
وأضاف العقيلي في مقال نشره على حسابه بمنصة "إكس": إنه "من المنطقي أن يدعم بوتين سياسة أوبك التي تقودها السعودية، تجاه حالة عدم الاستقرار الراهنة لأسواق البترول، وأن يُظهر بلاده شريكاً يُعتمد عليه في المنعطفات الحساسة".
وقال: "من الواضح أن روسيا والصين اللتين وضعتا قدمي تأثير في منطقة الخليج، تستفيدان من تخبطات السياسة الأمريكية التي فقدت كثيراً من مصداقيتها في الخليج خاصة والشرق الأوسط عموماً، ورغبة دول المنطقة في شراكات دولية واسعة تُجنبها تبعات تغيير واشنطن سياساتها الدولية".
إلا أن العقيلي أشار إلى أن المملكة ستستفيد من كل عروض الشراكة الدولية في مختلف المجالات، وبما يخدم مصالحها، لكنها ستعمل جاهدة "على تفادي الوقوع في الاستقطاب السياسي، وتبقي على شعرة معاوية مع واشنطن لا تنقطع، حتى وإن شدّها البيت الأبيض".