علاقات » روسي

ما دلالات ترشيح الإمارات لاستضافة قمة بوتين وترامب؟

في 2025/08/08

يوسف حمود - الخليج أونلاين

منذ اندلاع النزاع المسلّح بين روسيا وأوكرانيا في فبراير 2022، وما تبعه من تصعيد غير مسبوق في العلاقات بين موسكو وواشنطن، لم تُفضِ الجهود الدبلوماسية التقليدية إلى أي مسار تفاوضي فاعل يضع حدّاً لتدهور العلاقات الاستراتيجية بين القوتين النوويتين.

ومع عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأمريكية مطلع عام 2025، عادت إلى الواجهة احتمالية عقد قمة ثنائية بينه وبين نظيره الروسي فلاديمير بوتين، باعتبارها مدخلاً لإعادة تشكيل خارطة التوازنات الدولية.

في هذا السياق المعقّد، تقدّمت دولة الإمارات العربية المتحدة كخيار مطروح لاستضافة هذا اللقاء المفصلي، مستفيدة من موقعها الجيوسياسي المحايد نسبياً، وعلاقاتها المتوازنة مع طرفي النزاع، خصوصاً وأن تراكم التجربة الدبلوماسية الإماراتية في إدارة النزاعات الإقليمية، ونجاحها في تجنّب الاصطفافات الصدامية، جعلا منها مرشحاً مناسباً لتوفير فضاء تفاوضي محايد.

إعلان روسي

 يُقرأ الإعلان الروسي عن الإمارات كموقع محتمل لعقد القمة ضمن مقاربة استراتيجية تتيح للطرفين تجنّب البيئة الغربية المشبعة بالتوتر القضائي والسياسي، وخصوصاً في ظل مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس الروسي، والتي تحظر عليه الوجود في أراضٍ خاضعة لاختصاص المحكمة.

ففي تصريح أوردته قناة "روسيا اليوم" (7 أغسطس)، أعلن بوتين أن الإمارات تُعدّ من بين الخيارات الجدية المطروحة لعقد لقائه المرتقب مع الرئيس الأمريكي.

وأضاف بوتين أن هناك رغبة متبادلة بين الطرفين في إنجاح اللقاء، مشيراً إلى وجود أطراف صديقة مستعدة للاضطلاع بدور تنسيقي، في إشارة يُعتقد أنها تعني الإمارات.

وفي تصريح آخر، أفاد يوري أوشاكوف، مستشار الرئيس الروسي للشؤون الخارجية، بأن الاتفاق على اللقاء تم مبدئياً بناءً على مقترح أمريكي، وأن هناك تواصلاً قائماً حالياً بين الفرق الفنية للجانبين لوضع الترتيبات النهائية.

من جهتها، أوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن موسكو عبّرت بوضوح عن رغبتها في عقد اللقاء، مؤكدة أن ترامب لا يعارض الفكرة، بل يبدي استعداداً للقاء بوتين، وربما لاحقاً نظيرهما الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في حال تهيأت الظروف الدبلوماسية.

ولفتت ليفيت إلى أن الاتصالات الأخيرة التي أجراها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف في موسكو ساهمت في تسريع مسار التفاهمات.

مرتكزات اختيار الإمارات

تشير تقارير موثوقة أبرزتها وكالة "رويترز" (مايو 2025) إلى أن اختيار الإمارات لا يرتبط فقط بعوامل لوجستية، بل يستند إلى مقاربة قانونية وسياسية متكاملة.

وتوضح الوكالة، مع حديث حينها عن لقاء مرتقب بين الرئيسين، أن عدم توقيع الإمارات على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يمنحها وضعاً قانونياً محايداً، يُبعد عنها الالتزام بتنفيذ مذكرة الاعتقال بحق الرئيس الروسي.

إضافة إلى ذلك، انتهجت الإمارات خلال السنوات الماضية سياسة خارجية تقوم على توازن دقيق بين تحالفاتها الغربية وشراكاتها الشرقية، ما مكّنها من الاحتفاظ بعلاقات استراتيجية مع واشنطن، دون المساس بمصالحها المتزايدة مع موسكو.

وقد تجنّبت أبوظبي الانخراط في العقوبات الغربية على روسيا، مع حفاظها على موقف دبلوماسي براغماتي تجاه الأزمة الأوكرانية.

دور الإمارات في أوكرانيا

ولعل من أبرز مؤشرات هذه الحيادية النسبية، مبادرة الإمارات إلى تسهيل عمليات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا في عام 2023، فضلاً عن تقديمها عروضاً سابقة لاستضافة مفاوضات تسوية في أكثر من ملف إقليمي، بما في ذلك النزاع الأوكراني.

وتلفت المعلومات إلى أن زيارات رفيعة المستوى من مسؤولين روس تمت إلى أبوظبي في الآونة الأخيرة، ضمن مساعي تنسيق أولية بشأن استضافة اللقاء.

ويعزّز من هذا التوجه العلاقة الشخصية المتينة بين الرئيس الروسي والرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، حيث جمعت بينهما لقاءات وزيارات متكررة منذ بداية الحرب.

وكان آخرها الزيارة التي قام بها رئيس الإمارات بالتزامن مع إعلان بوتين عن عقد القمة مع ترامب في الدولة الخليجية، حيث فتحت تلك اللقاءات قنوات اتصال دبلوماسية ميسّرة وفعّالة.

العقلانية والحيادية الإماراتية

يبدي الأكاديمي والباحث السياسي د.عايد المناع، تفاؤله من اللقاء المرتقب في الإمارات، مشيراً إلى عدم استغرابه من اختيارها لتكون نقطة التقاء ما بين الرئيسين الأمريكي والروسي.

ويرجع المناع، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، اختيار الإمارات كمحطة لقاء مهمة وتاريخية لأسباب، منها:

- ما تتمتع به الإمارات وقيادتها من علاقات طيبة مع طرفي المعادلة الروسية والأمريكية، واتسامها بالحيادية والعقلانية في تعاملها مع الأحداث السياسية.

- زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إلى موسكو، ربما تكون قد ركّزت على هذا الموضوع كموضوع رئيسي لإنهاء الحرب في أوكرانيا، بالتالي لا بد من عقد اجتماع ما بين الرئيس الأمريكي والرئيس الروسي.

- أعتقد أن هناك تفاؤلاً كبيراً بأن انعقاد هذا اللقاء في الإمارات سيكون مدخلاً لإنهاء الصراع في أوكرانيا، وتقديم ضمانات لروسيا بألا تكون هدفاً لحلف الناتو في المستقبل، وذلك من خلال طرح رؤية الروس مقابل رؤية الأمريكان.

- أثق بأن الإمارات تعدّ العدّة لتكون وسيطاً نزيهاً ومحايداً ومقدماً للمعلومات الكافية للطرفين لصالح التوصل إلى حل سلمي للصراع بين روسيا وأوكرانيا، وبين موسكو ومن يقف خلف كييف من العواصم الغربية، "طبعاً ذلك كله من أجل السلام والاستقرار".