محمد زاهد جول - الخليج أونلاين-
بدأ أمير قطر الشيخ تميم بن حمد زيارة رسمية إلى روسيا يوم الاثنين 18/1/2016، ولا شك أن الأنظار المتضاربة سوف تتوجه إلى هذه الزيارة وأهميتها ودورها ونتائجها، وبالأخص أن الزيارة تأتي في ظل صراعات وتحديات كبيرة تواجه المنطقة العربية والإسلامية تعتبر روسيا الاتحادية بقيادة فلاديمير بوتين طرفاً فيها، إن لم يكن بشكل مباشر فهي شريك بأيدي إيرانية سياسية وعسكرية، بدليل أن الدعوة التي تحتج بها روسيا في سوريا بالتدخل بطلب من الرئيس السوري، فقد تم نقلها بيد الجنرال قاسم سليمان عند زيارته لموسوكو في يوليوظم تموز 2015 بأمر من خامنئي وليس من الرئيس السوري بشار الأسد، بدليل أن التدخل الروسي في سوريا جاء بتاريخ 30/9/2015، وكانت استحضار الأسد لموسكو بعد ذلك بأسبوعين.
فإيران تعتبر نفسها قدمت تضحيات وخسائر كبيرة في حربها في سوريا في السنوات الأربعة الماضية، ووسقط لها آلاف القتلى من الجنود والضباط والأسرى، ولا تتنازل لروسيا عن سوريا، حتى لو رغب بشار الأسد في ذلك، فقوات الحرس الثوري وحزب الله اللبناني تملأ الأراضي السوري التي يسيطر عليها الأسد، وروسيا تدرك أنها لا تستطيع معارضة القيادة الإيرانية الخامنئية وحرسها الثوري في سوريا، وإلا تعرضت إلى خسائر كبيرة، كالتي تعرضت لها أمريكا في العراق بعد الاحتلال الأمريكي الإيراني عام 2003، حيث دعمت إيران القاعدة في مقاتلة الاحتلال الأمريكي.
لذلك تأتي زيارة الشيخ تميم إلى روسيا في ظل تعقيدات سياسية وعسكرية في سوريا واليمن والعراق والخليج وغيرها، في العراق يوجد للحكومة القطرية ثلاثة مختطفين لدى حزب الله العراقي، ولا شك أن الضغوط الروسية قادرة على إسراع إطلاق صراحهم، وأما في اليمن فإن دولة قطر تعلم قدرة بوتين على وقف تدفق الأسلحة على الحوثيين وعلى علي عبدالله صالح، وبالتالي التأثير على إمكانية التوصل إلى حل سياسي في اليمن، وبالأخص بعد تعثر مباحثات جنيف، ولعل الملف الأصعب في هذه المباحثات القطرية الروسية هو الملف السوري، حيث لا تزال القيادة الروسية تعمل على تصفية المعارضة السورية المعتدلة، والتي عملت قطر كثيراً على دعمها وتقويتها ومساعداتها لاختيار مسار الحل السياسي المعتدل.
إن قطر ترى أن من الخسارة الكبرى للحل السياسي في سوريا القضاء على المعارضة السورية المعتدلة، لأن ذلك لن يؤدي إلى انتصار بشار الأسد أولاً، ولا ثباته في السلطة ثانياً، ولا تمكين النفوذ الروسي في سوريا في المستقبل ثالثاً، بل سيوجد نقمة كبرى على التدخل الروسي وتحويله إلى احتلال عسكري، فيصبح الوجود الروسي في سوريا مأزقاً جديداً على روسيا وعلى المنطقة بدل أن يكون محوراً وطرفاً سياسياً مستقلاً ، قد يكون قادراً على مساعدة الشعب السوري في التوصل إلى حل سياسي بالطرق السياسية، وعبر الاقتراحات التي ذكرها بوتين قبل أيام، بتأسيس دستور سوري جديد يجمع كافة مكونات الشعب السوري حوله، ويتم على أساسه انتخابات برلمانية ورئاسية، تنهي المرحلة السوداء من التاريخ السوري المعاصر.
ليس بالضرورة أن يحمل أمير قطر الشيخ تميم رسائل تركية إلى روسيا، ولكن نجاح زيارة الشيخ تميم إلى روسيا ستؤدي بالضرورة إلى استقرار المنطقة بالرؤية المشتركة التي تجمع بين قطر وروسيا من جهة، وتجمع بين قطر وتركيا من جهة أخرى، فالرؤية القطرية لكافة مشاكل المنطقة متقاربة جداً إن لم متطابقة بين السياسة القطرية والتركية، وسعي روسيا إلى خلق معارضة سورية تسير بالحل السياسي لن ينجح إلا بالتعاون مع الرؤية القطرية والسعودية والتركية، وبالتالي فإما أن تراهن روسيا على الحل العسكري فقط، وهي لم تأت إلى سوريا على أساس هذا الرهان، وإما أن تتفهم وجهات النظر السياسية الأخرى لدى الدول الأساسية الثلاثة قطر والسعودية وتركيا، التي كانت تواجه المحور الإيراني وسياسته الطائفية المدمرة في سوريا، وكذلك سعت إلى الرهان على الحل السياسي.
ولا شك أن روسيا ستخطئ كثيراً إذا حصرت وزنها العسكري والسياسي مع محور إيران الطائفي فقط، بل إن مصلحة روسيا الحقيقية في الحاضر والمستقبل أن تراهن على العمل السياسي في سوريا مع الذين يراهنون على الحل السياسي العادل من المعارضة السورية، وأن تعمل مع كافة الدول المعنية بالصراع في سوريا، والمراهنة الروسية على إضعاف الدور التركي في سوريا لن يؤدي إلى حل عسكري أو سياسي إطلاقاً، لأن الموقف التركي يدور حول حفظ الأمن القومي التركي أولاً، ومساعد الفصائل السورية الأساسية والكبرى التي تستطيع تمثيل وإنقاذ الشعب السوري، بينما محور إيران راهن على الأقلية التي فقدت حقوق بقائها في السلطة كثيراً ودون فائدة، وبالتالي فإن روسيا تخطئ وتخسر وسوف تخسر كثيراً إذا واصلت مراهنتها على الأقلية الطائفية في سوريا.