سيكينج ألفا- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
أفادت وزارة الطاقة الروسية أن اتفاقا يهدف إلى خفض الإنتاج قد تم طرحه على «أوبك» سعيا لإحداث انتعاش للأسعار. ويقترح الاتفاق أن يقوم جميع المشاركين بتخفيض إنتاجهم بنسبة 5%، على أن تقوم روسيا بتقليص إنتاجها بمعدل 500 ألف برميل يوميا. وقد جرى الحديث حول هذه الصفقة خلال سباق يوم 28 يناير/كانون ثان حين أغلقت أسعار مزيج برنت عند مستوى 34.5 دولارا للبرميل.
يأتي ذلك، في حين تشعر الدول المنتجة للنفط أنها محاضرة بشدة بفعل انخفاض الأسعار إلى أدنى مستوى لها خلال 11 عاما بسبب ضعف الطلب العالمي. في حين بدأت جميع الدول في الشعور بتداعيات الأمر.
روسيا والسعودية
روسيا المتجمدة والمملكة العربية السعودية الحارقة تمثلان قصتان لاثنين من البلدان التي لا تتمتع بقدر كاف من التنوع الاقتصادي اللازم للحفاظ على النمو في مثل هذه الظروف. كلا البلدين تعتمدان اعتمادا وثيقا على إنتاج النفط باعتباره قوة دفع كبيرة لخلق الوسائل المالية المطلوبة لتشغيل بلدانهم.
وبصفتهما أكبر منتجي النفط في العالم، فقد ساهم كل منهما في جلب الأسعار إلى نقطة الانهيار بسبب تمسكهما بالحفاظ على معدلات الإنتاج العالية. بينما تعبث آثار النفط الرخيص باستقرارهما الاقتصادي والسياسي وتدفعهما إلى زاوية الخطر. في الواقع، فإن سؤالا لا غنى عن طرحه هنا: هل هناك أي فرص تبدو في الأفق لتخفيض الإنتاج من خلال التعاون بين كل من روسيا والمملكة العربية السعودية؟
روسيا
يقدر الاعتماد الروسي على عائدات النفط بنسبة 67% إلى 70% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما مثل ضغطا على روسيا لزيادة إنتاجها من النفط الخام ليصل إلى 534 مليون طن خلال العام 2015.
وتواجه روسيا أزمة في إيراداتها، بفعل القيود المفروضة على الصادرات بسبب العقوبات، إضافة إلى التراجع الكبير في الاحتياطيات الأجنبية وزيادة معدلات التضخم. هذا الانهيار هو الذي تسبب في اضطرابات عمالية واسعة وتأخر دفع أجور العاملين في القطاع الخاص لفترات طويلة. هناك دائما حالة من القلق حول إمكانية ثورة المواطنين في ظل هذه الأوضاع، حتى إذا كانوا يعيشون في دولة بوليسية، كما حدث في عام 1962 خلال الإضراب العمالي، حيث قام الجيش بقتل العشرات من العمال.
وتفاقمت المشاكل الاقتصادية في روسيا بعد إنهاء عملية الربط الهش للعملة. وقد سمح هذا للروبل أن يصير أحد العملات العائمة. وبفعل انخفاض أسعار النفط، فقد انخفضت قيمة الروبل إلى أدنى مستوياتها.
وقد تسبب الدولار الأمريكي القوي جنبا إلى جنب مع سائر عملات التبادل الأجنبية القوية في عدم قدرة روسيا على دفع الثمن الواردات المطلوبة فضلا عن زيادة معدلات التضخم وتناقص احتياطيات النقد الأجنبي.
المملكة العربية السعودية
بدا السعوديون مصرين على سياستهم في تكثيف الإنتاج بهدف الحفاظ على حصتهم في الأسواق الأسيوية. وقد اعتمدوا سياسة «الثبات حتى النفس الأخير» وهو ما تسبب في إلحاق ضرر كبير بالعديد من منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية. هناك تداعيات داخلية لإجراءات السعودية، وبخاصة بعد أن انخفضت أسعار النفط إلى أقل من المعدلات المتوقعة.
دون شك، فإن المملكة العربية السعودية، مثلها مثل روسيا، هي دولة بوليسية قمعية وحشية على استعداد لسحق كافة أشكال المعارضة السياسية. ولكن في حين نجح الربيع العربي في الإطاحة بأربع دول في منطقة الشرق الأوسط، فقد تمكنت العائلة الحاكمة السعودية من الحفاظ على النظام من خلال زيادة الدعم المحلي. ولكن ذلك جاء في مقابل التزامات كبيرة يصعب الوفاء بها في ظل انخفاض أسعار النفط.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الفجوة الصراع السني الشيعي الهائل من أجل الهيمنة على الشرق الأوسط قد وضعت السعودية في مواجهة مباشرة مع إيران.
وقد أدى هذا الصراع إلى تراكم التكاليف الإضافية لزيادة الإنفاق العسكري. تتجاوز النفقات العسكرية السعودية نظيرتها في إيران بنسبة 7 إلى 1. مثل روسيا، فإن المملكة العربية السعودية قد بدأت هي الأخرى في الشعور بعواقب تقلص عائدات النفط. ويبقى السؤال: هل المخاوف التي تسيطر على كلا البلدين سوف تكون كبيرة بما يكفي لدفعهما للحد من إنتاج النفط؟
التخفيضات السعودية الروسية لا تزال بعيدة المنال
في سياق هذه العاصفة النفطية، وفي ظل تناقص الطلب العالمي على السلعة الاستراتيجية، فإننا لا نعتقد أن هناك إمكانية لحدوث تخفيضات في الإنتاج على المدى القريب. في هذا التوقيت، قامت السعودية بزيادة معروضها بمعدل نصف مليون برميل يوميا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن كلا من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وروسيا تضخ أكثر من 10 ملايين برميل يوميا. في رأيي، فإن الوصول إلى تخفيضات فعالة قد يحمل روسيا والسعودية حصة أكبر بكثير من الحصة التي قد يكونان مستعدين لتحملها.
وهناك أيضا عامل مهم وهو قيام الكونغرس برفع الحظر عن تصدير النفط الأمريكي الذي كان مفعوله ساريا منذ أكثر من 40 عاما. هذا سوف يقلل من النفوذ الجيوسياسي للدول المنتجة الأخرى المهيمنة على صناعة النفط.
يأتي هذا في حين تنوي إيران استعادة معدلاتها الإنتاجية السابقة خلال مرحلة ما قبل العقوبات خاصة مع عودة مليارات الدولارات من الأموال المحتجزة إلى خزائنها. وقد سافر الرئيس الإيراني «حسن روحاني» إلى روما وباريس مؤخرا من أجل إجراء محادثات مع شركات النفط الإيطالية والفرنسية للمساعدة في زيادة الإنتاج النفطي الإيراني. ومن الواضح أن هناك حالة من عدم اليقين بخصوص كيف يمكن أن تؤثر الزيادة الإيرانية على تخمة المعروض العالمي. في مثل هذا المناخ، فإنه قد يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على المنتجين الرئيسيين مثل روسيا والمملكة العربية السعودية إغلاق صنابيرهم.
أوبك ترفض الاقتراح الروسي
وقد ذكرت شبكة «بلومبيرغ» الاقتصادية أن مندوبي أوبك أكدوا أنهم ليس لديهم أي خطة لإجراء محادثات بشأن الأمر. استغرق الأمر من أوبك بعض الوقت كي ترفض الاجتماع مع روسيا. على الرغم من أن هذا قد يكون مقدمة لجولة أولى من المفاوضات الشاقة، فإنه لن يكون هناك أي مناقشات حتى يتم عقد الاجتماع.
دون إجراء تخفيضات كبيرة في الإنتاج العالمي، فإن احتمال ارتفاع أسعار النفط من جديد سوف تظل موضع شك كبير. على المدى القريب سوف تظل أسعار النفط تختبر أدنى مستوياتها التي بلغتها بالفعل خلال الآونة الأخيرة. إذا تمت زيادة المعروض فوق المعدلات الحالية فإن ذلك سوف يكون مؤشرا نحو اتجاه الأسعار نحو المزيد من الانخفاض. إذا استقرت الأسعار فوق أدنى مستوياتها، فإننا نتوقع أن تستمر تقلبات الأسعار تفاعلا مع مستجدات السوق المتقلبة.
يأتي هذا في حين تشكل الجغرافيا السياسية لكل من المملكة العربية السعودية وإيران تشكل تهديدا لزيادة عدم الاستقرار العالمي وتتطلب تدقيقا شديدا من قبل المستثمرين. قد يكون النفط سلعة ثمينة لا غنى عنها، ولكن بالنسبة للمنتجين الرئيسيين، فإنها تمثل أيضا سلاحا جيوسياسيا للحرب. الفوضى في الشرق الأوسط هي أشبه ببرميل بارود ينتظر الاشتعال. إذا قام العنف المسلح بتعطيل إنتاج النفط، فإنه لا يمكن توقع إلى أي مدى يمكن أن تذهب الأسعار.