الخليج أونلاين -
يواصل رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو مساعيه المكثفة لتوسيع علاقات بلاده- التي تواجه عقوبات أمريكية مشددة- مع دول مجلس التعاون الخليجي، في إطار محاولاته بناء تحالفات سياسية واقتصادية خاصة في مجال الطاقة بعد تخليه عن منظمة الدول الأمريكية التي وصفها سابقاً بأنها "بلا فائدة".
وتتميز العلاقات بين دول الخليج وفنزويلا بتوافق الرؤى إزاء كثير من القضايا الدولية ومتطلبات السلام والاستقرار بالعالم، والتنسيق في المحافل الدولية، علاوة على الاهتمام الفنزويلي بالقضية الفلسطينية التي تعد القضية الأولى لكل الدول العربية ومنها دول الخليج العربي.
مباحثات في جدة
وعقب زيارته لدولتي الكويت وقطر العام الماضي، بدأ مادورو زيارة للعاصمة السعودية الرياض، في 5 يونيو 2023، التقى خلالها مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وبحث معه تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وآفاق التعاون المشترك.
كما استعرض الطرفان آفاق التعاون وفرص تعزيزه بمختلف المجالات، وتبادلا وجهات النظر حيال عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، حسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس).
وحول هذه الزيارة، يقول المتخصص في الشأن السياسي السعودي مبارك آل عاتي، إنها "تؤكد عمق العلاقات بين البلدين التي تتقاطع في عدد من المجالات السياسية والاقتصادية العالمية".
وأضاف آل عاتي، في تصريحات لصحيفة "إندبندنت" البريطانية، نشرت في 6 يونيو الجاري، أن "الدبلوماسية السعودية قائمة على تعزيز التواصل مع الدول ذات الفرص الاستثمارية، لذا من المتوقع أن تعزز زيادة الاستثمارات المتبادلة، خصوصاً مع ما تمثله كراكاس من ثقل في منظمة أوبك وقارة أمريكا الجنوبية".
وفنزويلا من الدول المؤسسة لمنظمة "أوبك"، ولها ثقل في سوق النفط العالمية، فإضافة إلى أنها من أكثر الدول المنتجة والمصدرة له كذلك تمتلك احتياطاً ضخماً منه.
ورأى الخبير السياسي أن "ثقل فنزويلا في أسواق النفط جعل لها دوراً مؤثراً داخل أوبك، بالتالي هناك تنسيق بين الرياض وكراكاس في هذا الخصوص".
وسبق أن جمعت السعودية وفنزويلا اجتماعات وزيارات متبادلة كان آخرها اجتماع وكيلة وزارة الخارجية السعودية للشؤون الدبلوماسية، سارة السيد، مع السفير الفنزويلي لدى الرياض، دايفيد كارايايو، في الثامن من مايو الماضي، كذلك التقى وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان الرئيس الفنزويلي قبل أيام.
وتبادل الزيارات بين البلدين على هذا النحو يؤكد عمق العلاقة بينهما، خصوصاً أنها تأتي في مرحلة لها بعد دولي، مع ما تمر به منظمة "أوبك+" من مرحلة يمكن وصفها بمرحلة "الخيارات الصعبة"، والتحالفات الجديدة التي قد تضعها على مفترق طرق مع أمريكا والغرب.
وألمح لتلك التفاهمات بيان الفريق الصحفي الرئاسي الفنزويلي عبر بيان على "تويتر"، جاء فيه أن "مادورو يصل إلى السعودية في إطار أجندة عمل تهدف إلى تعزيز التحالفات السياسية والدبلوماسية والطاقة".
وتعتبر السعودية أكبر مصدر للنفط الخام بحصة سوقية تبلغ 17%، فيما ابتعدت مركزاً واحد لتحتل المركز الثاني من حيث حجم احتياطي النفط العالمي بـ298 مليار برميل سنوياً بعد فنزويلا، بحسب شركة البيانات الألمانية "Statista".
وتمتلك فنزويلا أكبر احتياطي للنفط عالمياً، لكن مشاكلها السياسية والاقتصادية حالت دون الاستفادة من تلك الثروة القومية، وسط عقوبات أمريكية عليها من المؤمل تجاوزها لتعويض نقص المعروض في سوق النفط.
قطر والكويت
وعلى الصعيد القطري، كان أحدث أشكال التقارب مع فنزويلا تلقي أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في 25 مايو الماضي، رسالة خطية من الرئيس مادورو تتعلق بالعلاقات الثنائية وسبل تطويرها، حسب وكالة الأنباء القطرية الرسمية (قنا).
كما زار الرئيس الفنزويلي الدوحة، في يونيو 2022، وعقد جلسة مباحثات رسمية مع أميرها، تناولت أوجه تطوير العلاقات وآفاق التعاون المشترك، خصوصاً في مجالات الطاقة والاقتصاد والاستثمار والزراعة والسياحة.
وجاءت الزيارة في خضم أزمة الطاقة التي عاشتها أوروبا بسبب التداعيات التي أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية منذ العام 2022.
وقد شهدت العلاقات بين البلدين تطوراً في عديد من المجالات من خلال تبادل الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين، وقد زار أمير قطر كاراكاس في 2015.
ووقعت الدولتان العديد من اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم التي تشمل تطوير التعاون والتبادل التجاري والاقتصادي بينهما، منذ تأسيس العلاقات عام 1973، ثم فتح سفارة للدوحة في كاراكاس عام 2001.
كما تتبادل الوفود التجارية من غرفة قطر ومجتمع رجال الأعمال القطريين الزيارات واللقاءات مع نظرائهم من الجانب الفنزويلي، وتتركز هذه اللقاءات على بحث واستعراض سبل تعزيز علاقات التعاون بين القطاع الخاص للبلدين، واستكشاف فرص الاستثمار المتاحة لدى الجانبين.
وبالنسبة للكويت فقد أجرى مادورو، في 13 يونيو 2022، زيارة غير تقليدية إلى الدولة الخليجية بحث خلالها مسألة الطاقة واستقرار أسواق النفط الدولية، وتأمين إمدادات النفط عالمياً، مع مسؤولين بالحكومة الكويتية.
ولا يوجد تعاون ملموس بين الكويت وفنزويلا إلا فيما يتعلق بتصدير النفط، حيث إن البلدين عضوان في منظمة أوبك وتحالف "أوبك+".
لماذا لجأت فنزويلا للخليج؟
ويقول عامر الشوبكي، الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون النفط والطاقة، لـ"الخليج أونلاين": إن "العلاقات بين الخليج والدول النفطية علاقات تكاملية، خاصة فنزويلا التي تمتلك أكبر احتياطي نفط في العالم".
وأضاف الشوبكي أن "فنزويلا تعاني الكثير في عمليات تكرير النفط ولا تستفيد من كامل احتياطاتها النفطية؛ فالتعاون مع دول الخليج يأتي في إطار استفادة كاراكاس من خبرات الخليج العربي لاستغلال ثرواتها الطبيعية".
ولفت إلى أن "دول الخليج تمتلك الآن تقنيات وتطوراً تكنولوجياً ضخماً في استخراج النفط وعمليات التنقيب، إضافة للخبرات العالية التي تمتلكها تلك الدول والتي تنقص فنزويلا".
وأوضح أن دول الخليج تمتلك قدرات عالية تحتاج إليها فنزويلا التي تسعى لتنويع شركائها للاستفادة من مواردها الطبيعية، لكون تلك الدول أثبتت أهميتها في سوق الطاقة العالمية واستخراج النفط الخام.
واعتبر الشوبكي أن دول الخليج عنصر مهم رئيسي في إمدادات النفط عالمياً.
ولفت إلى أن "فنزويلا تسعى لتعزيز التحالفات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية مع دول الخليج بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على بلاده والتصدي لها والحصول على استثمارات جديدة على أراضيها".
ومن اللافت الإشارة إلى أن مادورو زار السعودية قادماً من تركيا التي شارك فيها بحفل تنصيب الرئيس الفائز في الانتخابات رجب طيب أردوغان، والذي بدوره دشن انفتاحاً غير مسبوق في العلاقات مع السعودية، مما يسلط الضوء على التواصل الفعال بين الدول المتباعدة عن السياسة الأمريكية والغربية إلى حد بعيد.