جمال بنون- الحياة السعودية-
في 30 أيلول من عام 1989 دعت السعودية كل الفصائل اللبنانية على أرضها لوقف نزف الحرب التي أكلت الأخضر واليابس، واستمرت أكثر من 15 عاماً، وحصدت أكثر من 200 ألف قتيل في نزاع شاركت فيه قوى وأطراف عدة، وكان المتضرر الوحيد من هذه الحرب الأهلية، المواطن اللبناني المغلوب على أمره لصراعات طائفية وسياسية. وقتها دعا الملك الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز هذه الفصائل إلى تحكيم العقل والمنطق والبحث عن مصلحة لبنان أولاً، هذه الدعوة التي استجابت لها القوى المتنازعة شاركت في ما يسمى اجتماع الطائف، حيث وضعت خريطة طريق لإعادة إعمار لبنان.
لم ينته دور السعودية إلى حد اجتماع الطائف، بل دعمت هذه المصالحة الوطنية، وكانت فاعلاً في استقرار لبنان وإعادته كبلد بكامل صحته سياسياً واقتصادياً في صفوف الجامعة العربية والمنصات الدولية، وأسهمت بشكل مباشر في إعادة إعمار لبنان، وأرسلت العديد من المستثمرين ورجال الأعمال، وفتحت خزائنها لدعم الوحدة اللبنانية، وأسهمت في مشاريع تنموية، كل هذا من أجل أن يعود لبنان الوطن لكل اللبنانيين، وإيماناً من السعودية بمكانتها العربية والإسلامية أنفقت بسخاء من دون تحيز لأي طرف أو حزب، ولا تزال.
في المقابل تفرغ بعض من السياسيين مدفوعين من جهات خارجية، الذين لا يهمهم استقرار لبنان وعروبته وأصالته، إلى الكيل بمكيالين ضد السعودية، إما باتهامها أو التقليل من دورها، وفيما كانت لبنان تتعافى من حربها الأهلية وبدأ اللبنانيون يتنفسون الحياة والحرية والأمان، بعد اجتماع الطائف، وتحملت الحكومة السعودية الكثير من بعض السياسيين المراهقين الذين تفرقوا للطعن في نوايا السعودية ودورها السياسي والاقتصادي، البعض رأى أن السعودية تريد أن تهيمن وتسيطر على لبنان في مقابل الدعم الذي تقدمه، والبعض الآخر وجدها فرصة لإشعال لهيب الطائفية ما بين السنة والشيعة.
تعالوا نتحدث بصراحة، إذا كان اللبنانيون يرون أن السعودية تمثل غالبية السنة في العالم الإسلامي، فهل يرى اللبنانيون أن المذهب الشيعي بالطريقة الإيرانية هو الطريق الصحيح، وأن الاعتراف بولاية الفقيه والثورة الإيرانية هو الملاذ الآمن لهم، فماذا كانت النتيجة التي خرجت منها سوى تقسيم المجتمع اللبناني واتساع الخلاف المذهبي، وإذا نظرنا بمنظور سياسي واقتصادي ماذا كسبت لبنان حينما توسعت في اعترافها بإيران كمرجع ديني وسياسي ويجب أن يعمم لكل البلاد.
المراقب للأحداث السياسية في لبنان، يتأكد أن السيطرة الإيرانية توسعت وشملت كل مفاصل الحكومة والسياسيين والمستفيدين من حال الاضطراب التي تعيشها من قلق سياسي واقتصادي. لم يجن اللبنانيون من الحضن الإيراني سوى العديد من الاضطرابات السياسية، كنا سنفتخر ونفرح بلبنان لو أنها بالفعل استثمرت العمق الإيراني لديها وبنت لبنان المنهار ومنحت المواطن اللبناني حياة كريمة وجعلت العيش معاً مع بقية الطوائف وبنت اقتصاداً قوياً كما فعلت دول عدة حينما تخرج من حرب أهلية، تتماسك ويشتد عودها، فماذا جنت لبنان وماذا ربحت خلال 3 عقود بعد الحرب الأهلية.
بحسب التقارير الاقتصادية، فإن الاقتصاد اللبناني يمر بمرحلة صعبة نتيجة أن الدولة تفقد موارد إيراداتها من المرافق العامة، على سبيل المثال الكهرباء بلغ العجز في موازنة الكهرباء 50 في المئة، وتعاني المرافق العامة صعوبات مالية، فضلاً عن الظروف السياسية في البلاد التي أسهمت في عدم الاستقرار النقدي، وبالتالي انعكس سلباً على المواطنين في ارتفاع نسبة البطالة وانخفض دخل الفرد نتيجة التقلبات السياسية، وبلغ العجز في موازنتها أكثر من بليون دولار، فيما تواصل فاتورة الدين العام ارتفاعها بشكل لافت 5 في المئة سنوياً لتصل إلى 69 بليون دولار، الأوضاع الاقتصادية ضربت بقوة قطاع الخدمات في لبنان وأزمة العمل تراكمية ولم يتحقق شيء على أرض الواقع، منذ أن تدخلت إيران لتحرك مفاصل البلاد من اقتصاد وسياسة، فأصبح من ينتمي أو يدافع عن طائفة محددة له الأفضلية في التعامل والمميزات، الانقسام السياسي ظلم الشعب اللبناني وعمق الخلاف.
حينما مدت السعودية يدها ومعها دول الخليج كان من منطلق العروبة والجوار والإخوة وإن شاء البعض فهي من منطلق أن السعودية هي بوابة الحرمين وحامية الوحدة الإسلامية بجميع أطيافها، وليس لها خلاف مع مذهب أو طائفة، بل مدت يدها لتنقذها من براثن التمدد الإيراني، فالسياسة الإيرانية وكل من يتابع سياستها، أبداً لم يكن هدفها استقرار المنطقة أو بناء شعوب ومجتمعات، إذ سعت دائماً إلى زرع قنابل موقوتة ودفن ألغام تنفجر في أية لحظة.
خلال ربع قرن قدمت السعودية للبنان مساعدات وهبات تصل إلى 70 بليون دولار.
قرار الحكومة السعودية بوقف مساعداتها لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي نظراً للمواقف اللبنانية قرار مبرراً، لأن السعودية كانت تثق بالقيادات السياسية اللبنانية أنها ستتمكن من إعادة السيطرة على البلاد ومن الانزلاق نحو الهاوية وبراثن التمدد الإيراني، وأن الطائفية تمكنت منهم وكان لا بد لها أن تراجع حساباتها، فمن غير المعقول أن تنزلق حكومة إلى هذا المنحنى الذي يمثل خطورة كبيرة للشعب ولعلاقاته مع جيرانه، وتلقى الدعم المالي من جارة وقفت معها في كل الأزمات التي مرت بها لبنان.
لن نقول إن لبنان مقبلة على مرحلة مفصلية في تاريخها، بل هي الآن تسبح في هذا الوحل الذي صنعته إيران من خلال «حزب الله»، فمثلما مزقت إيران العراق وسورية ومحاولتها في اليمن، فالأرض خصبة في لبنان ولن تجد صعوبة. نأمل بأن تعود لبنان كما كانت في عهد الستينات بلداً لكل اللبنانيين والعرب.