علاقات » عربي

ثمن الصداقة .. لماذا قطعت السعودية مساعداتها العسكرية إلى لبنان؟

في 2016/02/26

ستراتفور- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-

يبدو أن الصداقة السعودية قد صارت أمرا مكلفا، وأن هذه التكلفة آخذة في الارتفاع.

فقد التقى وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» مع الرئيس السوداني «عمر البشير»، وقد جرى خلال اللقاء بحدث مخاوف الرياض تجاه عدم الاستقرار في أماكن مثل اليمن والأراضي الفلسطينية والصومال وليبيا وسوريا. انتهت المحادثات مع هدية بقيمة 5 مليارات دولار من المساعدات العسكرية السعودية التي كانت مخصصة أصلا للبنان، ولكن تم تحويلها إلى السودان بدلا من ذلك. هذا التحويل السريع لمسار المساعدات يؤكد رغبة المملكة العربية السعودية في التأكد من أن دبلوماسية دفتر الشيكات تسفر عن النتائج المرجوة.

في عهد الملك «سلمان»، تتسارع جهود المملكة العربية السعودية من أجل شراء الحلفاء. تثير العلاقة النامية منذ العام الماضي بين الولايات المتحدة وإيران الفزع في السعودية، وهي تدفعها نحو العمل بشكل أسرع على ترسيخ وتحديد أصدقائها في الشرق الأوسط. إقرار الخطة الشاملة للعمل المشترك في الصيف الماضي (الاتفاق النووي) قد أقنع المملكة العربية السعودية كذلك أنها لم تعد الشريك الأوحد للولايات المتحدة الأمريكية ومهد الطريق أمام المزيد من المنافسة الجيوسياسية مع إيران، المنافس الأكبر للمملكة في المنطقة.

الخلاف الدبلوماسي في أعقاب هجمات السفارة السعودية في طهران في يناير/كانون الثاني، قد أسهم في مفاقمة الأزمات الاقتصادية والعسكرية والدينية بعيدة الأمد بين القوتين المتنافستين في الشرق الأوسط.

وفي استجابة لهذا التهديد، قام نائب ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير «محمد بن سلمان» محاولة تنظيم الحلفاء السنة إلى جانب الرياض لمساعدة المملكة في خوض معاركها بالوكالة في المنطقة. ومن المتوقع أن هؤلاء الحلفاء سوف يكون عليهم تقديم الدعم العسكري للمملكة العربية السعودية في مقابل منح سعودية سخية وقروض واستثمارات، وتأتي على رأس قائمة الحلفاء من هذه النوعية دول مثل مصر والأردن والسودان. ويبدو أنهم قد بدؤوا في تلبية تلك التوقعات.

تلقت المملكة العربية السعودية الدعم اللفظي من كل الدول الـ34 تقريبا في تحالف مكافحة الإرهاب. وفي الواقع، فقد شارك أكثر من 20 من أعضاء هذا التحالف في التدريبات العسكرية التي تقودها السعودية، بما في ذلك مناورات رعد الشمال وهي المناورات العسكرية الأكبر من نوعها.

ولكن هذه المباريات العسكرية الصحراوية إضافة إلى الحروب الدائمة في اليمن وسوريا قد كلفت المملكة العربية السعودية أثمانا باهظة. وسجلت السعودية أكبر عجز في ميزانيتها على الإطلاق في ديسمبر/كانون الأولى الماضي بقيمة 98 مليار دولار. وفي الوقت الذي تحاول فيه المملكة العربية السعودية خفض نفقاتها الخارجية، فقد اكتشفت أن ولاء بعض الدول قد يكون أقل ثمنا من غيرها. تحرص الرياض على ضمان ولاء الحلفاء الذين تستطيع تحمل نفقات ولائهم، ونفض يديها أن الباقيين.

لبنان هي واحدة من هذه البلاد، والتي كانت على مدار تاريخها ساحة للتدخلات الخارجية. في عام 1976، خلال الحرب الأهلية اللبنانية، بدأت سوريا وإيران تدريجيا في إضافة المزيد من الموظفين الشيعة إلى القوات المسلحة اللبنانية مما خفف من تأثير المسيحية المارونية التي فرضت على لبنان في عهد الانتداب الفرنسي، وترك القوات المسلحة اللبنانية يعصف بها بين مختلف الطوائف والانتماءات المتضاربة. برز حزب الله، الميليشيا الشيعية المسلحة، نتيجة لهذه السياسة، كواحد من أقوى الفصائل،عسكريا واقتصاديا وسياسيا، في البلاد. أصيبت المملكة العربية السعودية بالقلق بسبب التنامي الملحوظ لنفوذ حزب الله، لذا فقد تعهدت بمنح مساعدات بقيمة 4 مليارات دولار للجيش اللبناني في عام 2014 ولكن بشرط أن السياسيين السنة سوف ينفقون هذه الأموال بطريقة يتم من خلالها احتواء حزب الله.

ولكن الرياض ربما قد أساءت تقدير نفوذ حزب الله في لبنان. هناك العديد من السياسيين الذين يدعمهم الحزب يعارضون السياسة السعودية. في يناير/كانون الثاني على سبيل المثال، رفض وزير الخارجية اللبناني، بشكل أقرب إلى العلنية في واقع الأمر، الإدانة الرسمية للهجمات على السفارة السعودية. لا يوجد أي مبلغ من المال السعودي بإمكانه إضعاف نفوذ حزب الله في لبنان ممزق وضعيف كما هو الحال الآن.

السودان، ومع ذلك، هو في وضع أفضل بكثير للانحناء أمام إرادة المملكة العربية السعودية. تحسنت علاقات البلدين بشكل ملحوظ على مدار السنوات القليلة الماضية، ومن خلال مزيج من الضغط السعودي والمصري والإسرائيلي، إضافة إلى المال، فقد خفف السودان من اعتماده على المساعدات الإيرانية. وفي الوقت الذي يتم فيه تعويق العلاقات السعودية اللبنانية بسبب الصراعات الداخلية التي تعاني منها لبنان، فقد كانت الحكومة السودانية على استعداد للاستفادة من المال السعودي. قامت الحكومة في الخرطوم بطرد الملحق الثقافي الإيراني ونشرت القوات البرية ضمن التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن.

ولكن على الرغم من أن المملكة العربية السعودية قد قدمت عرضا بتوفير المخصصات المالية إلى السودان، فإنه لا يزال بإمكانها استمالة لبنان إذا أرادت. ويمكن أن تكون الفرصة المقبلة لذلك عندما يبدأ رئيس الوزراء اللبناني جولته الخليجية الطارئة. بتنحية السياسية جانبا، يعرف الزعماء اللبنانيون بوضوح أن بلادهم بحاجة ماسة إلى المساعدات الخارجية. يعرف القادة السعوديون ذلك أيضا، وهم يأملون أن الصعوبات المالية سوف تقنع لبنان بتغيير مواقفه في مقابل المال السعودي.

وسيكون الاختبار الحقيقي لحجم الولاء الذي يمكن شراؤه بالمال السعودي هو الائتلاف في سوريا. تعهد حلفاء مثل باكستان ومصر بالدفاع عن المملكة العربية السعودية في حال تعرضت لهجوم، لكنهما كانا مترددين في إرسال قوات برية إلى أي عملية عسكرية سعودية محتملة خارج منطقة الخليج. بينما تحاول المملكة العربية السعودية معايرة دورها في الصراع السوري، الذي يبدو الآن بلا نهاية أكثر من أي وقت مضى، فإنها تريد أكبر عدد من الحلفاء مثل السودان، في الوقت الذي لا يمكنها فيه تحمل الاعتماد على توقعات غير واقعية من قبل لبنان.