علاقات » عربي

الحلف (السعودي – التركي).. هل ينجح في حماية المنطقة من مخاطر التقسيم؟

في 2016/02/29

شؤون خليجية-

تعيش المنطقة العربية خلال هذه الفترة فوق صفيح ساخن، فالأحداث باتت متسارعة والعواقب باتت وخيمة، ليس فقط على الأنظمة العربية التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، وإنما كذلك على الشعوب، التي باتت بين واقعة بين فكي عدة مشاريع استعمارية تستهدف كسر الإرادة العربية وتطويعها، لتصبح أداة في يد القوى الإقليمية والدولية، التي تسعى للهيمنة والسيطرة على مقدرات المنطقة، لتحقيق مصالحها وضمان أمن واستقرار الكيان الصهيوني الحليف الاستراتيجي الأكبر لهم في المنطقة، وإزاء تلك التطورات الخطيرة لم يكن أمام القوى الإقليمية والعربية الكبرى في المنطقة (تركيا والسعودية)، والمتضررة بشكل كبير من تلك الأحداث، سوى التوحد والاتفاق لمواجهة التحديات الخطيرة التي تواجه الجميع على حد سواء، وذلك من خلال تشكيل ما يشبه الحلف بينهما، والتهديد بالتدخل في الملفات الشائكة في المنطقة وعلى رأسها الملف السوري، ليس فقط من خلال الدعم المادي والمعنوي، وإنما كذلك من خلال التهديد بالتدخل البري لإعادة التوازن للأوضاع في سوريا، خاصة بعد خسارة المعارضة لمواقع استراتيجية تحت وقع الضربات الروسية القوية والمؤثرة، والاقتراب من القضاء على كافة نقاط التواصل ما بين المعارضة السورية المسلحة والأراضي التركية، الأمر الذي أدى لحدوث تغير مفاجئ في مسار الأحداث، بعد إسراع الولايات المتحدة الشريك الرئيسي غير المباشر للروس في ضرباتهم الموجهة لمواقع المعارضة السورية، للتواصل مع الروس والاتفاق على عقد هدنة لاستئناف المسار السياسي من جديد، لتهدئة المخاوف (التركية – السعودية)، والتقاط الأنفاس قبل العودة من جديد لاستئناف عمليات الضرب العشوائية لمواقع المعارضة السورية، وفي الوقت نفسه تهدئة حدة الانتقادات العربية للدور الأمريكي المتراجع في المنطقة، وخاصة في الملف السوري، والعمل على إضعاف المواقف (السعودية – التركية)، وفك الارتباط القائم بينهما، لخطورة ذلك على مشاريع التقسيم الغربية، التي باتت ترعاها الولايات المتحدة وروسيا، فهل تنجح السعودية وروسيا في مواجهة تلك التحديات وتجاوز الفخاخ التي تنصب لهم، أم ستتمكن الإدارة الأمريكية وحلفاؤها الصهاينة والإيرانيين من القضاء على القوة العربية والإسلامية الأخيرة في المنطقة، ويمضوا قدمًا في خطط تقسيم وتفتيت المنطقة.

تحديات سعودية مصيرية

أدت السياسات السعودية خلال السنوات الخمس الماضية، خاصة بعد تدخلها بالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة في وأد الربيع العربي، وعدم مساعدة الشعوب الثائرة في التخلص من الأنظمة الديكتاتورية الموالية للغرب وإيران، إلى إضعاف الخاصرة الشعبية، وإتاحة المجال للقوى المتربصة بالمنطقة، وخاصة إيران وأمريكا وروسيا والكيان الصهيوني، إلى العبث بها والتدخل في مجريات الأمور بداخلها، والاستفادة من متغيراتها، لإيصال حلفائها إلى مناطق صنع القرار، واستغلال أزماتها للقضاء على ما تبقى من عوامل صمود وممانعة.

وفي الواقع أن هذه اللعبة الدولية الخبيثة بدأت منذ فترة طويلة، وشاركت دول وأنظمة عربية في دعمها بعض الفترات، بل وكان ينفق عليها من أموال النفط العربي، وذلك لغياب الرؤية والافتقاد إلى الاستراتيجية الفعالة، التي تمكننا من مواجهة التحديات وتفادي المخاطر، التي باتت تهدد ليس فقط دولنا وأنظمتنا، وإنما تهدد كذلك وجودنا، وتقضي على وحدتنا وتماسكنا وهويتنا العربية والإسلامية.

وقد كانت البداية من العراق، الذي ترك بعد الاحتلال الأمريكي له لقمة سائغة في الفم الإيراني، الذي انتهز الفرصة وعمل على السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد، لتنفيذ سياساته ومواصلة مشاريعه الخاصة بإقامة الهلال الشيعي في المنطقة، وهو ما نجح فيه بشكل كبير، لولا الهبة الشعبية التي قادها العراقيون السنة في البداية، قبل أن تنقض عليهم داعش وتستولي على الإنجازات التي حققوها، بسبب التعامل الشيعي الفظ مع السنة في العراق، وارتكابهم لانتهاكات ومجازر بشعة بحق المواطنين العزل.

وهنا بدأت السعودية تواجه تحديين في أن واحد، التحدي الداعشي الذي بدأ يكبر شيئًا فشيئًا وتزداد خطورته على أمن واستقرار المنطقة، وفي القلب منها المملكة العربية السعودية، وتحدي النفوذ الإيراني في العراق، خاصة بعد إفساح المجال له من قبل الولايات المتحدة، التي عملت منذ احتلالها للعراق على تقوية الدور الإيراني في المنطقة، بحيث يتم استخدامه في وقت لاحق لضرب المشروع السني في مقتل، وبذلك تبقى المنطقة ضعيفة وفي حالة صراع طائفي مقيت يقضي على وحدتها، ويمزق شعوبها، ويهدر ثرواتها.

وقد اتضحت تلك المخططات الخبيثة بشكل جلي في الأزمة السورية الحالية، وبدا للجميع أن الدولة التي كانت تظهر للشعوب العربية أنها دولة مقاومة، ومناصرة للمقاومة الفلسطينية وللحقوق المشروعة للشعوب العربية المستضعفة، إنما هي عدوانية ساعدت حليفها في سوريا، وكبدت الشعب خسائر فادحة في الأرواح، إذ أدى دعمها للنظام السوري لسقوط ما يقرب من ربع مليون شهيد، وتهجير غالبية الشعب السوري، الذي فوجئ بإلقاء أطنان من البراميل المتفجرة فوق رأسه، دون ذنب سوى مطالبته بالحرية والديموقراطية والكرامة الإنسانية.

ليفاجأ النظام السعودي أنه أمام تحدٍ جديد، هو تحدي ضياع الدولة السورية، وسقوطها هي الأخرى في يد العدو الإيراني، الذي استخدم كل قواه، في الوقت الذي غفل فيه العرب عن دعم الثورة السلمية للشعب السوري، لدعم نظام بشار الأسد والحيلولة دون سقوطه مهما كلفهم ذلك من تضحيات، إذ لم يكد يمر يوم إلا ونسمع عن سقوط قيادة من قيادات الحرس الثوري الإيراني، وسط إصرار إيراني على مواصلة دعم الأسد، واعتبار بقائه مسألة حياة بالنسبة لها، باعتبار أن سوريا ركيزة استراتيجية في مشروع الهلال الشيعي الإيراني، وضياعها يعني ضياع المشروع الذي بذلت إيران في سبيله جهودًا مضنية من أجل أن يرى النور، لذلك فهي تواصل دعمها للنظام السوري، دون خوف من الانتقادات الدولية والشعبية الموجهة لسياساتها وتدخلاتها المرفوضة في الشؤون العربية، ومن هنا لم يعد أمام السعودية وتركيا التي تضررت من الضربات الروسية والإيرانية للمعارضة المعتدلة، بد من التدخل في الشأن السوري لإعادة التوازن إلى سير العمليات الداخلية، وإن كانت الكفة لاتزال تميل لصالح النظام السوري وحلفائه الخارجيين.

أما أخطر التحديات التي واجهتها المملكة، فقد تمثلت في التحدي الحوثي على حدودها الجنوبية، إذ فوجئت المملكة كما فوجئ العالم العربي والإسلامي بتصدر جماعة الحوثي للمشهد الثوري اليمني، وتمكنها بدعم من رئيس النظام السابق علي عبدالله صالح، من تجاوز الحكومة الشرعية والسيطرة على مقاليد الأمور في جميع أنحاء البلاد، بعد تسليم الجيش اليمني لهم في مختلف المناطق الاستراتيجية في البلاد، لينقلب السحر على الساحر، إذ اعتقدت المملكة ومعها الإمارات العربية المتحدة في وقت من الأوقات، أن دعمها للنظام اليمني السابق سيؤدي في النهاية فقط إلى القضاء على حزب الإصلاح اليمني المنتمي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، ولم تدر أن هذا الدعم سيأتي لهم بمن هو أشد خطورة على أمنهم ومصالحهم الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، سيأتي بأحد أكبر حلفاء النظام الإيراني في المنطقة، ليتضح أن إيران كانت تتلاعب بالجميع وتتركهم كي يقوموا بأنفسهم بتوصيل حلفائها لسدة الحكم في العديد من الدول العربية، التي لولا النظام السعودي الذي استشعر الحرج والخطورة على وجوده وبقائه، لضاعت البحرين واليمن وسوريا وكذلك لبنان، وأصبحتا أداة طيعة في يد النظام الإيراني، الذي سبق وأن أعلن أنه أصبح يسيطر على أربع عواصم عربية.

وإزاء هذه التحديات وغيرها، لم يعد أمام المملكة أي خيار سوى البحث عن شركاء لها لمواجهة هذه التحديات، ووضع حد للتحركات الإيرانية والغربية، التي تستهدف القضاء على دول الممانعة العربية واحدة تلو الأخرى، فما حدث في العراق ويحدث في سوريا مرجح بشكل كبير لأن ينتقل إلى الأراضي السعودية، حسبما تفيد بذلك التسريبات التي تطل علينا من حين وآخر، وتؤكد أن هناك مخططات تستهدف تقسيم دول المنطقة إلى دويلات صغيرة متناحرة، ومنها السعودية التي يفترض أن يتم تقسيمها إلى 5 دويلات صغيرة.

وفي هذا الاطار لم تجد المملكة سوى الشريك التركي لتتضامن معه في مواجهة تلك التحديات، خاصة بعد انسحاب القاهرة بدرجة ما من المشهد، ورفضها التحرك إلى جانب المملكة في خطواتها الخاصة بمواجهة الحوثيين، والنظام السوري، وداعش، والعدو الإيراني في المنطقة.

 تركيا على طريق الاستهداف

تتلاحق التطورات الميدانية على الأراضي السورية، وبالأخص في الشمال، بوتيرة ربما تكون هي الأسرع على مدار 5 أعوام. حيث يبدو أن خريطة التحالفات في الشمال السوري تشهد تحركات سريعة، حيث تستفيد وحدات الحماية الكردية من القصف الروسي، لأجل الاستيلاء على أكبر قدر من الأراضي الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة التابعة للجيش الحر.

وحسب الخبراء، تسير الأمور بشكل متسارع نحو سيناريو كابوسي بالنسبة إلى تركيا والمنطقة، بعد خسائر متواصلة للمعارضة المسلحة الحليفة لتركيا على مدار الأسابيع الأخيرة، في حلب وريفها الشمالي، إذ يبدو أن روسيا لا تحرق الأرض في هذه المنطقة لصالح قوات النظام فقط، في الوقت الذي يبرز فيه ما هو أشبه بتحالف ميداني بين الطيران الروسي، ووحدات حماية الشعب، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المعادي لتركيا، الذي يستفيد من المعارك الدائرة، من أجل انتزاع أكبر قدر من الأراضي في الشمال السوري من فصائل المعارضة السورية التابعة للجيش الحر، التي قاتلت جنبًا إلى جنب مع الأكراد في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في كوباني وغيرها خلال عامي 2014 و2015، في الوقت الذي يتم فيه رسم معالم الدولة الكردية بخطى متسارعة على الحدود التركية مع كل من العراق وسوريا.

فكما هو واضح من التطورات الميدانية على الارض، الشمال السوري آخذ في التشكل بشكل سريع نحو خريطة معادية لتركيا ولدول الجوار الإقليمي بشكل كامل، تشمل هذه الخريطة كلًا من قوات الحماية الكردية ووحدات النظام، وكلاهما يستفيد من الدعم الجوي الروسي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ولم يبق لتركيا حلفاء يمكن الاعتماد عليهم في هذه المنطقة سوى بعض فصائل المعارضة، التي تتعرض لتضييق كبير في إدلب، حيث يتعرضون لحصار من الجنوب، حيث اللاذقية التي أحكم النظام سيطرته عليها، ومن الشمال الشرقي من قبل ريف حلب، الذي قارب على السقوط بأكمله في يد قوات النظام أيضًا.

فقد شهدت الفترة الماضية تقدمًا ملحوظًا لقوات النظام، مدعومة بالقصف الروسي على حساب المعارضة المدعومة من تركيا، في الوقت الذي نجح فيه النظام في قطع أحد طريقي الإمداد الرئيسيين لهذه المعارضة، تزامنًا مع القصف الروسي المتواصل، الذي يؤدي إلى نزوح الآلاف من المدنيين تجاه الحدود التركية.

لذلك تعتبر تركيا أكبر الخاسرين من التدخل العسكري الروسي، بحكم جوارها الجغرافي لسوريا وتأثيرها الكبير في الشمال، فمن شأن هذا التدخل أن يتجاوز بتداعياته مسألة "داعش"، إلى التأثير سلبًا على وضع المعارضة السورية المدعومة من تركيا في الشمال، ومن ثم الدور الكردي في شمالي البلاد.

وفي هذا الإطار وحسب العديد من الخبراء، تتمثل التحديات التي تواجه تركيا، بثلاث قضايا:

1- المنطقة الآمنة التي أضحت في مهب الريح، حيث تتطلب حظرًا جويًا لا سبيل إلى تحقيقه من دون تدخل مباشر من "الناتو"، وهو أمر ما زال مرفوضًا من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي، فكيف الحال الآن، بعد الوجود العسكري الروسي، والخشية من حدوث اشتباك بين الجانبين من شأنه أن يفجر حربًا باردة غير مرغوب بها.

2- كيفية تقديم الدعم العسكري والبشري للفصائل المسلحة المدعومة من قبلها، بعد توجيه موسكو تحذيرًا شديد اللهجة إلى أنقرة، من أن الطيران الروسي سيقصف كل المراكز التي يمر عبرها المقاتلون الأجانب، في حال سمحت الحكومة التركية لمقاتلين بعبور الحدود نحو سوريا.

3- التعاطي التركي مع الحزب الديموقراطي الكردستاني، الذي طلب المشاركة في العمليات العسكرية الروسية، وأصبح بذلك حليفًا للولايات المتحدة وروسيا على السواء.

4- زيادة الفجوة السياسية بين كل من الولايات المتحدة من ناحية، وبين تركيا والسعودية من ناحية أخرى. فبخلاف الاتفاق النووي مع طهران الذي أغضب السعودية، فإن الولايات المتحدة لا تزال متمسكة بالرهان على الأكراد في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» ،التي يبدو أنها قد صارت الأولوية القصوى على أجندة واشنطن في سوريا وخارجها. وهو ما تسبب في تصعيد لهجة الخطاب التركي ضد واشنطن بشكل كبير، حيث طالبت أنقرة واشنطن أن تختار بينها وبين دعم الأكراد.

وإزاء هذه المعطيات لم يعد أمام تركيا إلا إما القبول بالأمر الواقع، في ظل تراخ أميركي ربما يكون مقصودًا، أو التوجه نحو إجراء تنسيق عال مع الرياض والدوحة لزيادة الدعم العسكري للمعارضة المسلحة، وتجاوز الفيتو الأميركي الذي يمنع تزويد المعارضة بأسلحة متطورة أولًا، ومحاولة تشكيل جبهة عسكرية تضم فصائل مسلحة على رأسها "أحرار الشام"، لوقف نزيف النقاط التي تمنى بها المعارضة لصالح قوات النظام السوري.

مواجهة التحديات مهمة صعبة

إن مواجهة هذه التحديات مهمة صعبة في ضوء الوقائع الواضحة، لكنها ليست مستحيلة، فهذه التحديات تشكل فرصة تاريخية للإرادة المشتركة لفهم استراتيجي موحد، من أجل رؤية عملية لمبادرة (سعودية ـ تركية) لتوظيف إمكاناتهما الضخمة، والتمكن في جيواستراتيجيا المنطقة، من خلال العمل على إحداث حالة من التوازن في القوى بينهما وبين القوى الأخرى، ثم الاتجاه نحو «استنزاف الخصوم»، وإن لدى الدولتين فرصة مهمة لإعادة ذلك التوازن، منها:

أولاً: إعادة هيكلة قوى الثورة السورية وتحويلها إلى جيش وطني، ودعمه بالأسلحة النوعية والمتطورة، والتحرك على رؤية تغيير ميداني تقلب المعارك على الأرض في سوريا. فحسب العديد من الخبراء إعادة هيكلة قوى الثورة السورية، وتقديم الدعم لفصائل المعارضة، أحد أهم الخيارات المطروحة لمواجهة العدوان الروسي، ووقف تقدم النظام.

ثانياً: التعاون في دعم مشروع تركيا لإقامة منطقة آمنة في المناطق الشمالية لسورية، وتشمل حلب وإدلب، وتوفير إمكانات قيام المجتمع الدولي بدوره في هذه المنطقة، حتى لا تترك لضربات النظام السوري والقوات الروسية بالشكل الذي يضر بمصالح مختلف الأطراف الإقليمية والدولية .

ثالثاً: توظيف القوى السنية العراقية لإحداث التوازن الديمغرافي والاستراتيجي مع إيران في العراق، وبحيث لا يترك لإيران العنان للسيطرة على صناعة القرار في العراق بالشكل الذي يضر بمستقبل الأمن والاستقرار في العراق وخارجه.

رابعاً: العمل على توظيف تيار شيعي وطني معتدل في المنطقة لمواجهة إيران وحلفائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهي المناطق التي تعيث فيها إيران فساداً واحتراباً.

خامساً: العمل على تحريك اللوبي الضاغط لصالح تركيا والسعودية في الولايات المتحدة وأوروبا، وحتى روسيا، لصالح استقرار المنطقة، وإبعاد التدخل الروسي والإيراني في المنطقة العربية.

إن التحالف (التركي – السعودي) في حال استكمال مقومات نجاحه يمثل فرصة تاريخية لمواجهة التحديات، والعمل على وضع حد للتدخلات الخارجية في شؤون المنطقة، وتهديد أمنها واستقرارها، ووقف عمليات التقسيم والتفتيت التي تجري اليوم، على قدم وساق وسط عجز الأنظمة العربية عن وقفها.

دور أمريكي خبيث لامتصاص الغضب

أدت حدة الصراع الدائر في سوريا وتوابعها في دول الجوار الإقليمي، والتصعيد الكبير في مواقف الأطراف المختلفة، والذي وصل لدرجة التهديد بالتدخل البري في سوريا، إلى إعادة تقييم الموقف من قبل الشركاء الدوليين، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي وجهت إليها سهام النقد من قبل الشركاء الإقليميين، وزادت وتيرة الانتقادات الموجهة إليها من قبل الخبراء والرأي العام العربي، الذي اعتبرها شريكًا رئيسيًا في التدخل الروسي المرفوض في سوريا، وقيامه بتوجيه ضربات موجعة لقوات المعارضة، وصلت لدرجة تهديد الرئيس السوري باستعادة كامل الأراضي السورية، بعد أن كان قد أوشك على السقوط تحت ضربات المقاومة السورية المعتدلة، لولا التدخل الروسي لإنقاذه.

وإزاء تلك المواقف الرافضة للضربات الروسية والصمت الأمريكي على ما يحدث في سوريا، لم يكن أمام الولايات المتحدة وشركائها، سوى الإعلان عن هدنة مؤقتة لتحقيق عدة أهداف، أهمها:

أولاً: تهدئة أجواء الصراع في المنطقة بعد وصول الأمور إلى مرحلة الأزمة، التي لم يعد من الممكن معها أن يتم غض الطرف عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا، والتي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.

ثانياً: تهدئة الرأي العام العربي الذي بدأت تصيبه حالة من السخط الشديد، بسبب المواقف الأمريكية الداعمة بشكل غير مباشر للدور الروسي المرفوض في سوريا، وغضها الطرف عن المجازر والمأسي التي يتعرض لها الشعب السوري.

ثالثاً: وضع حد لعمليات الهجرة التي تسفر عنها الضربات الروسية لسوريا، خاصة بعد تطبيق سياسة الأرض المحروقة التي تؤدي لهجرة آلاف السكان من مناطقهم، وانتقالهم إلى أوربا وغيرها من دول العالم، وهو ما بات يشكل تهديدًا مباشر للأمن والاستقرار في العديد من دول العالم.

رابعاً: استعادة الولايات المتحدة لدورها الريادي في المنطقة، ووضع حد للتحركات الروسية ولو مؤقتا في سوريا، حتى تتم إعادة ترتيب الأوراق من جديد قبل استكمال السير في مخطط التقسيم الخاص بسوريا، مثلما تم في العراق والسودان من قبل.

لذلك فإن الفترة المقبلة، وإن كانت ستشهد تهدئة لبعض الوقت، إلا أن الأمور سرعان ما ستعود من جديد إلى الاشتعال، خاصة وأنه يبدو أن هناك إصرارًا غربيًا على استكمال المخططات التي تم وضعها بالنسبة للشأن السوري، والتي تصب في صالح الدول العظمي، وتضر بأمن واستقرار سوريا والمنطقة بأكملها. وقد لا تستطيع الدول الإقليمية الكبرى في المنطقة وعلى رأسها السعودية وتركيا، تحقيق أي تقدم في هذا الملف الحساس، بسبب كبر الهجمة وعظمة التحديات التي يواجهها الجميع، إلا من خلال التحالف والاتحاد، والالتحام بجماهير الشعوب العربية الرافضة لما يحدث في المنطقة من انتهاكات وتدخلات خارجية، والتصدي لهذه المخططات الخبيثة التي تستهدف مستقبل المنطقة