أسامة محمد- الخليج الجديد-
مع دخول بلدان الربيع العربي العام 2016 تكون قد انطوت صفحات خمس سنوات من حقبة ثورية انطلقت مع صرخات «محمد البوعزيزي» في تونس، ومرّت بمصر وليبيا وسوريا واليمن، وألقت بظلالها على دول إقليمية كثيرة، وفيما تميزت هذه المرحلة بفترات صعود وهبوط وعمليات انتخابية وتدخلات دولية وإقليمية تمايزت خلالها مواقف وأدوار الدول والفاعلين بشكل كبير. وقد كان للدور الإماراتي بنية وشكل مختلف تماما عن بقية هذه الدول حيث اتسم بالعداوة الشديدة للربيع العربي والسعي الحثيث بشتى السبل لإجهاضه.
وفيما يلي عرض مختصر لأبرز وأحدث ما قامت به الإمارات في بلدان الربيع العربي:
مصر
ساهمت أبوظبي بشكل كبير في التخطيط للانقلاب في مصر، ومدته بالأموال لكي تسانده على الوقوف في وجه التحديات، حيث مولت جهود عزل الرئيس الأسبق، «محمد مرسي»، مثل حركة تمرد وغيرها فضلًا عن ترحيبها وتغطيتها السياسية والمالية للسلطة العسكرية في مصر، وقد أكد تقرير نشره موقع «ميدل إيست آي» أن الإمارات قدمت 25 مليار دولار دعما لنظام «السيسي» وليس فقط 18 مليار دولار. وقد عرض نظام «السيسي» مؤخرا على صندوق أبوظبي للتنمية شراء سندات دولارية بقيمة 10 مليار دولار لإنقاذ الاقتصاد المصري الآيل للانهيار التام.
ليبيا
قامت أبوظبي بدعم محاولة انقلابية فاشلة في ليبيا، أتبعتها بتدخل عسكري عبر قيامها بعمليات قصف جوي في ليبيا فضلا عن استمرارها في إذكاء نار الانقسام بين الفرقاء وإفشال التوصل لحلول سياسية، عبر علاقاتها المشبوهة مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا «برنارد ليون» والذي أصبح رئيس الأكاديمية الدبلوماسية في أبوظبي، والذي نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية مراسلات أخرى جديدة له مع السلطات الإماراتية يطلب فيها الإذن بطرح اسم السفير الليبي بالإمارات «عارف النايض» كمرشح لرئاسة حكومة التوافق الليبية بالإضافة لمناقشته مع مجلس الأمن القومي التابع للإمارات كيفية إدارة القوات المسلحة «الليبية».
تونس
أما في تونس فقد كان لها دور كبير في تمويل الجهود التي وصلت لإنشاء أحزاب سياسية وتمويل عمليات انتخابية من أجل العمل على إفشال مسيرة حركة النهضة، إضافة إلى وجود اتهامات كثيرة للإمارات بالوقوف وراء اغتيالات وأحداث أمنية في تونس وليبيا وسوريا واليمن. ولعل أحد الأمثلة على ذلك اغتيال اليساري التونسي «شكري بلعيد» في فبراير/شباط 2012 والذي أدى إلى اضطراب سياسي كبير والذي اتهمت الإمارات بالوقوف ورائه. كما أن أصابع الاتهام تشير إلى دور إماراتي خلف الانشقاقات في حزب نداء تونس بسبب وجود توجهات لدى بعض أعضاء الحزب بالتشارك مع حركة النهضة.
اليمن
أما عن الدور الإماراتي في اليمن، فقد أعلنت أبو ظبي مشاركتها في العملية عاصفة الحزم تحت شعار استعادة الشرعية في اليمن. لكن الإمارات تبدو مترددة بين التزامها تجاه الحرب، وبين مخاوفها من صعود نفوذ حزب الإصلاح اليمني، فرع جماعة الإخوان في البلاد. يظهر هذا التردد الإماراتي بشكل واضح في تعز، أحد معاقل الإصلاح. حيث تتخاذل في فك الحصار الذي يفرضه الحوثيون وقوات الرئيس المخلوع «على عبدالله صالح» على المدينة، نكاية في الإصلاح. في الوقت الذي قامت فيه الإمارات بإرسال قوات برية إلى عدن وقادت العمليات هناك مما يسمح لها بالتفرد بالنفوذ في المدينة الاستراتيجية وحماية مصالحها في الميناء الحيوي. كما أن علاقة الإمارات بالرئيس اليمني المخلوع «علي صالح»، ونجله تظل موضع جدل كبير فيما يخص الالتزامات الإماراتية في اليمن.
سوريا
لم تخرج الإمارات بشكل كبير عن الموقف الخليجي العام تجاه سوريا، لكن دعمها للثورة لم يكن دعما جادا على المستوى السياسي والعملي. ظهرت الإمارات بشكل محايد للبداية، ثم قامت بالدعوة في الظاهر لفرض عقوبات على نظام «الأسد» بعد رفضه عدة مبادرات للحل، لكن هذا كان للتغطية على علاقاتها مع نظام الأسد حيث تتهم الإمارات بإعطاء النظام الشيفرات السرية لأجهزة الاتصال التي سلمتها للجيش الحر، فضلا عن تمويل بعض القنوات الإعلامية لتشويه فصائل الثورة السورية. أما حول التطورات الأخيرة، فقد أيدت الإمارات التدخل الروسي في سوريا، ووصفته أنه تدخل ضد عدو مشترك. وفيما يتعلق بالتدخل البري السعودي في سوريا، اختارت الإمارات موقفا ضبابيا حيث قال «أنور قرقاش» وزير الدولة للشئون الخارجية: «إن الامارات ثابتة في موقفها لدعم القوات التي تحارب داعش.. لا أتحدث عن آلاف القوات.. أتحدث عن قوات تقدم الدعم للقوات التي تقاتل على الأرض إن رأى التحالف على أن تلعب الولايات المتحدة دورا قياديا في ذلك». ويبدو أن «قرقاش» لا يريد أن يقول بصراحة أنه يتحدث عن مئات أو عشرات الجنود، ربما يكون بعضهم موجودا في الأردن أو بغداد التي أكد «قرقاش»، بغرابة، على ضرورة وجودها وهي التي استنفرت قوات وميليشيات الحشد الشعبي فيها وأرسلتهم مدججين بالأسلحة إلى الحدود السعودية فور الإعلان عن مناورات رعد الشمال.
الدوافع والأسباب
لقد قامت الإمارات بهذه الأمور وغيرها في مواجهة ثورات الربيع العربي لعدة أسباب ودوافع منها الخوف من التغيير، والذي دفع الإمارات نحو القيام بإجراءات وقائية من أجل ضمان القيادة الحالية لسيطرتها على الوضع في البلاد، دون التأثر بعدوى التغيير من خلال إفشال تجارب التغيير الأخرى. إضافة إلى وجود إرث من العداء تجاه الإسلاميين الذين يعتبرهم حكام البلاد بمثابة المهدد الرئيس للاستقرار في الإمارات. وربما يكون أحد هذه الأسباب راجعا إلى الرغبة في تدمير المنافسين على النفوذ، والاستئثار بالهيمنة في المنطقة وخاصة الجيران مثل قطر على سبيل المثال.
ويمكن أخذ الأسباب الاقتصادية بعين الاعتبار، حيث الخوف من استقرار بلدان كمصر وقيامها بمشاريع كبرى في قناة السويس أو حتى في اليمن كمشروع تطوير ميناء عدن، والذي يمكن أن يلقي بظلاله على هيمنة دبي على صناعة الشحن والموانيء في المنطقة.
وفي هذا السياق يرى الدكتور «عبدالخالق عبد الله» المقرب من الحكام في الإمارات أن الإمارات أثبتت أنها «كانت ملاذاً آمناً ومستقراً»، إذ برزت الإمارات كأكبر مستفيد اقتصادي من الربيع العربي، حيث وظفت بنيتها التشريعية والتحتية وأجواء الحريات الاجتماعية والفردية الاستثنائية لجذب الشركات والاستثمارات العربية ورؤوس الأموال العربية والعالمية الهاربة من مناطق التوتر القريبة والبعيدة.
نجاحات بطعم الإخفاق
وكتقييم مختصر، يمكن القول أن الإمارات قد نجحت في تخريب ثورات الربيع العربي بشكل كبير في بعض المناطق، ولا تزال تحاول إعاقة التقدم في مناطق أخرى، ولكنها لم تنجح في بناء نموذج مستقر يخضع لسيطرتها ويقدم لها فوائد استراتيجية، وإذا تحدثنا عن مصر فإن الأموال التي ضختها أبوظبي في مصر كانت ثمنا باهظا لا يعرف متى يمكن أن تسترد مقابله.
أما على صعيد السياسة الخارجية، فقد تشوهت صورتها في نظر الشعوب في هذه البلدان بشكل كبير. وتقوم الإمارات حاليا بمحاولات تزيين لسياستها الخارجية معتمدة على نخبة من الدبلوماسيين والاستشاريين الغربيين، وربما تنجح الإمارات في تحسين صورة سياستها الخارجية أمام الدول غير العربية وغير الإسلامية، ولكن هناك شكوك كبيرة في إمكانية تغيير ذلك لدى الرأي العام العربي.
ما تخشاه الإمارات بشكل حقيقي هو تكرر انطلاق ثورات الربيع العربي، لأن الموجة القادمة سوف تكون أكثر جذرية.
وقد اعتبر الأكاديمي الإماراتي «عبد الخالق عبد الله»، مستشار «محمد بن زايد» ولي عهد أبو ظبي، أن ثورات الربيع العربي ستتكرر في حال بقيت أبواب الإصلاح مغلقة. وقد قامت أبوظبي في هذا السياق باستحداث تغييرات شكلية وإصلاحات استعراضية في بنية الحكومة بهدف التغطية على الثغرات البنيوية، وعلى الممارسات غير الديمقراطية، وغير الحقوقية. حيث خصصت الدولة وزارتين؛ واحدة للتسامح وأخرى للسعادة. ولكن هذا الإصلاح لم يشمل الإسلاميين المتعقلين في سجون أبوظبي منذ بداية الربيع العربي. وإضافة لما سبق، فإن الذي تخشاه أبوظبي أكثر هو أن تطالها ردود انتقامية بسبب أدوارها التي يحتمل أن تتكشف خفاياها بشكل أكبر في المرحلة القادمة، وهذا يبقي علامات الشك قائمة حول مدى استطاعة أبوظبي تحصين نفسها من التغيير.