هاني الظاهري- عكاظ السعودية-
لا نريد نحن العرب أن نصدق حتى الآن أنه لم يعد هناك وجود لدولتين اسميهما العراق وسورية تشبهان خريطتيهما في كتب الجغرافيا، الواقع يصدمنا والتسويات الدولية التي تسير بهذا الاتجاه على قدم وساق ترعبنا، لكننا ما زلنا إزاء ذلك نعيش على الآمال ونحلم بأن يعود العراقيون والسوريون إلى رشدهم ويتمسكوا بوحدة دولتيهم، ونرفض حديث كل من يواجهنا بالحقيقة التي مفادها أن الأحلام لا تُطعم خبزا.
كل المعطيات السياسية تشير إلى نضوج الطبخة الروسية الأمريكية.. طبخة التسوية القائمة على الحل الوحيد المتاح وهو تقسيم الدولتين إلى أقاليم فيدرالية تتمتع بالحكم الذاتي «هي في حقيقتها جمهوريات صغيرة» لإيقاف أنهار الدم بعد أن ثبت للعالم أن العراقيين الذين تعايشوا مع بعضهم البعض منذ الآف السنين سيفنون بعضهم خلال أعوام قليلة ما لم يُفصل بينهم بأسوار شاهقة، وكذلك هو حال السوريين الذين لم يعودوا قادرين على التشارك في تنفس الهواء نفسه، بعد أكثر من 5 أعوام من «ديستوبيا» الخوف والجوع والقتل والإرهاب.
سيحصل الأكراد أخيرا على دولتهم الحلم التي تقتص جزءا من الأراضي السورية بجانب الجزء العراقي من كوردستان، سوف يحدث ذلك رغما عن معارضة تركيا التي مازالت تحتفظ بجزء من أراضي الأكراد التاريخية، وأغلب الظن أن هذا الجزء أيضا لن يصمد لأكثر من عقد حتى يلتحق بالدولة الكردية الأم، كما سيحصل سنة العراق وسورية على دولة تتكون من الجزء الشرقي من سورية القديمة إضافة لمناطق من شمال وغرب عراق ما قبل «الربيع العربي»، فيما سيحصل شيعة العراق على دولة في الجنوب، وكذلك سيحصل العلويون والمسيحيون في سورية على دولة تطل على البحر المتوسط غربا وتنتهي حدودها الشرقية بالتماس مع ريف دمشق الشرقي.. ومن المحتمل أن يحصل الدروز على دويلة صغيرة في مناطق انتشارهم في السويداء إن بذلوا مزيدا من الجهد في سبيل الحصول على نصيبهم من الكعكة.
وجه المنطقة تغير كليا خلال الأعوام القليلة الماضية لكننا نحن العرب مازلنا متمسكين بالخرائط القديمة وندافع عنها باستماتة لإيماننا التاريخي بوحدة أقطار هذه الأمة وخطورة التلاعب بمصيرها ومستقبل شعوبها، وهذا بالطبع لا يكفي لإيقاف صيرورة التاريخ، فقد مزق العراقيون والسوريون أنفسهم بسكاكين الطائفية والعنصرية والكراهية، ووجد الطامعون بمقدرات دولتيهم الفرصة لإدارة الصراع بينهم وتوجيهه إلى هذه النهاية التي ستكون أيضا مصير دول أخرى سلكت الطريق نفسه مثل ليبيا وربما تلحق بها غيرها، وكل ما نخشاه أن تصدق النظريات التي تشير إلى أننا نمر ببداية مرحلة انهيار الحضارة العربية وانحسارها على الجزيرة التي جاءت منها مقابل صعود الأقليات العرقية في المنطقة لإحياء حضارات عرقية أخرى خلال القرنين القادمين.
أعتقد أن من المفيد حاليا أن يسارع العرب لوضع خطط إستراتيجية للتعامل مع الدويلات القادمة بهدف احتوائها والحيلولة دون ظهورها كقوى معادية، أو كنتونات تشكل تهديدا لدول العالم العربي القديم التي مازالت متماسكة حتى الآن.