ماثيو ليفيت- معهد واشنطن-
يأتي تصنيف «مجلس التعاون الخليجي» الأخير لـ «حزب الله» كمنظمة إرهابية بشكل أساسي نتيجة للتوترات الطائفية والجيوسياسية بين دول الخليج السنية وإيران الشيعية. ولكنه أيضاً النتيجة التراكمية للتاريخ الطويل من نشاط هذه الميليشيا اللبنانية في المنطقة. وجاءت هذه الخطوة في أعقاب الاتفاق النووي الإيراني والتزايد الأخير للعمليات المرتبطة بطهران و «حزب الله» في مختلف أنحاء منطقة الخليج.
ويعود قرار «مجلس التعاون الخليجي» بإدراج الميليشيا الشيعية اللبنانية على القائمة السوداء إلى ثلاث سنوات على الأقل. ففي حزيران/يونيو 2013، توصلت دول «مجلس التعاون الخليجي» إلى اتفاق بالإجماع حول اعتبار «حزب الله» إرهابياً، وبدأ الكثير من الدول الأعضاء باتخاذ إجراءات سرية ضد داعمي الحزب في بلادهم. ففي أيار/مايو 2014 على سبيل المثال، سحبت المملكة العربية السعودية رخصة العمل من مواطن لبناني قيل إنه مرتبط بـ «حزب الله». ولكن في ذلك الوقت، كان «مجلس التعاون الخليجي» يجامل إيران لدفعها إلى التخلي عن التزامها المتزايد آنذاك بنظام الأسد، وهو الالتزام الذي أنجزته إيران إلى حد كبير عبر تفويض وكيلها اللبناني «حزب الله» بالدفاع عنه. وقال الأمين العام لدول «مجلس التعاون الخليجي» عبد اللطيف بن راشد الزياني آنذاك إن المجلس مستعد للتحاور مع إيران إذا غيرت سياستها. إلا أن ذلك لم يتحقق.
وبالانتقال إلى آذار/مارس 2016، أضفى «مجلس التعاون الخليجي» طابعاً رسمياً على تصنيفه لـ «حزب الله» كمنظمة إرهابية بسبب ارتكابه أعمالاً عدائية ضمن حدود دول الخليج. وما زالت الدول الستّ الأعضاء في المجلس قلقة من مشاركة «حزب الله» في القتال في سوريا، ولكن هذه الخطوة تندرج أيضاً في إطار التوترات الأوسع بين السعودية وإيران. وفي الواقع، جاء هذا التصنيف بعد إلغاء الرياض مساعدة عسكرية للبنان بقيمة 3 مليارات دولار في شباط/فبراير.
ولكن المخاوف المتزايدة لدول «مجلس التعاون الخليجي» بشأن «حزب الله» لها ما يبررها. فلطالما مارس الحزب أنشطة خارج حدود لبنان، بما في ذلك في منطقة الخليج. ووفقاً لـ "وكالة الاستخبارات المركزية" الأمريكية، تنشط فروع «حزب الله» هناك منذ أواخر الثمانينيات. ففي عام 1986، بدأت المنامة بكبح أنشطة «حزب الله البحريني»؛ وبعد عام واحد، اعتقلت 59 شخصاً اتهموا بالانتماء إلى الحزب وحاكمتهم. ولكن الحزب لم يُهزم إطلاقاً. ففي آذار/مارس 1997، اعتقلت الاستخبارات الكويتية 13 بحرينياً وشخصين عراقيين في مدينة الكويت يعملون تحت مسمّى «حزب الله الخليج». وكشفت المراسلات التي صودرت من منازلهم بأنهم كانوا على اتصال بأفراد في دمشق، سوريا، وفي مدينة قم في إيران. وأشارت أدلة أخرى إلى أنهم كانوا يتلقون توجيهات مباشرة من وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية.
النشاط في منطقة الخليج
في 12 كانون الأول/ديسمبر 1983، نفذت عناصر من «حزب الله» و«حزب الدعوة الإسلامية» العراقي سبعة تفجيرات في الكويت، أدت إلى مقتل ستة أشخاص وجرح حوالى 90. وكانت من بين الأهداف السفارتان الأمريكية والفرنسية، ومطار رئيسي في مدينة الكويت، ومقر شركة "رايثيون" الأمريكية، ومنشأة حفر نفطية لـ "شركة البترول الوطنية الكويتية"، ومحطة لتوليد الكهرباء تابعة للحكومة. وفي نهاية المطاف، اعتُقل 17 شخصاً في الكويت - أُطلق عليهم لاحقاً اسم "الكويت 17" - بينهم عدة عناصر من «حزب الله».
وقد نفذ «حزب الله السعودي» أول هجوم له على منشأة نفطية داخل المملكة في أيار/مايو 1987. وبعد عشرة أشهر، تبنّى الحزب مسؤولية تفجير وقع في معمل الشركة السعودية للبتروكيماويات ("صدف") في مدينة الجبيل. وردّت السلطات السعودية بحزم، فاعتقلت وأعدمت عدة مسلحين اشتُبه في تورطهم بالتفجير. ورداً على ذلك، أعلن «حزب الله السعودي» الحرب ضد "آل سعود"، واغتال عبد الغني بدوي، النائب الثاني للقنصل السعودي في تركيا. وبعد شهرين، حاول الحزب اغتيال أحمد العمري، النائب الثاني للقنصل السعودي في كراتشي في باكستان، الذي نجا ولكنه تعرّض لإصابات خطيرة. وفي 4 كانون الثاني/يناير 1989، قُتل النائب الثالث للسفير السعودي في بانكوك في تايلاند بعد تعرضه لإطلاق نار خارج منزله. أما الهجوم الأشهر لـ «حزب الله» على المصالح السعودية فوقع في حزيران/يونيو 1996 في تفجير "أبراج الخبر"، إذ قُتل 19 جندي أمريكي وعدد غير محدد من المدنيين السعوديين في منتزه مجاور، وجُرح 372 أمريكياً آخر.
وفي السنوات اللاحقة، نفذت الميليشيا اللبنانية عدة هجمات أخرى في لبنان وفي الخارج بهدف إطلاق سراح عناصرها المسجونين. ومن بين هؤلاء كان مصطفى بدر الدين، صهر القائد الرفيع المستوى في «حزب الله» عماد مغنية. وبعد اغتيال مغنية في عام 2008، تولى بدر الدين قيادة الجناح الإرهابي في «حزب الله»، أي «منظمة الجهاد الإسلامي»، وكذلك كتيبة الميليشيا التابعة لها في سوريا لاحقاً.
وفي الآونة الأخيرة، خلال حرب العراق، أنشأ «حزب الله» وحدة مخصصة - "الوحدة "3800 - لدعم الميليشيات العراقية الشيعية التي كانت تستهدف قوات الائتلاف الدولي، وتَركز هذا الدعم بشكل أساسي على تدريب الميليشيات الشيعية. ومنذ عام 2003، شاركت هذه الوحدة الفاعلة أيضاً في عمليات استهدفت القوات الأمريكية والبريطانية في العراق.
ووقعت بعد ذلك الحرب في سوريا، التي غيرت «حزب الله» بشكل جذري. فبينما انخرط الحزب في الماضي في عمليات في الخليج أو العراق بإيعاز من إيران، غيّرت مشاركته العسكرية في سوريا مبادئه التنظيمية بالكامل. ففي السابق، كان الحزب يركز جهوده على التنافس على السلطة السياسية في لبنان ولمحاربة إسرائيل، ولكنه أصبح الآن لاعباً إقليمياً منخرطاً في صراعات بعيداً جداً عن الحدود اللبنانية، بالتعاون مع إيران في أغلب الأحيان. ولا تشكل هذه التدخلات عمليات لمرة واحدة، بل إنها جزء من التوجه الإقليمي الجديد لدى الحزب، الذي يركز على الهلال الشيعي. ويتمثل أوضح مثال على ذلك، إذا استثنينا سوريا، في أنشطة الحزب المتزايدة في منطقة الخليج.
وقد أرسل «حزب الله» أيضاً عدداً قليلاً من كوادره الرئيسيين لتدريب المتمردين الحوثيين في اليمن، وهو الأمر الذي أثار غضب دول الخليج. وفي 24 شباط/فبراير 2016، أكدت الحكومة اليمنية المدعومة من قبل دول الخليج أنها تمتلك أدلة ملموسة عن "تدريب «حزب الله» للمتمردين الحوثيين وقتاله إلى جانبهم في الهجمات على الحدود السعودية". ووفقاً للحكومة الأمريكية، يشرف خليل حرب، القائد السابق للعمليات الخاصة والمستشار المقرّب من الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله، على عمليات الحزب في اليمن ويسافر إلى طهران للتنسيق مع الإيرانيين. ويُقال إن عناصر آخرين رفيعي المستوى في الحزب، مثل أبو علي الطبطبائي، القائد السابق المتمركز في سوريا، قد أُرسلوا إلى اليمن.
الأجواء مهيئة منذ زمن
كانت الأجواء مهيئة منذ بعض الوقت لقيام «مجلس التعاون الخليجي» بإدراج «حزب الله» على القائمة السوداء، كما يُفهم من إجماع دول الخليج غير الرسمي في حزيران/يونيو 2013 على تصنيف الحزب كمنظمة إرهابية. ومنذ ذلك الوقت، ازدادت أنشطة الحزب في المنطقة. وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، أُلقي القبض على عناصر من «حزب الله» في الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة. وقد أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية على القائمة السوداء عناصر من «حزب الله» كانت تستخدمن مصالحها التجارية في العراق لجمع الأموال وتوفير الدعم اللوجيستي لأنشطة الحزب هناك. وفي 26 شباط/فبراير 2016، أدرجت السعودية أربع شركات وثلاثة رجال أعمال لبنانيين على القائمة السوداء بسبب علاقتهم بـ «حزب الله». وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت قد حظرت بالفعل [عمليات] هذه الشركات قبل عام، إلا أن خطوة السعودية لا تزال مؤشراً على الاهتمام المتزايد الذي يوليه «مجلس التعاون الخليجي» بزعامة السعودية بـ «حزب الله».
وتكشف هذه الخطوات أيضاً التوترات الجيوسياسية والطائفية بين السعودية وحلفائها الخليجيين من جهة وإيران من جهة أخرى. وقد بلغت هذه التوترات، التي تتمظهر في مختلف بلاد المنطقة، حدها الأقصى مع إعدام الشيخ نمر النمر في كانون الثاني/يناير وما تبعه من اقتحام لبعثتين دبلوماسيتين سعوديتين في إيران. وبعد بضعة أيام، لجأ السعوديون إلى جامعة الدول العربية و «منظمة التعاون الإسلامي» لإدانة الهجمات وأنشطة إيران و«حزب الله». وعندما لم يقدم لبنان شيئاً سوى "تضامنه" [مع السعودية]، ردّ السعوديون في شباط/فبراير عبر إلغاء الدعم المالي للبنان وسحب الودائع من المصارف اللبنانية. وانضمت البحرين إلى السعودية في انتقامها من لبنان عبر إصدار تحذير لمواطنيها من السفر إلى لبنان. وقالت الإمارات العربية المتحدة إنها ستمنع مواطنيها من زيارة لبنان.
وفي حين حاول نصرالله تحجيم قيام «مجلس التعاون الخليجي» بإدراج «حزب الله» على القائمة السوداء ووصفه بأنه مجرد مكائد إسرائيلية، وعلى الرغم من أن توقيت الإجراءات الخليجية الأخيرة ضد الحزب تعود، في جزء كبير منها، إلى الانقسامات الطائفية الإقليمية، لا شك أن «حزب الله» وإيران أصبحا أكثر نشاطاً في منطقة الخليج في السنوات الأخيرة. وإذ تأتي هذه الإجراءات في أعقاب الاتفاق النووي الإيراني، الذي أثار قلق دول الخليج من أن تستخدم إيران تدفق الأموال لديها لزعزعة استقرار هذه الدول، تتزايد المخاوف الخليجية من أنشطة إيران ووكلائها بشكل خاص.